صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4685 | الأحد 05 يوليو 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

بين تلسكوب الهند ومسبارها وتفخيخ وعمى «داعش» الانتحاري!

الكاتب: جعفر الجمري - jaffar.aljamri@alwasatnews.com

لنقف على مشهدَين أو صورتين حققتهما الهند مؤخراً من دون ضجيج أو مسيرات أو وفود تجوب العالم للترويج! ولو حدث ذلك، فهو أبسط حق لها على شعبها والعالم؛ على الأقل عالمها الذي تحكم حدوده. الحديث عن المشهدين والصورتين، يتحدَّد أولهما في تمكُّن الهند من صناعة ثاني أكبر تلسكوب في العالم يعمل بأشعة غاما، أطلقت عليه اسم «شيرينكوف».

التفاصيل التي تم الوقوف عليها في مجلة «آفاق الهند» التي تصدر عن وزارة الشئون الخارجية الهندية، في مجلَّدها التاسع والعشرين، العدد الثاني، )أبريل/ نيسان 2015(، تشير إلى أن التلسكوب تم وضعه على أعلى ارتفاع، ويبلغ طوله 45 متراً، ويزن 180 طناً. تلك الأرقام والمواصفات في صناعته والمواد المُكوِّنة له، ستتيح للعلماء القيام بدراسة الأجسام الغريبة عن كثب؛ وخصوصاً التقاط أشعة غاما التي تضرب الغلاف الجوي للأرض من الفضاء على بعد أكثر من 100 مليون سنة ضوئية؛ كما ستمكِّن العلماء من الحصول على معلومات حيوية عن نشأة الكون والأشعة الكونية التي فجَّرت الفضاء.

من التفاصيل التي وردت في تقرير «آفاق الهند» أيضاً، أن التلسكوب تم تزويده بأكثر من 1300 قطعة من مرايا الماس الخاص للمرة الأولى «وستثبت فائدتها في التطبيقات الاستراتيجية الخاصة بمجالات مثل الدفاع والفضاء. كما أن قاعدة التلسكوب ستمكِّنه من العمل مع وجود رياح تصل سرعتها إلى 30 كيلومتراً في الساعة، ويحافظ الهيكل على سلامته بوجود رياح تصل سرعتها إلى 150 كيلومتراً في الساعة.

ماذا في التفاصيل أيضاً، على الأقل من حيث إعجاز الكلفة إلى جانب إدهاش الاكتشاف؟ التلسكوب بلغت كلفته 450 مليون روبية، وهو أقل بعشرات الأضعاف من كلفة التلسكوب الأكبر، الذي تم بناؤه من قِبَل مجموعة دول أوروبية ومقره ناميبيا.

حرصت وتحرص الهند في كل ما تقدِّمه إلى العالم من مكتشفات، في استماتتها المذهلة والباعثة على الإعجاب، للحاق بالركب العلمي المتقدِّم، على أن يكون أبناؤها من العلماء هم الذين يتولون الاكتشاف والاختراع من الألف إلى الياء؛ وذلك ما حدث مع التلسكوب؛ حيث تم بناؤه في شركة الهند المحدودة للالكترونيات في حيدر أباد، وتولى تصاميمه مركز بهابها للأبحاث الذرية. ماذا عن المشهد والصورة الثانية؟

هذه المرة أيضاً على ارتباط بمنظمة أبحاث الفضاء الهندية، حين نشرت أول صور للمريخ التي التقطتها المركبة الفضائية «مانغاليان». الصور التي التقطت للكوكب الأحمر من على مسافة 7300 كيلومتر، تُظهر الفوهات على هيئة منخفضات مظلمة على سطح برتقالي. ما الجديد وما المذهل في الأمر إلى جانب الاختراع؟

الكلفة هذه المرة أيضاً، ففي الوقت الذي كلف القمر الاصطناعي الأميركي الذي أرسل إلى مدار المريخ 671 مليون دولار من موازنة وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، كانت البعثة الهندية إلى المريخ هي الأرخص في تاريخ بحوث الفضاء؛ إذ لم تتجاوز 74 مليون دولار! (حتى في أبحاث الفضاء لا استثناء لدى الهند من «رخيص وقوي»). الفارق والمدهش وسط كل ذلك أيضاً، أن الهند تُعدُّ أول دولة في العالم تتمكن من إطلاق قمر اصطناعي إلى مدار المريخ من المحاولة الأولى!

تلك إنجازات تم إعلانها في عامين أو تزيد قليلاً، مع ملاحظة أن العالم بدأ ينتبه لتوجه الهند إلى هذا المضمار وغيره من المضامير منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. نتحدث عن ربع قرن فقط؛ سبقته محاولات على أصعدة عدة في مجالات الطب والتكنولوجيا في بدائيتها.

علينا أن نعرف أن الهند بولاياتها الثماني والعشرين تشكِّل ثمانية وعشرين دولة تقريباً؛ فيما العالم العربي يشكل 22 دولة، وحوّلت الإصلاحات الاقتصادية الهندية منذ العام 1991 إلى واحدة من أكبر الاقتصادات نمواً، وتحتل المركز الثاني عشر ضمن أكبر الاقتصادات في العالم، في سوق صرف العملات، ورابع أكبر قوَّة شرائية في العالم.

علاوة على ذلك، تتكون الهند من أربعة أديان رئيسية هي: الهندوسية والبوذية والجاينية والسيخية (في حين أن الزرادشتية، اليهودية، المسيحية والإسلام وصلوا إليها في الألفية الأولى الميلادية)، إضافةً إلى مئات الديانات والاعتقادات الفرعية، من دون أن ننسى أن رئيسها الحادي عشر في الفترة ما بين 2002 و2007، هو مسلم، وأبو القنبلة الذرية في الهند، عالم الفيزياء والفضاء زين العابدين عبدالكلام؛ على رغم التقسيم الديموغرافي الذي تضيع فيه أعداد المسلمين؛ كون الهندوس يشكِّلون غالبية السكَّان؛ إلا أن الالتفات إلى التفاصيل تلك - تمييزاً - لن يحقق للهند تجاوز الأرض وصولاً إلى الفضاء! وللحديث صلة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1005930.html