العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ

شمال البحرين: المركزية والثقل الاستراتيجي

فيما بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر الميلاديين، تميزت مجموعة من المناطق في البحرين، والتي مثلت مناطق ثقل في تلك الحقبة. ويمكن قياس مدى عراقة هذه المناطق من خلال آثار المساجد أو المدارس الفقهية القديمة فيها، بالتوازي مع ذكر أسماء أعلام اشتهروا في هذه المناطق. كذلك، يمكن قياس مدى قوة المدارس الفقهية في هذه المناطق من خلال المراكز التي تبوأها رجالات هذه المناطق، ومدى تغلغلهم في منظومة إدارة الدولة. يذكر أن منظومة إدارة الدولة في السابق كانت تضم، بالإضافة للسلطة السياسية، رجال دين؛ حيث كان هناك منصب خاص لهم عرف بعدة أسماء منها قاضي القضاة أو رئيس الحسبة. لا نعلم بالتحديد متى تأسست هذه المنظومة في البحرين، ولا نعلم كل من تبوأ هذا المنصب في البحرين، ولكن، ومن خلال الآثار التي تم العثور عليها، والأسماء التي تم توثيقها، يتضح أن هناك مناطق محددة كانت تمثل مراكز مهمة، إما بسبب موقعها الإستراتيجي في الدولة أو بسبب وجود رجالات معينة كانت تسكنها.

في بداية القرن العاشر الميلادي، خضعت البحرين للسيطرة القرمطية، ويبدو من المعطيات التاريخية التي أشرنا لها في حلقات سابقة، أن القرامطة تمركزوا في منطقة البلاد القديم وما حولها، وعلى وجه الخصوص المنطقة المحيطة بمسجد الخميس. وفي النصف الثاني من القرن الحادي عشر انتهت السيطرة القرمطية وبدأت حقبة جديدة في البحرين بزعامة الدولة العيونية. وقد بدأت الدولة العيونية بإعادة بناء البنى التحتية في البحرين، ومن ضمن ذلك قامت ببناء مدينة جديدة وذلك في منطقة القلعة وما جاورها من المناطق. وقد أصبحت هذه المدينة العاصمة التجارية للبحرين منذ القرن الثاني عشر حتى قرابة القرن السادس عشر. ويبدو أن منطقة التمركز السكاني السابقة عرفت منذ هذه اللحظة، أي فترة تأسيس المدينة الجديدة، باسم البلدة القديمة، وهي التسمية التي تطورت إلى اسم «البلاد القديم»، ومع مرور الزمن تم تخصيص هذه التسمية بمنطقة جغرافية محددة.

كذلك، فإنه من المرجح أن الدولة العيونية قد بدأت بتأسيس نظام حكم جديد يعتمد على وجود قيادتين، الأولى سياسية، ويمثلها أفراد من البيت العيوني، والثانية دينية، تمثلها شخصية دينية بارزة في البحرين. وقد كانت أولى القيادات الدينية في البحرين تمثلها «بنو معالي»، وهي السلالة التي بدأت بمعالي بن الحسن بن علي بن حماد، والذي بنى مسجد الخميس قرابة العام 1124م ليكون مقراً للقيادة الدينية (انظر كتابنا مسجد الخميس لمزيد من التفاصيل). وفيما بين الأعوام 1250م و1330م تحول جزء من سلالة بني معالي من سلالة شيوخ لسلالة أمراء وتغير لقبها؛ حيث تم حذف لقب «شيخ» من مسماها، ويظهر ذلك من النقوش التي عثر عليها على ساجات قبور بعضهم أو من نقوشات تأسيس أو ترميم المساجد التي تمت بتوجيهات ودعم من بعض أفراد هذه السلالة، وهذه دلالة واضحة في استمرارية بناء دور العبادة وربما المدارس الفقهية في تلك الحقبة.

والمرجح أن شعب البحرين كان في هذه الفترة يتمتع بقدر كبير من الحرية الدينية التي ضاعفت من العطاء الفكري والديني لعلماء البحرين؛ فالعطاء الفكري والفلسفي والعقائدي للشيخ ميثم البحراني (1239م – 1300م) لهو دليل على ما تمتع به الشعب من انفتاح فكري وعقائدي. بالطبع، لا نمتلك تفاصيل واضحة عن النظام الثنائي في الحكم في هذه الحقبة، إلا أنه بدا أكثر وضوحاً في حقبة السيطرة الهرمزية.

الحقبة الهرمزية

المرجح أن السيطرة الهرمزية على جزر البحرين بدأت قرابة العام 1330م، وقد استمر حكم بنو معالي للبحرين تحت السيطرة الهرمزية حتى قرابة العام 1368م. وفي قرابة هذا التاريخ، وربما بداية القرن الخامس عشر، حكم بنو جروان البحرين القديمة بما فيها جزر البحرين، وذلك تحت السيطرة الهرمزية (حميدان 1983). ومع بداية سيطرة بنو جروان، بدأ نظام الحكم في البحرين والذي يعتمد على رجال الدين، بالوضوح. ومن أشهر علماء البحرين في تلك الحقبة الشيخ أحمد بن عبدالله المتوج (توفي العام 1417م) والذي تولى حل الأمور القانونية وضبط أسعار السوق (الحسبة)، وكذلك تولى فتوى القضاء في البحرين (Cole 1987). انتهى حكم بني جروان العام 1487م على يد سيف بن زامل الجبري الذي أسس حكم بني جبر على جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية. ولا نعلم تفاصيل توزيع السلطة خلال حكمهم الذي استمر قرابة 33 عاماً.

وفي قرابة العام 1521م تمكنت القوى المتحالفة البرتغالية - الهرمزية من أن تهزم بني جبر وأن تحكم سيطرتها على جزيرة البحرين واستمرت سيطرتهم حتى العام 1602م. والمرجح أن علماء البحرين لعبوا دوراً مهماً في نظام الحكم في هذه الحقبة؛ حيث اعتمد الهرمزيون نظام الحكم الثنائي الذي كان متبعاً. ويتم تعيين قاضي القضاة بقرار من هرمز، أما مقر القاضي فهو مسجد الخميس الذي احتفظ برمزيته. وممن تبوأوا منصب قاضي القضاة في هذه الحقبة، السيد عبدالرؤوف بن السيد حسين الحسيني الجدحفصي (توفي العام 1598م)، وخلفه ابنه السيد جعفر بن السيد عبدالرؤوف (العوامي 2005، ج2 ص 300).

الحقبة الصفوية

سيطرت الدولة الصفوية على البحرين في بداية القرن السابع عشر (قرابة العام 1602م)، وبدا، حينها، الدور الفعال للعلماء الشيعة في إدارة الدولة في البحرين بصورة واضحة؛ حيث شجع الصفويون قيام المؤسسات الدينية، كما كانوا يقدمون نوعاً من الدعم للعلماء والمساجد والمدارس الفقهية. وفي بداية الحقبة الصفوية ظهرت ثلاث شخصيات تناوبت على منصب قاضي القضاة في البحرين. وعلى رغم أن عددا من المراجع ترجح أن أول من تقلد هذا المنصب في الحقبة الصفوية هو الشيخ محمد الرويسي المقابي (البستاني 1998، ص 57 - 59)، إلا أن هناك شخصيتان أخريان من المرجح أنهما تقلدتم هذا المنصب في بداية هذه الحقبة وهما: السيد جعفر بن السيد عبدالرؤوف، الذي تقلد المنصب في العام 1598م، ولا يعرف تاريخ وفاته، والثاني هو ماجد الصادقي (توفي العام 1618م)، الذي ربما تقلد هذا المنصب قبل هجرته إلى شيراز (العوامي 2005، ج2 ص 324).

الخلاصة

الخلاصة، أنه عرف عن مجموعة من الشخصيات العلمائية في البحرين أنهم تبوأوا منصب قاضي القضاة في البحرين وذلك في الحقبة ما بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر الميلاديين (انظر الجدول المرفق). من خلال الجدول المرفق يتضح لنا وجود مناطق قوة معينة تركزت فيها القيادات الدينية؛ وذلك بحسب أعداد الشخصيات التي تبوأت منصب قاضي القضاة في البحرين، وهي جدحفص (4 شخصيات)، والقدم (3 شخصيات)، ومقابة (ثلاث شخصيات)، والماحوز (شخصيتان). ويظهر لنا بوضوح أن منطقة الثقل الأساسية هي تلك المنطقة الممتدة على جانبي شارع البديع والمحصورة بين الدراز وجدحفص. إن مثل هذا الثقل في أسماء الأعلام يجب أن يكون بالتوازي معه وجود ثقل في الآثار الإسلامية التي تعود لتلك الحقبة والتي تشمل المساجد والمدارس الفقهية، وهذا ما سوف نتطرق له بالتفصيل في حلقات قادمة.

العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً