العدد 4515 - الجمعة 16 يناير 2015م الموافق 25 ربيع الاول 1436هـ

سعيد عقل... الكاركتر الملحمي في مسرح الشعر والحياة

عن شخصيته الموازية لنصه

لا يختصر «جبروت» سعيد عقل في شعره، بل أيضاً في شخصيته المتفردة، وكأن هذه الشخصية في واحدة من تجلياتها المتعددة، صنعت نصاً لا يقل إبداعاً وغرابة عما كتب من شعر ونثر ومقالة، إنها شخصيته الدرامية العظيمة أو لنقل (كاركتر سعيد عقل). لقد شكل شاعر لبنان في كل حضوره الطاغي ضمن الحياة الأدبية العربية وفي المشهد الإعلامي منذ خمسينات القرن العشرين، صورةً لكاركتر شاعر فريد، في طريقة حديثه وإشارات يده ولغة جسده، وكأن حضوره في الحياة، حضور مسرحي، وفق تعبير عباس بيضون (السفير 29-11-2014)؛ وهو على مسرح الوجود - نُضيف - الكاركتر الأشد كاريزما، لشاعر اعتدّ بوطنه حد الأسطرة التي ارتدت إليه. فتحول بوجوده وشعره إلى أسطورة الشعر اللبناني الذي لا يُمحى من شعره الفذ إلى كاركتره، المتفرد وحياته الملحمية المُعمِرة طوال قرن من التاريخ (1912-2014) وصولاً إلى تابوته المنحوت بإبداع جمالي مبتكر من حجر لبنان. من هنا يمكن أن نفهم موقفه الراديكالي والذي وصف بالعنصري تجاه الفلسطينيين خلال الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الاسرائيلي عام 1982، من منطلق الحبكة الأبرز والأكبر في حياته، والتي استعدت عليه حتى من أحب شعره وحفظه، كافرين بكل ما كتبه سعيد عقل إزاء موقفه الصادم من الوجود الفلسطيني في لبنان. والحقيقة أن عدم فصل شعر سعيد عقل عن رأيه المتطرف هذا خسارة للمتلقي المتورط أصلاً بشعر سعيد عقل منذ ما قبل أغنيات فيروز وحتى اليوم. وخصوصاً إذا تذكرنا أن سعيد عقل لم يحوّل شعره إلى عراك سياسي بل كان «كاركتره» هو من يقود المعارك، بصحبة مقالاته في صحيفة «لبنان»، ذلك أنه يعي جداً أن الشعر بمنزلة الوحي، أدنى من الإله وأعلى من البشر، وليس مطلوباً منه أن يخرج إلى وحول السياسة الدنيوية. دون أن ننسى الظروف اليومية السياسية التي ولدت هذا الفهم المتطرف لسعيد عقل تجاه الفلسطينيين، إلى جانب أن شخصيته كانت من العزة بمكان ما يدفعها، لأن تكون مواجهة، صادمة غير قابلة للتفاوض والتنازل فيما تعتقد وتؤمن. وهو الذي دعا إلى استحداث لغة لبنانية، فوضع كتاباً في الموضوع، وألف أبجدية لم تصمد بالتأكيد أمام أبجد العربية في عملٍ ومبادرة أظنها الأخطر من كل شطحات عقل، فاستهداف اللغة هو استهداف الفكر والانتماء للمحيط الثقافي، وهنا نقصد العربي الإسلامي، فهل كانت لدى سعيد عقل مع الإسلام مشكلة! لا بالطبع، نتذكر نشأته في زحلة، في بيئة منفتحة على القرآن وهو الشاعر الماروني الذي كتب القصيدة الشهيرة بصوت فيروز (غنيت مكة)؛ فلماذا لجأ عقل إلى لبنَنَة كل ما هو متخيل وواقع في حياته، إنه بلا شك الغلو والهيام الشديد في حب لبنان الجدير بهذا الحب وهذا الجنون الذي تحول إلى مشروع حياته بل وواحد من مكامن القوة في سيرته المُشّعة. ولكن هل سنرى يوماً، سعيد عقل كشخصية مسرحية في مسارح لبنان، أو كشخصية سينمائية أو تلفزيونية تعيده إلى الشاشة التي انجذبت إليه مبكراً في لقاءات تلفزيونية عرفت العالم العربي على هذا الكاركتر المغاير. حسناً، ثمة من حاول تقليد عقل في برنامج لبناني من أجل جمع أكبر عدد من الضحكات، وثمة من رأى في سعيد عقل، عندما يمشي أو يتكلم وكأنه مجنون، ينطق، لكن ذلك النص الموازي لشعره، لم يُلفت إليه. إنه نص شخصية سعيد عقل المغري للمسرحة، بكل صيغها الكلاسيكية والتجريبية. إذ إن جلسة تأمل أمام تركيبة هذه الشخصية المعقدة في العمق والسلسة في السطح، سترشدنا إلى أبعاد جذابة، حيث الخطابية تسير إلى جوار الحركة والإيماءة والصوت الجهور. يقول عنه الكاتب اللبناني هنري زغيب (مؤلف كتاب، سعيد عقل إن حكى): انتهى الرجل وبدأ النص. في إشارة للمساحة التي سيعبرها شعره نحو الخلود والبقاء في مصاف الشعراء الأجدر بالديمومة من المتنبي إلى اسمه المضيء بفن الشعر. لكن تعالوا، هل انتهت حقاً شخصية عقل؟ لا، لم تنتهِ، كما نصه، الحاضر في ملامسته للإنسان والأمكنة الباقية. لن تنتهي هذه الشخصية ولها هذا الكاركتر المدهش والملهم في آنٍ، لأعمال إبداعية واردةٍ ومحتملة. إنه سعيد العقل الذي ترك لنا سيرة ملحمية، امتدت مئة عام من الصخب والحضور المتجبر في جماله وإبداعه، وهو الشخصية الخلاقة التي فطنت طريق الخلود بذكاء، فدخلته مبكراً من بابه السحري: اللغة والشعر ومسرح الحياة.

العدد 4515 - الجمعة 16 يناير 2015م الموافق 25 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً