العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ

الجغرافيا والتاريخ ومشهد الأحداث والوقائع (1-2)

«دراسة في وثائق عائلة الجشي في القطيف والبحرين»...

سوق السكّة بالقطيف
سوق السكّة بالقطيف

التصدّي للكتابة عن العائلة، تاريخها، جذورها، امتدادها، والدور الذي قامت به، أمر فيه إشكال لدى كثيرين. كأنك تكتب عنك حين تتصدَّى للأمر وأنت جزء من العائلة تلك. أن يكتب من هم خارجها، كما يرى آخرون، فيه نظر أبعد، وسلامة من العاطفة والانحياز أيضاً. هل هي قاعدة؟ ليس بالضرورة. لكن ماذا عن كتابة مثل تلك، تذهب إلى أبعد من التاريخ والجذور والامتداد والدور، تقليباً وفحصاً وقراءة في الوثائق، ما هي طبيعة تلك الوثائق؟ ما الذي يتم قراءته؟ ما الذي يعنيه كل ذلك للقارئ في نهاية المطاف، ما دام الجهد والعمل والأثر موجهاً في نهاية المطاف إلى متلقين لذلك الجهد؟

«تراث الأجداد»... دراسة في وثائق عائلة الجشي في القطيف والبحرين (1200-1350هـ)، (1785 - 1931م)، الصادر عن الدار السعودية للنشر والتوزيع في العام 2007، كتاب اشتغل عليه المهندس والدبلوماسي السابق جميل عبدالله الجشِّي، بدأه ببيئة الأحداث، من حيث البعد المكاني بين مكانين: القطيف البحرين، يليه البعد الزمني، متناولاً فيه ضمن الفصل الأول، الدول التي تعاقبت على حكم القطيف، وتلك التي تعاقبت على حكم البحرين، مقترباً من التعليم والثقافة في المنطقة، ويتتبع العائلة في امتدادها وتوزعها بين منطقتي القطيف ومملكة البحرين، ويستعرض عدداً من الوثائق الخاصة بالعائلة، وشجرتها، ثم يفرد فصلاً لاستكمال رسم الشجرة (نظام المعلومات)، مستعرضاً فيه الوثائق عموماً، ومن بينها الوصايا، المبايعات، الأوقاف، الصلح، إضافة إلى موضوعات متفرقة، ويفرد مساحة لأسماء النخيل والعقارات، مع تراجم لبعض شخصيات العائلة.

في مقدمة كتابه يشير الجشي إلى أن “هذه دراسة مختصرة لبعض وثائق عائلة الجشي التي استطعت الاطلاع عليها. والدراسة بالتأكيد ليست متعمقة بالشكل المطلوب، كما أنني قد لا أكون مؤهلاً للقيام بمثل هذه الدراسة التي هي بعيدة كل البعد عن تخصصي العلمي وخبرتي العملية (دكتوراه هندسة صناعية - تخصص رئيسي: هندسة نظم الإدارة وبحوث العمليات - من جامعة بتسبرج بالولايات المتحدة الأميركية العام 1974). فيه دراسة في التاريخ، وإن كان من الصعب اعتبارها تاريخية بحتة، حيث فيها شيء من النواحي الأدبية، والاجتماعية، والدينية؛ بل وشيء من الأنثروبولوجيا باعتبارها دراسة تهتم بدراسة الإنسان في بيئته الطبيعية...”.

يتوزع الكتاب على فصول أربعة، يتناول الأول منها، جوانب الجغرافيا والتاريخ لتوضيح المشهد الذي تدور فيه الأحداث، أو الوقائع “لتساعد القارئ غير المطلع على تصور البيئة التي تمّت فيها كتابة تلك الوثائق”.

أما الفصل الثاني، فيوضّح فيه الجشي العلاقة التي تربط أفراد عائلة الجشي، في محاولة لبناء ما يعرف بشجرة العائلة “مستفيدين من الوثائق حيثما يكون ممكناً”.

وفي الفصل الثالث، وكما يرى الكاتب، وهو لب الدراسة، يتناول الوثائق من النواحي المختلفة (وهو موضوع الدراسة)، من حيث الشكل والمضمون “لتفصح لنا عن المعلومات الثرية التي توضحها هذه الوثائق”.

ليختتم الفصل الرابع بالتراجم المختصرة لبعض أفراد الأسرة التاريخية والحالية.

بيئة الأحداث

يبدأ الباب الأول بالقطيف من حيث مسمّاها والتعريف بها ضمن المصادر التاريخية والجغرافية، والمنطقة التي هي ضمن حدودها “المنطقة الشرقية”، بحسب النظام الإداري، وتكوينات محافظة القطيف، جزيرة تاروت، والتي تضم هي الأخرى، دارين وسنابس والزور والربيعية، ومدينة صفوى، وسيهات، العوامية، القديح، البحاري، الجش، التوبي، أم الحمام، عَنَك، حلة محيش، أم الساهك، الملاحة، الأوجام، الخويلدية، الجارودية، النابية، أبومعن، الدريدي، والمرور بالتعريف بمسمياتها، إضافة إلى القطيف كمدينة وما تضمه من مناطق وقرى وبلدات، ومنها: مسورة القلعة، أحياء باب الشمال، المدارس، الشريعة، الدبابية، الكويكب، مياس، الجراري، والأحياء الجديدة منها: البحر، الناصرة، الحسن، الحسين، المزروع، الجزيرة، الرابعة، الخامسة، المجيدية، الزهراء، المشاري، التركية، الدخل المحدود، والمنيرة.

بعدها يتناول الجشي تضاريس القطيف، وعيونها والزراعة التي اشتهرت بها، وخصوصاً النخيل، وبحسب ما قدّر ج ج لويمر، طبقاً للمؤرخ محمد سعيد المسلم “أن صادرات القطيف من التمر بلغت (في وقته) 24 ألف طن؛ أي ما يعادل 750 ألف قلّة أغلبها يصدّر إلى إيران وعمان والخليج والهند”، كما اشتهرت بالحمضيات، وخصوصاً الليمون والترنج واللوز والخضروات. كما يعرج الجشي إلى نضوب الماء في القطيف وتغيّر المعالم فيها.

في الباب نفسه إحصاء لسكان القطيف في الماضي أورده عدد من الرحالة والجهات من بينهم سادلير (1819)، ويقدره بـ 31000، وبلجريف (1862)، ويقدره بـ 100000، ولوريمر (1906)، 31000، فؤاد حمزة (1933)، 40000، حافظ وهبة (1935)، 30000، إدارة التخطيط العمراني في بلدية القطيف (1983)، 221580، إدارة الرعاية الأولية بوزارة الصحة (1999)، 232949.

فيما يشير المؤرخ المسلم إلى أن سكان القطيف، بما فيها سيهات وصفوى بحسب إحصاء العام 1393هـ (1974م)، الذي أجرته الدولة هو 131919 نسمة. أما آخر الإحصاءات الرسمية الذي أجرته وزارة الاقتصاد والتخطيط العام 2004، فإن سكان محافظة القطيف بلغ نحو 474573 نسمة، بمن فيهم الأجانب.

يفرد المؤلف الجشي في الباب نفسه مساحة للأعمال والحِرَف التي يزاولها السكّان، استناداً إلى المؤرخ الخنيزي في كتابه “مدينة الدراري”، الذي قسم المجتمع القطيفي إلى طبقة الملّاك للنخيل والمزارع، وطبقة الفلاحين، وصيادي الأسماك واللؤلؤ، وطبقة الكادحين من النجارين والحدادين والبنائين.

كما تضم أعمال بعض السكان، التجارة، والزراعة بطبيعة المنطقة التي حباها الله بالأرض الخصبة والعيون. مع تضمين طبقة من السكان ارتبطت بالعلم وتحصيله وتدريسه في الوقت نفسه، وصولاً إلى العصر الراهن الذي تعددت فيه الأعمال والأنشطة، من قطاع التعليم، وصولاً إلى موظفي أرامكو، والموظفين في الدولة في قطاعات الصحة والبلدية وغيرها.

البحرين

في الباب نفسه يتناول المؤلف البحرين، التي عاش فيها أفراد من عائلة الجشي، مشيراً إلى أن سكّان البحرين كانوا امتداداً لسكان جزيرة العرب، وخصوصاً أولئك الساكنون في شرقها كما هو الحال مع سكّان المنطقة الشرقية من السعودية، وخصوصاً سكّان القطيف.

يدخل الجشي في تقسيمات المناطق في البحرين، من مدن وقرىن وجزر، ويتناول مياهها والعيون، ونشاطات السكان.

وفي البعد الزمني، يتناول المؤلف المشهد التاريخي الذي يمتاز بالوحدة بين الجانبين، فيما الإطلالة التاريخية على البحرين تبدأ على مسمى البحرين، مع بزوغ الإسلام على الجانب الشرقي من الجزيرة العربية، بما فيه القطيف والأحساء، وما كان يسمى يومها جزيرة أوال، ومسمى الخط في وقت لاحق الذي أطلق على المنطقة بما فيها ما يعرف اليوم بمحافظة القطيف.

الدول التي تعاقبت على حكم القطيف

يشير المؤلف - بحسب المصادر - إلى أن المنطقة دخلت الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأصبحت جزءاً من الدولة الإسلامية في عهده وعهد الخلفاء الراشدين، ثم تعاقبت عليها الدولتان الأموية والعباسية، مروراً بسيطرة الدويلات والحركات عليها، إلى حين استقرار الأمور في القطيف مع الدولة السعودية الثالثة، ويورد ترتيباً زمنياً لكل تلك الحقب والأدوار:

حركة الخوارج (67هـ) (687م)، حركة أصحاب الزنج (249هـ (864م)، دولة القرامطة من سنة 281هـ (895م) حتى 398هـ (1008م)، دولة بني ثعلب وبني عقيل وابن العيّاش بين سنة 398هـ (1008م) وسنة 466هـ (1074م)، الدولة العيونية بين سنة 466هـ (1074م) وحتى 636هـ (1239م)، دولة بن عصفور وبني عامر بين سنة 640هـ (1243م) وسنة 927هـ (1521م)، البرتغاليون بين سنة 927هـ (1521م) وسنة 958هـ (1552م)، الدولة العثمانية بين سنة 958هـ (1552م) وسنة 1080هـ (1669م)، بنوخالد بين سنة 1080هـ (1669م) وسنة 1211هـ (1796م)، الدولة السعودية الأولى بين سنة 1211هـ (1796م) وسنة 1233هـ (1817م)، بنوخالد مرة أخرى بين سنة 1233هـ (1717م)، وسنة 1245هـ (1829م)، الدولة السعودية الثانية بين سنة 1245هـ (1829م) وسنة 1288هـ (1871م)، الدولة العثمانية، مرة أخرى، بين سنة 1288هـ (1871م) وسنة 1331هـ (1912م)، ثم الدولة السعودية الثالثة منذ العام 1331هـ (1912م).

الدول التي تعاقبتْ على البحرين

ضمن التطوُّر التاريخي نقف على خمس حقب، الأولى بدخول البحرين (كامل المنطقة) الإسلام وامتدت من سنة 8هـ (628م) إلى سنة 77هـ (696م)، والثانية من سنة 77هـ (696م) وحتى سنة 329هـ (940م)، فترة الحكم الأموي والعباسي، مع الإشارة إلى عدم الانصياع الكامل للدولتين، والثالثة، الحقبة التي امتدت من سنة 329هـ (940م)، وحتى سنة 854هـ (1450م)؛ إذ لم تخضع البحرين لقوة مركزية؛ بل كانت تأخذ بآراء المرجعيات الدينية العليا، والحقبة الرابعة بدأت من سنة 854هـ (1450م)، وامتدت حتى سنة 1197هـ (1793م)، وهي الفترة التي سيطر فيها البرتغاليون على المنطقة، ثم الحقبة الخامسة، وبدأت سنة 1197هـ (1793م)، وحتى الوقت الراهن؛ إذ دخلت البحرين (أوال) في حكم آل خليفة في العام 1793م، ثم دخلت تحت الحماية البريطانية حتى تاريخ استقلالها في العام 1971، ثم تأسيس مملكة البحرين في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي أصبح أول ملك عليها.

يعرّج الجشي على التحولات التي عُرفت بها الحقبة الخامسة، ويجملها أيضاً في خمس: فترة تصاعد الهجرة والخروج من البحرين، فترة التدخلات البريطانية، فترة التحولات الحديثة في بنية المجتمع، فترة المد القومي، وفترة النهضة والحالة الإسلامية.

من جانب آخر يمكن الوقوف على تقسيم آخر، وإن اختلف في تفصيله قليلاً، ومن وجهة النظر الغربية، بحسب روبرت لاندن، الذي يجمله في ستة تحولات: بداية حكم آل خليفة واتفاقية الهدنة العامة (1783 - 1820)، فرض الحماية البريطانية على البحرين (1820م - 1892م)، الهيمنة البريطانية (1892م - 1919م)، عصر بلغريف وظهور الصناعة النفطية (1919

- 1957)، تنمية صناعة النفط (1957 – 1971)، ما بعد الاستقلال (1971).

ملاحظاته وتعليقاته

يقف الجشِّي عند الحقبة الخامسة من تاريخ البحرين، ويرى أنها تتوافق مع الفترة التاريخية من أواخر الفترة التاسعة إلى الرابعة عشرة من تاريخ القطيف (بنوخالد بين سنة 1080هـ - 1669م) و (الدولة السعودية الثالثة 1331هـ - 1912م)، التي تشملها العائلة، فيما الدراسة تشتمل على الفترة ما بين 1200هـ و 1350هـ (1785 - 1931م).

وفي تعاطيه مع موضوع الفتن والحروب والهجرة، يبدي ثمانية من الأسباب والملاحظات، من بينها، تفشي فلسفة القوة والعنف، الحيف والظلم الناتج عن عدم تنظيم الأمور، تدفع بعضاً إلى الاحتجاج أو التمرد وآخرين إلى ترك البلاد مؤقتاً أو إلى الهجرة الدائمة، علاوة على سياسة التمييز التي قد تسود بين الإخوة في بعض الأحيان، وانتفاء الحدود ووثائق السفر وقتها.

في نهاية الفصل الأول يتطرق الجشي إلى التعليم والثقافة في المنطقة، بدءاً بالكتاتيب والحوزة في القطيف، مروراً بالتعليم في البحرين وتاريخ إنشاء أول مدرسة نظامية فيها العام 1919.

في الحلقة الثانية، يستعرض الجشي وثائق العائلة، قارئاً لها، مبتدئاً بباب العوائل في القطيف والبحرين وموضوعات أخرى.

أسواق البحرين قديماً
أسواق البحرين قديماً

العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً