العدد 4515 - الجمعة 16 يناير 2015م الموافق 25 ربيع الاول 1436هـ

التجمعات القروية في البحرين بين الجنوب والشمال

لقد سبق لنا أن تناولنا تفاصيل اللهجات المحكية في البحرين، وكذلك توزيع الظواهر اللهجية بحسب المناطق والقرى في البحرين، وذلك في كتابنا «أطلس اللهجات المحكية في البحرين»، والذي نشر على حلقات في صحيفة «الوسط» في الفترة (23 مارس 2012م - 30 مارس 2013). وقد سبق الحديث عن وجود لهجتين أساسيتين في البحرين، لهجة العرب واللهجة البحرانية. ما يهمنا هنا هو دراسة العلاقة بين التوزيع الجغرافي للقرى التي تتحدث اللهجة البحرانية وتوزيع الظواهر اللهجية. فقد توصلنا في كتابنا سالف الذكر لوجود علاقة بين التجمعات القروية (بحسب التوزيع الجغرافي) وتوزيع الظواهر اللهجية؛ ما جعلنا نقسم اللهجة البحرانية إلى عدد من اللهجات الفرعية. وهناك عدة عوامل أدت إلى هذا التقسيم منها عوامل قديمة وأهمها الانعزال الجغرافي والاجتماعي. هذه العوامل انتهت في الوقت الراهن لكنها لعبت دوراً كبيراً في تطور لهجات الأجيال السابقة.

أما في الوقت الراهن، فقد ظهرت عوامل جديدة، كان لها تأثير في السابق إلا أن تأثيرها الحديث أكثر بكثير. ومن أهمها الطبقية والحراك الاجتماعي؛ فاللهجة البحرانية، حالها كحال اللهجات الحضرية، ترتبط ارتباطاً شديداً بالطبقات الاجتماعية ونوعية وطبيعة الأعمال. وهكذا يصبح التغير والتطور في اللهجة مرتبطاً بعملية تغير طبيعة الأعمال، وبعملية الحراك الاجتماعي بين الطبقات. ويضاف إلى هذا العامل، عامل مساعد فعال، وهو عامل العنف الرمزي. فبظهور مفهوم المدينة والمدنية في المجتمع البحراني، أصبح هناك سكان المدن الذين يهزأون، بصورة أو بأخرى، من لهجة سكان القرى.

اللهجة البحرانية، وعلى رغم كونها لهجة محاصرة ومهمشة، إلا أنها مارست العنف الرمزي على نفسها، وأصبحت المنامة مركزاً لذلك العنف الرمزي. ويتمثل خطر العنف الرمزي في كونه عنف غير مرئي، فمُمارِس العنف الرمزي ينكر ممارسته لهذا العنف، والمُمارَس عليه العنف لا يشعر به؛ لأنه عنف يؤثر في اللاوعي، وتنعكس تلك الآثار على سلوك المُمارَس عليه ذلك العنف. ونتيجةً لذلك العنف الرمزي حدثت تباينات واضحة في اللهجة البحرانية، وهو تباين يمكن قياس شدة انحرافه عن اللهجة البحرانية العتيقة، بحسب البعد عن المنامة.

اللهجات البحرانية بين الشمال والجنوب

لقد أدت تلك الظروف مجتمعة لظهور مجموعتين من اللهجات البحرانية الفرعية، اللهجات البحرانية الجنوبية والتي تنتشر في جزيرة سترة، وقرى الساحل الشرقي (العكر، النويدرات، المعامير، سند، جرداب، جدعلي، توبلي)، وقريتي عالي وبوري، وقرى الساحل الغربي (دمستان، كرزكان، المالچية، صدد، شهركان، دار چليب). واللهجات البحرانية الشمالية، وهذه تنتشر في بقية المناطق البحرانية والتي تقع إلى الشمال من المناطق السابقة ويضاف لها جزيرة النبيه صالح. وبالطبع فإن كل مجموعة لهجات مما سبق تنقسم لعدد من اللهجات الفرعية بحسب التجمعات القروية، وقد فصلنا ذلك في كتابنا سالف الذكر. وقد تم قسيم اللهجات في المجموعين (الشمالية والجنوبية) وذلك بحسب عدد من الظاهر اللهجية الواضحة التي تتميز بها كل مجموعة، وأهمها ما يلي:

أولاً: أسماء المكان والزمان وحروف الاستعلاء

عند صياغة أسماء الزمان والمكان في مجموعة اللهجات البحرانية الشمالية، يلاحظ أنها تتأثر بحروف الاستعلاء (وهي: الخاء، والراء، والصاد، والضاد، والغين، والقاف والـﮔاف الفارسية، والكاف الفصحى)، لذلك تقسم أوزان صياغة هذه الأسماء في مجموعتين. تضم المجموعة الأولى أوزان أسماء الزمان والمكان التي تخلو من حروف الاستعلاء، وهذه الأوزان هي: مِفْعَل ( مثل: مِجلَس، مِدخَل)، ومِفْعِل (مثل: مِسجِد)، ومِفْعَلة (مثل: مِزبَلة)، ومُفْعِل وهو خاص بأسماء الزمان والمكان المشتقة من الفعل المثال الواوي، مثل: مُولِد، مُوسِم. أما المجموعة الثانية فتضم أوزان أسماء الزمان والمكان التي بها حرف واحد أو أكثر من حروف الاستعلاء، وهذه الأوزان هي: مُفْعَل (مثل: مُخزَن، مُضعَن، مُرجَن، مُرگد)، ومُفْعَلة (مثل: مُقبَرة)، ومُفْعُل (مثل: مُغرُب)، وهذا الوزن غير منتشر بين سكان راس رمان والجفير حيث يستبدل بالوزن مَفَعْل فيقال «مَغَرب»، وقد أوضحنا أسباب ذلك في كتابنا سالف الذكر.

أما مجموعة اللهجات الجنوبية فتتميز بعدم تأثرها بحروف الاستعلاء؛ فلذلك لا يوجد أوزان خاصة لأسماء الزمان والمكان التي بها بحروف استعلاء، وبذلك يوجد أربعة أوزان رئيسية فقط لأسماء الزمان والمكان وهي: مِفْعَل (مثل: مِجلَس، مِخزن، مِضعَن، مِرجَن، مِرگد)، ومِفْعِل (مثل: مِسجِد، مِغرِب)، ومِفْعَلة (مثل: مِزبَلة، مِقبَرة)، ومُفْعِل، (مثل: مُولِد، مُوسِم).

ثانياً: حروف الجر

تتباين اللهجات البحرانية الجنوبية والشمالية في استخدام وتصريف بعض حروف الجر وبالتحديد حرفا الباء واللام. ففي اللهجات البحرانية الشمالية، يستعمل حرف الباء بمعنى الإلصاق ويتم إقرانه بياء المتكلم فينتج عن ذلك تركيبان هما «بي وإبِّي»، فيقال، على سبيل المثال، (مالك علاقة أو مالك خص بي أو بِيِّ أو إبِّي أي ليس لك علاقة بي). وهذه التراكيب منتشرة في قرية الهملة والعديد من قرى شارع البديع، ويندر أو يختفي استعماله بدءاً من منطقة جدحفص وما حولها من المناطق وحتى المنامة؛ حيث يتم إبدال هذه التراكيب بتراكيب أخرى هي: فيِّ وفيني (فيقال على سبيل المثال: مالك علاقة أو مالك خص فيِّ أو فيني). وهذه التراكيب الأخيرة بدأت تحلّ محل التراكيب بِيِّ وإبِّي حتى في قرى شارع البديع. أما في اللهجات البحرانية الجنوبية فلا تستخدم التراكيب «بي وإبِّي» بل يستخدم التركيب «فيِّ» (في جزيرة سترة وقرى الساحل الشرقي وبوري وعالي)، والتركيب «فيني» وذلك في قرى الساحل الغربي.

حرف الجر الثاني المختلف عليه بين المجموعتين هو حرف اللام، والاختلاف بينهما في حركة هذه اللام عند ما تسند للضمائر المتصلة؛ حيث توجد صورتان مميزتان لهذه اللام تفرق بين المجموعتين الشمالية والجنوبية، الأولى تتميز بها اللهجة البحرانية الشمالية (باستثناء الدراز والدير وسماهيج)، وهي نطق هذه اللام بالكسر عند إسنادها لياء المتكلم، أي تصبح «لِيِّ» أو «إلِيَّ» فيقال، على سبيل المثال، (هدا لكتاب لِيِّ أو إلِيَّ أي هذا الكتاب لِي)، وهي صورتها كما في الفصحى. أما الصورة الثانية فهي بالفتح، أي «لَيِّ» أو «إلَيَّ»، وهي سائدة في اللهجة البحرانية الجنوبية، وكذلك في الدراز والدير وسماهيج. أما في قرية الهملة (الواقعة بين الشمال والجنوب) فيستخدم كلا النطقين بالفتح والكسر.

ثالثاً: الإمالة

لقد سبق أن ناقشنا الإمالة في اللهجات المحكية في البحرين في كتابنا سالف الذكر، ويمكن تمييز ثلاثة أنواع، على الأقل، من الإمالة في اللهجات في البحرين بصورة عامة. وتتميز مجموعة اللهجات الشمالية بنوعين من الإمالة، إمالة الفتحة نحو الضمة (مثل ثَوْر تلفظ ثوُر)، وإمالة الفتحة نحو الكسرة (مثل بَيْت تلفظ بيِت). بينما اللهجة البحرانية الجنوبية تحقق نطق الفتحة أي أنها لا تميل بنطقها نحو الضمة أو نحو الكسرة. وتتميز لهجة سترة بوجود نوع من الإمالة وهو إمالة الألف نحو الواو (مثال: أنا كُوْيَل ليه، أي أنا قائل له، بمعنى قلت له)، وكذلك إمالة الفتحة المشبعة نحو الواو (مثال: هَذا تنطق هَوْدَا).

«الهَمَلَة» المُهمَلة بين الجنوب والشمال

مما سبق يلاحظ أن قرية الهملة، وعلى رغم قربها الجغرافي من قرى ساحل الغربي، إلا أن الظواهر اللهجية فيها تميل لمجموعة اللهجات الشمالية. ويوجد بعض التأثيرات لمجموعة اللهجات الجنوبية، ويظهر هذا التأثير بوضوح في حركة حرف اللام (الفتح والكسر) عندما تسند لياء المتكلم. لا نعرف الكثير عن تاريخ هذه القرية، وسنحاول في الحلقات القادمة تسليط الضوء على تاريخ هذه القرية المهملة. يتبع.

العدد 4515 - الجمعة 16 يناير 2015م الموافق 25 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً