العدد 4378 - الإثنين 01 سبتمبر 2014م الموافق 07 ذي القعدة 1435هـ

مواهب فذة تكتشف بين نعومة الأظفار

الأطفال: أحزان وأفراح يكشفها الرسم

قبل قرون ليست بقليلة كان الرسم وسيلة التعبير الوحيدة فيما عُرف بالعصر الحجري، حيث كانت هذه الخربشات على جدران الكهوف هي وسيلة الاتصال الوحيدة التي يمكن أن يعبر من خلالها الإنسان عما يريد أن يقول، وبما أننا لم نعد في العصر الحجري، بات العدد الأكبر من الناس يستخدم الكلمات لإيصال رسائله الحسية والفكرية، إلا أن هناك فئة حافظت على لغة الرسم من الاندثار، ليس لكونها فنا ومهارة فقط، بل لأنها مازالت وسيلة اتصال وتعبير لمملكة شعبها الأطفال.

تقول مديرة روضة الهادي زهرة سيدعلي محمد ان "الأطفال داخل أسوار الروضة يحكون أحداث يومهم عن طريق الرسم، على سبيل المثال ذهب أطفال الروضة في رحلة إلى حديقة الحيوان قضى خلالها الأطفال وقتاً في غاية المتعة، وعند عودتنا إلى الروضة بدأ الأطفال في رسم ما شاهدوه في الحديقة فمنهم من رسم ثعباناً كبيراً، وآخرون رسموا القردة والأحصنة".

"عن طريق الرسم يحكي لي الطلاب عن نشاطاتهم خلال الإجازة الصيفية"، هذا ما قالته معلمة الفن في مدرسة سار الابتدائية للبنين شرف ميرزا وعن الموضوعات التي يرسمها الطلاب ترى أن "لوحات برك السباحة تكثر عن غيرها للتعبير عن مجريات العطلة الصيفية، كما أن هناك من يرسم الأماكن التي قام بالسفر إليها خلال الصيف".

ولأن لسان البالغين يعجز أحياناً عن التعبير، فهو كثيراً ما يخيف الأطفال من النطق بما يخالجهم من مشاعر فرح أو حزن، فتحكي الأستاذة زهرة ميرزا "لدينا أطفال يعانون الكثير من العنف في حياتهم، ما يظهر جلياً في تصرفاتهم ورسوماتهم التي تجسد مواقف عنف شاهدوها أو مروا بها، كرسم إحدى الفتيات لامرأة تشد فتاة من شعرها، وبالتالي فإن اللوحة التي رسمتها الطفلة تعبر عن حالة عنف قد عايشتها".

تقول أستاذة الفن فاطمة العشيري "اننا نحن البالغين نملك طرقا مختلفة للتعبير عن مشاعرنا وانفعالاتنا بطريقة شفوية صريحة، إلا أن طريقة التعبير عن هذه المشاعر قد تبدو مختلفة لدى الأطفال الذين لا تؤهلهم قدراتهم اللغوية من التعبير الدقيق عما يرغبون في ايصاله، وحتى لو امتلك بعض الأطفال لغة جيدة في التواصل تبقى هناك العديد من الأمور التي تمنعهم من أن يعبروا صراحة، نظراً للقيود المفروضة عليهم من الكبار".

اكتشاف الموهبة

"تحرص الجهات الحكومية في البحرين على الاهتمام بهذه المواهب عن طريق مركز رعاية للطلبة الموهوبين الذي يستقبل عشرات الطلبة سنويا من مختلف المواهب من الصف الأول الابتدائي حتى نهاية المرحلة الثانوية، والتي تضم من بينها مواهب الرسم، أكان ذلك عن طريق المدارس التي ترسل إلينا طلبتها المتميزين في الرسم أو عن طريق الكثير من الأهالي الذين لا يترددون في ارسال أبنائهم إلى المركز".

تتحدث ضحى مالك وهي أم لطفلة موهوبة (فاطمة) بعمر الثالثة قائلة: "بحكم أنني كنت طالبة في الجامعة كانت ابنتي دائماً بجانبي حين أقوم بفروضي الجامعية، يومها كانت ذات عام وسبعة أشهر تقريباً، ظلت تمسك القلم وتقول لي: ماما نمنة (أي سمكة) فقمت برسمها لها عدة مرات إلى أن أمسكت هي القلم بنفسها وأخذت ترسم دوائر، تطورت بشكل كبير خلال شهر، وهي مدة قصيرة مقارنة بصغر سنها، فتخللتها ما يشبه العين، وهكذا منذ ذلك الحين وصغيرتي تعشق الألوان والدفاتر".

تلاحظ زهرة ميرزا أن موهبة الرسم تظهر في العادة لدى أطفال الروضة عند المستوى الثاني والتمهيدي، أما فيما يخص علامات التميز التي تظهر على أداء الموهوبين دون غيرهم من الأطفال فتؤكد شرف أن ملاحظة المتميزين في الرسم يكون سهلاً وواضحاً من خلال خطوطهم السلسة والرسومات الواضحة المعالم والتلوين النظيف.

التطوير والتشجيع

الرسم موهبة وتميز إلى جانب كونها وسيلة للتعبير، فهناك بعض الأطفال الذين تتميز انحناءاتهم الفنية عن باقي أقرانهم، ما يوحي بموهبة فنية فذة تدق أجراس النجاح المستقبلي إذا ما قوبلت بالاهتمام، فتقول الفنانة فاطمة العشيري "نشأت في عائلة فنية تهوى الفن، فكان والدي يولي الرسم اهتماما خاصا، ما جعل من الفن عشقاً يكبر معنا مع مرور السنين".

ويقول أحمد جعفر (7 سنوات) وهو أحد الموهوبين إن الرسم يمثل أجمل النشاطات التي يقوم بها لكونه بحسب قوله "أحسن فنان في الصف"، ما يجعله الأكثر تميزاً من بين أقرانه في هذا المجال، أما أمين رائد (11 سنة) فقد زاد اهتمامه بموهبته الفنية بعد أن قام بزيارة مع المدرسة إلى مركز الموهوبين، ومنذ ذلك الوقت أصبح الرسم يمثل له شيئا أكبر من حصة الفن.

يعتبر التشجيع أكبر محفز لدى الطفل للعمل فإن وعدته بسكاكر عندما يحسن السلوك يكون في قمة الأدب والاحترام، كذلك الحال مع الفن فكلمات الثناء والإعجاب بأعماله تزيده ثقة بما يملك من موهبة وتجعله أكثر سخاء فيما يقدم من فن، فتقول الأستاذة زهرة سيدعلي "من أجل تشجيع مواهب الأطفال في الروضة، نقوم بوضع الأعمال الميزة في اطار ونعلقها على جدران الممرات".

كذلك الحال مع الأستاذة شرف ميرزا التي تعلق لوحات طلبتها المتميزين الذين يفرحون كثيراً عندما يرون لوحاتهم معلقة في الفصل.

تقول ضحى: "حتى الجدران لم تسلم من رسوماتها، لكنني عندما تقوم بذلك لا أنهيها عن هذا الفعل بعنف، لعلمي أن ذلك سيحبط حبها للرسم، في الحقيقة (تحولت جدران منزلي للوحات فنية في كل الزوايا)، أنا الآن أقوم بالاحتفاظ ببعض رسوماتها، وما بين حين وآخر عندما ترسم شيئا جديدا أقوم بتشجيعها وأريها لوحاتها القديمة لترى كيف تطور رسمها خلال عام ونصف".

الإسهام الحكومي

هذه المواهب ستبقى مغبرة بين خوالج أصحابها إذا ما قوبلت بجفاء الدعم الحكومي الذي يعد خجولاً داخل أسوار المدرسة حيث ان مادة الفن في المدارس لا تلقى اهتماماً كبيراً إلا أن هذا الدعم نجده منظوراً خارج أسوار المدرسة متمثلا في مركز رعاية الموهوبين الذي يسعى لإيصال رسالة أن المواهب الفنية البحرينية غير قابلة للضياع والاندثار مع الجهود الحثيثة التي يبذلها المركز للوصول إلى أكبر عدد من الموهوبين في البلد عن طريق العمل على تطويرهم من خلال عدة نشاطات.

أما الأستاذة زهرة ميرزا فتقول انه ضمن مخططاتها للعام الجديد عمل معرض لأولياء الأمور تعرض فيه لوحات الأطفال، وزيادة الاهتمام أكثر بالرسم لما له من سلطة في التعبير لدى الأطفال، ورسم طريق للنجاح، يبدأون به حياتهم الفنية والمهنية.

الفن زهرة كغيره من الزهور إذا ما قوبلت بالري تفتحت وفاحت رائحتها، وإن أهملت اصفرت ويبست، فلا تبخلوا أيها الوالدان من أن تهديا ابنكما قلما وورقة ينطلق بعدها للتحليق في سماء أفكاره فيحكي مغامراته وبطولاته التي مر بها خلال يومه، ويهبط إليكما محملاً هدايا النجاح والتميز التي تسعد قلبيكما التواقين لخير أبنائكم.

العدد 4378 - الإثنين 01 سبتمبر 2014م الموافق 07 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً