العدد 4288 - الثلثاء 03 يونيو 2014م الموافق 05 شعبان 1435هـ

دور منظمات المجتمع المدني في دعم وحماية حقوق الإنسان في مملكة البحرين (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

(استكمالاً لورقة قدمتها في منتدى المفوضية السامية لحقوق الانسان يوم السبت الموافق 26 ابريل /نيسان 2014 في فندق الموفنبك بمملكة البحرين)

تبين لاحقاً أن استراتيجية الدولة تقوم على احتواء المجتمع المدني والسياسي، ومن ذلك منظمات المجتمع المدني وبالتحديد الحقوقية، كما يأتي:

1 - القوانين واللوائح:

جرى تفعيل القوانين القديمة المقيدة للحريات ومنها حرية تشكيل منظمات المجتمع المدني، ومنها قانون 1989 بشأن الجمعيات والأندية الثقافية. وقد طرح في عام 2005 مشروع قانون منظمات المجتمع المدني باستشارة من المركز الدولي للقانون التطوعي (ICNL) حيث جرى تنظيم اجتماع لمنظمات المجتمع المدني، أبدت تحفظات على مشروع القانون المقدم آنداك. وفيما بعد قدمت 20 جمعية منها مسودة بديلة، كما عبر المركز عن اعتراضه على مشروع القانون المعد من قبل وزارة التنمية الاجتماعية والتي ادعت أنها استشارت المركز وجرى طي القانون الذي استقر في البرلمان منذ ذلك الحين، لكنه يجري تطبيقه من خلال قرارات وزارة التنمية الاجتماعية ولوائحها، وسنتعرض للقانون لاحقاً.

وإضافة إلى ذلك هناك عدد من القوانين التعسفية الأخرى التي تطال العمل التطوعي ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء، مثل قانون العقوبات وقانون حماية المجتمع من الارهاب وقانون المطبوعات، وقانون التجمعات والمواكب، وغيرها.

ومنذ اندلاع الأزمة في 14 فبراير/ شباط 2011 فإن توجه الدولة هو تشديد القوانين وتغليظ العقوبات في ممارسة الحريات العامة، ومنها حرية تشكيل منظمات المجتمع المدني وخصوصاً الحقوقي ونشاطها وعلاقاتها وتمويلها.

2 - الدولة وأجهزتها: أناطت الدولة بوزارة التنمية المراقبة والإشراف على منظمات المجتمع المدني وتنفيذ القوانين التعسفية ولكن بشكل انتقائي. فالمنظمات الموالية يجري غض النظر عنها أما الجمعيات المستقلة والانتقادية فتجري ملاحقتها والتضييق عليها وخنقها ومن ذلك:

أ‌. حل مركز البحرين لحقوق الإنسان في 2004، وحل جمعية المعلمين في أبريل/ نيسان 2011 واعتقال قياداتها والحكم عليهم بأحكام طويلة.

ب‌. حل الهيئات الإدارية التي لا تتوافق مع الوزارة ومن ذلك حل الهيئة الإدارية لجمعية الممرضين ومصادرة مقرها، وحل الهيئة الإدارية للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في 2012، وحل الهيئة الإدارية لجمعية المحامين في 2013، والضغط على الهيئة الإدارية لأسرة الأدباء والكتاب وجمعية الأطباء للاستقالة، تحت وطأة الملاحقة وهو ما تم فعلاً وجرى تغيير اللوائح الداخلية وتركيبة الجمعية العمومية لكلاهما بما يضمن سيطرة الدولة.

ت‌. الترخيص بشكل اعتباطي للعديد من المنظمات الأهلية الموالية للحكومة، بحيث تغرق المجتمع المدني بها، وتستخدمها في مواجهة منظمات المجتمع المدني الحقيقية وخصوصاً المنظمات الحقوقية الحقيقية، سواء في البحرين أو المحافل الدولية، ودعمها بسخاء لإقامة المؤتمرات ومرافقة الوفود الرسمية في الخارج.

3 - التضييق على الجمعيات المستقلة:

في الوقت الذي يجري فيه رعاية ودعم المنظمات الأهلية الموالية فإنه يجري عملية خنق وحصار المنظمات الأهلية المستقلة بمختلف الوسائل ومنها إعاقة عقدها للندوات خارج مقارها (منع الشفافية مثلاً من عقد ندوة في 2014 بنادي العروبة بشأن الفساد في ألبا-ألكوا) واستضافتها لمؤتمرات إقليمية (منع تحالف الشبكة العربية - البحرين من استضافة مؤتمر آسيا للأهداف الألفية للتنمية في 2010)، وقطع أي تمويل داخلي أو خارجي عنها. حيث لم تحظَ الجمعيات المستقلة بأي دعم يذكر من صندوق التنمية، فيما يحال التمويل الخارجي إلى دائرة مكافحة غسيل الأموال بوزارة الداخلية والتي منعت تمويل مشاريع للاتحاد النسائي البحريني والجمعية البحرينية للشفافية.

4 - استبعاد المنظمات المستقلة:

خلال المرحلة الأولى من الانفتاح جرى ضم المنظمات المستقلة (الجمعيات والاتحاد النسائي واتحاد العمال) إلى بعض المجالس الوطنية، مثل لجنة التسيير لبرنامج المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان ولجنة مكافحة الاتجار بالبشر، لكنه جرى إبعادهم عنها إثر أزمة 14 فبراير/ شباط 2011 وما تلاها.

5 - تداعيات 14 فبراير:

اكتسبت استراتيجية الدولة لاحتواء العمل الحقوقي، منظمات، ونشاطات، وبرامج وأفراد أبعاداً خطيرة إثر حدث 14 فبراير 2011 وتداعياته. ومن الواضح إثر تقييم ما جرى أنه ليس رد فعل على انتفاضة شعب يطالب بالحرية، بل مخطط جرى التحضير له منذ فترة تعود إلى أكثر من 5 سنوات عندما كشف التقرير المثير للجدل عن خطة عمل لتفتيت المجتمع والانقضاض على مؤسسات المجتمع المدني المستقل.

وبعد فشل الإجهاز على الحركة الجماهيرية في أيامها الأولى، وتمسك الآلآف بالاعتصام في الدوار والذي تحول إلى منبر للمحتجين، وفضاءً لحوارات واسعة، ومنطلقاً لمسيرات شبه يومية، فقد عمدت السلطة إلى استنفار المكون السني في المجتمع بتصوير التحرك الشعبي بمثابة تحرك شيعي يستهدف النظام والسنة. وقد أوكلت المهمة لشخصيات بعينها سبق أن أشير إليها في التقرير المثير للجدل 2006، وقد اتخذت الهجمة المضادة تجليات مجتمعية وسياسية وإعلامية. وما نريد أن نركز عليه في هذا المجال موقف منظمات وشخصيات المجتمع المدني المستقلة وكيف جرى الانتقام منها.

لقد انضمت منظمات المجتمع المدني مثل اتحاد العمال والاتحاد النسائي وأعضائهما في نقابات وجمعيات وكذلك الجمعيات الأهلية مثل جمعية المعلمين والجمعيات الحقوقية والنسائية والطلابية والأدباء وغيرهم إلى الحراك الجماهيري كونه حراكاً وطنياً يستهدف المطالبة بإصلاحات عميقة وشاملة للنظام، وهو ما يتفق مع أهداف وواجبات المجتمع المدني. وبالفعل تشكل تجمع من أكثر من 20 جمعية، وضعت أرضية مشتركة لأهدافها وتحركها نحو الجمهور والسلطة والمجتمع السياسي. وقد أدرك سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أهمية دور منظمات المجتمع المدني، وخاطبهم طالباً منهم تقديم رؤيتهم في مشروع الحل السياسي الذي تقدم به لحل الأزمة (مشروع السبع نقاط).

في الوقت ذاته وعلى امتداد الحراك الجماهيري العلني في دوار اللؤلؤة والمسيرات فقد كان هناك رصد لكل ما يجري استعداداً للانقضاض.

وبالفعل فعلى إثر الهجوم على الدوار في 16 مارس/ آذار 2011 بدأت مرحلة جديدة في محاولة تصفية الحركة الجماهيرية من أساسها ومن ذلك حركة المجتمع المدني بمنظماته وشخصياته وكانت الخطة متكاملة، مخابراتية وأمنية وإعلامية.جرى استخدام الإعلام الرسمي والتابع لنشر صور وشرائط وتسجيلات لمنظمات وشخصيات المجتمع المدني، وتجريمها على الهواء مباشرة ويترافق ذلك مع حملة انتقام واسعة بحقها. جرى أولاً حل جمعية المعلمين لدعوتها لإضراب المعلمين واعتقال قيادتها، كما جرى تهديد الهيئة الإدارية لأسرة الأدباء والكتاب والهيئة الإدارية لجمعية الأطباء، للاستقالة أو مواجهة المحاكم العسكرية. وهكذا استقالتا، لكن ذلك لم يَحُل دون اعتقال أعضاء من الهيئتين وأطباء ومثقفين. وفي إطار حملة الكراهية والتخوين، يحاط الهدف بدائرة حمراء، ويسرد على الهواء مباشرة أعماله المجرمة، ليجري لاحقاً اعتقاله.

منذ الانقضاض على الحركة الجماهيرية في 16 مارس 2011، حتى اليوم فإن حملة التنكيل بالجمعيات والنشطاء المجتمعين والحقوقيين مستمرة، حيث يمثل الشهيدان عبدالكريم فخراوي وأحمد اسماعيل والمعتقلون نبيل رجب وعبدالهادي الخواجة، وإبراهيم شريف وعلي العكري وزينب الخواجة وريحانة الموسوي ومهدي أبوديب، نماذج من المئات ممن طالتهم حملة التنكيل بما في ذلك القتل العمد والتعذيب حتى الموت، والاعتقال، والنفي، والتسريح من العمل. أما منظمات المجتمع المدني والحقوقي الحقيقية فقد استهدفت إما بالحل كالمعلمين أو بالسيطرة عليها كما جرى للمحامين وأسرة الأدباء والكتاب وإما شقها كما جرى للعمال، وإما خنقها كما جرى للآخرين. وبسبب استهداف مختلف المجموعات المجتمعية كالأطباء وأصحاب المهن الطبية والمعلمين والطلبة، والرياضيين والأدباء والصحافيين وغيرهم، وبسب حل أو الاستيلاء على جمعياتهم، فقد عمدوا إلى تشكيل مجموعات عمل تدافع عن حقوقهم. فتشكلت مجموعة المادة (19)عن الصحافيين، والقلم الدولية (Pen Int) عن الأدباء والكتاب إلى جانب المجموعات الأخرى ونشطوا محلياً وعربياً ودولياً، وعلى إثر تقديم اللجنة الوطنية لمتابعة توصيات لجنة بسيوني تقريرها، شعرت الجمعيات والمجموعات الحقوقية المستقلة أن عليها أن تتشكل وتتابع مدى تنفيذ توصيات لجنة بسيوني، ثم تطور الأمر لتشكيل المرصد البحريني لحقوق الإنسان، كائتلاف حقوقي لمتابعة جميع الملفات الحقوقية في البحرين والتحرك عربياً ودولياً.

6 - استنفار الجاليات ضد الحراك.

من أخطر مفاصل المخطط المذكور هو دق إسفين ما بين الجاليات الأجنبية وجمهور الحراك، وفبركة أحداث واختلاق قصص وقلب الحقائق بما يدعي باستهداف الجاليات الأجنبية من قبل الحراك.

لكن أخطر ما حدث هو الإيعاز لمجموعة من عناصر أجنبية للتحرك باسم الجاليات الأجنبية وادعاء تمثيلها وإشهار ما يعرف باتحاد جمعيات الجاليات الأجنبية وتكرار ادعاءها بأنها تمثل 55 في المئة من سكان البحرين أي الأجانب. بالطبع لم تخول الجاليات الأجنبية ولا جمعياتها قيام الاتحاد المزعوم، لكن ذلك لا يهم ما دامت السلطة تريد لها أن تلعب هذا الدور، وهكذا أشهر الاتحاد كما أعتقد دون أي إجراء قانوني، ووفرت له كل الإمكانيات المادية واللوجستية حيث يُستقبل ممثلوه من قبل كبار المسئولين ويروِّج الإعلام لأطروحاتهم، وتخصص الدولة إمكانيات كبيرة لتنظيم احتفالات لأفراد الجاليات بإشرافهم، لدعم النظام وتجريم المعارضة، وترافق ممثلوه الوفود الرسمية في جنيف وبروكسل وغيرها، كناطقة باسم الجاليات الاجنبية.

لكن الأخطر هو ما طرح في استقبال جلالة الملك للأمير أندرو ابن الملكة إليزابيث الثانية في زيارته للبحرين بأنه يحق للجاليات الأجنبية أن تتمثل في السلطة التشريعية (مجلسي النواب والشورى) وخصوصاً أنهم يمثلون أغلب السكان، وقد روّج لذلك في الإعلام.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4288 - الثلثاء 03 يونيو 2014م الموافق 05 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً