صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4705 | السبت 25 يوليو 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

كاتبٌ كأنما يستعجل وضع البحرين تحت الوصاية الدولية

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

عندما يتباكى كاتب، ويعود القهقرى إلى 45 عاماً مضت، (1970)، ويتوه في مساره التاريخي إلى العام 1980، بالخلط بين فترات تولّي المسئولين لإدارة البعثات بوزارة التربية والتعليم، بما حَمَّس به بعض النفوس المريضة بالجنون الطائفي، الجاهزة الأكف للتصفيق، بمثل ذاك المتحمس بالتصفيق في مباراة لكرة القدم، يصفق بأوج فرحه وحماسه، لهدف أصابه هذا الفريق، ويصفق لهدف أصابه الفريق الآخر، وبعد نهاية المباراة يسأل: من كان يلعب ومن فاز؟

الكاتب يصول ويجول بالتقوّل والذكر غير الحصيف، عن أناسٍ ربما لم يشهد فترة تحملهم المسئولية، ولم يشهد مردودات عطائهم، وهو ليس بقارئ سوى المعلب الخاص، وهو في حماية الأسياد، طالما نحى منحى تخوين الآخر، بما هو مرسومٌ في الإستراتيجية السرية، التي كشف عن حقيقتها التقرير المثير.

فقد تربينا نحن جيل مواليد منتصف الخمسينات، على أثر الحراك الوطني لـ«هيئة الإتحاد الوطني»، التي تصدّت وَوَأَدت في المهد، تلك النزعة الاستعمارية لإثارة الفتنة الطائفية، بين طائفتي البحرين الرئيسيتين، وخصوصاً أن عمل الهيئة السياسي والمطلبي والحقوقي والوطني، جاء ليستكمل تطوراً تراكمياً لحراكات شعبية قبله، هي التي خافها المستعمر، ليجهد هو والقوى المرتبطة به مصلحياً، لشقّ المجتمع إلى شقين، شيعي وسني، وهذا ما تصدّت له حركة الهيئة.

فكان من إفرازات حركة الهيئة الإيجابية، أن استمرت الحال في تربية الآباء والأمهات، بالسليقة الإنسانية، حتى دون الدوافع السياسية أو المذهبية، لبناء الأبناء الاجتماعي والنفسي والديني، بمفهوم المواطن البحريني، ونقطة، فلا مذهب يفرّقنا ولا دين، وكنا على مقاعد الدراسة الابتدائية، يجاور منا يعقوب لأصغر، ومحمد لجعفر، وخليفة لغلوم، وتستضيف عائلة أحدنا أصحابنا بأكثر مما ترعانا، ثم تلتها المرحلة الإعدادية والثانوية، فيتجاور السيادي والخليفة والحايكي والمحميد والحداد والعرادي وجبارة والجامع، والنايم وكريمي وجميع عوائل المحرق (والسماح ممن لم نذكر).

لنصل إلى المرحلة الجامعية، فنلتقي عشرات الآلاف من البحرينيين من جميع المدن والقرى، على مدار سنين الدراسة، في جامعات مصر والكويت وسورية والعراق وبلاد أخرى، شباباً وشابات، لا يهتم واحدنا لمذهب الآخر، بقدر الحبور والفرح، حين اللقاء الأول والتعارف بأننا بحرينيون، واستمر ذلك الفرح والحبور إلى حين عودتنا للبحرين بعد أربع أو خمس أو سبع سنوات من الدراسة، محمّلين بالعشق والحب لخدمة الوطن، من واقع حيواتنا المهنية والعملية، التي اكتسبناها من الدراسة والحياة بتواصلنا مع المختلف موطناً ولغة، لهجة ولكنة، وتوسعت مداركنا بالتكامل مع الآخر.

كل ما ورد عاليه، كان نتيجة عدم إحساس أحدنا في هذه المرحلة حتى أواخر التسعينيات، بأي غبن لأحدنا على حساب الآخر، في استحقاقاتنا الدراسية بجميع مراحلها إلى الجامعة، وخصوصاً في توزيع البعثات الدراسية، بما أوصل البحرين إلى واقعها المتقدم في جميع المضامير العلمية والعملية والاجتماعية. وامتازت لواحقها الزمنية بكوادر طبية في جميع تخصصاتها وإسناداتها التمريضية والمختبرية والصيدلية، وكذلك الهندسية في جميع أقسامها، وباقي العلوم بشتى فروعها، وخَرَّجَت أجيالاً من المعلمين والمدربين في شتى الحقول التعليمية، بما ازدهرت به مدارس البحرين، للبنين والبنات، والتي بدورها خرَّجت أجيالاً تأهلت بالمؤهلات الجامعية، وهكذا في دورة تطورية متجددة.

وفي الجانب الاجتماعي، ارتقى التواصل على أساس الانتساب للبحرين، بأن ارتقينا نحن أبناء وبنات ذاك الجيل إلى التزاوج، وغرسنا هذا الفكر التوحيدي الإنساني في عقول أولادنا، تواصلاً مع مبادئ ومساعي آبائنا قادة الهيئة، فأينك أيها الكاتب من أهلك؟

إلا أن الكاتب بما يبدو أنه مغمومٌ بما ملأه من الحسد، تجاه المتفوقين دراسياً، نتيجة مرض في نفسه، واستَثارَته الكثرة من المتفوقين ممن حاز النسب المئوية العالية، التي تؤهلهم لنيل رغباتهم الدراسية الأولى، وهو يعلم القرار الظالم غير القانوني، لمحو ما نسبته 40 % من درجات الطلبة وتحويلها إلى لجنة، غير مختصة تربوياً ولا نفسياً ولا حتى إنسانياً، لتتلاعب بمصير نخبة خريجي شباب الوطن، لا لشيء إلا لنزعات طائفية مريضة، تكفلها وتدعمها سياسة تضليلية، عبر قرار غير قانوني لاحتكار المعلومة وإخفائها عن المعنيين والمختصين وأصحاب الشأن والعامة، وقد فاتهم أن المعلومة باتت اليوم أرحب من الكون وأسرع من الضوء.

فيا أيها الكاتب الحالم في غَيِّك، هل عرفت الآن لماذا لم تسمع لنا صوت امتعاض وسخط على البعثات، طوال الثلاثين عاماً (وليس 35 كما أخطأت في حسابها) الماضية قبل الأعوام الخمسة الأخيرة وبدايتها 2011، ولم نسمعها كذلك منك ولا ممن تتسلق أكتافهم أيضاً، ولكننا نرفعها اليوم مدوّيةً، ضد أن تَمِسّ الإجراءات، مصلحة وأمن الوطن والمواطنين بالفرقة والتمييز؟ وهل عرفت بأن لا شيء من خيالك واقع؟

ومن أسميتهم بالانقلابيين، في تعميم أعمى جاهل، لا ترى به أبعد من أرنبة أنفك، ولا ترى في الورقة، حروف الكتابة بل بياضها، فلا نلومك في عقوقك، لما أسدته إليك الحراكات الشعبية، المتعددة في المراحل المختلفة، والتي لولاها لما تطوّر وضع البحرين السياسي والحقوقي والخدمي والعلمي وفي كل الحقول، وكذلك هي حراكات فبراير 2011 واستمرارها وتطوراتها، وكلٌ يعمل بأصله، فلا مفردات مسيئة لدينا بمثل ما لديك.

والخلاصة أنك دعوت باستحضارك السنين الخمسة والثلاثين، بما ادعيت من تمييز في البعثات، لم يشتكيه أحد إلا من بعد فبراير 2011، وأتيت اليوم لمطالبة الدولة بالانتقام ممن طالب بالمساواة بين المواطنين، وبالحريات ونبذ التمييز ومناهضة سياسة التجنيس خارج القانون، بما أفقر المواطن وعقَّد توفر سكنه، وبكل ما طرحته «وثيقة المنامة» (بالمناسبة لا نظنك قرأتها)، فإنك تؤسس لصبغ البحرين بالنزاع الطائفي المتناوب، طوال كل تلك السنين، فكأنما أنت تختصر درب البحرين إلى الوصاية الدولية، كونك تقسّم البحرين إلى قسمين بشريين، يتناوبان المظالم والانتقام تجاه بعضهما البعض، فهل عنيت وسعيت، أم جهلت وزللت؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1011088.html