صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4743 | الثلثاء 01 سبتمبر 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

القبض على السعادة

الكاتب: هناء بوحجي - comments@alwasatnews.com

«نحن نحب الماضي؛ لأنه ذهب ولو عاد لكرهناه»، عبارة علقت في ذاكرتي منذ قرأتها في السبعينات ولم أكن أعرف أنها تنسب إلى أدولف هتلر. علقت ربما لأنني أتعلّق بكلِّ مَن، وما يروق لي من الأشخاص والأمكنة والأشياء إلى درجة أنني انتبهت أنني أنفق طاقة في الأسف والحزن ريثما أعبر الأزمنة والأمكنة، وأعتاد مفارقة من يتعلق بهم قلبي في أي من محطات الحياة.
عندما نكون في أفضل حالاتنا، نعتقد أن سعادتنا ستنتهي لو تغيّر الحال وهو ما لا مفرَّ منه، فـ «دوام الحال من المحال»، وأحياناً نتمادى في اعتقادنا أن مسببات سعادتنا في تلك اللحظة هي فقط، ولا شيء غيرها، يحقق لنا السعادة، ولا نجرؤ حتى أن نتخيّل حياتنا من دونها. ربما نكون على حقٍّ جزئيّاً إن أخذنا في اعتبارنا أننا نمرُّ أحياناً بمزيج لا يتكرّر من العوامل التي تجلب لنا الشعور بالسعادة والراحة، وهو ما يحفز الوهم لدينا بإمكانية التشبث بما في أيدينا والاحتفاظ به، ويشقينا عندما نفقده.
مؤخراً، ومع انتعاش وسائل التواصل الاجتماعي، يتم تداول صور وأغانٍ، وسلع وعادات من الماضي مصحوبة بعبارات «من الزمن الجميل» ما يوحي بأن هذا الوقت الذي نمرُّ به فقد جماله بفقدان مكوّنات الماضي وأشخاصه وعاداته.
تُرى هل نحنُ نحنُّ فعلاً إلى جهاز الهاتف ذي القرص الدائري، ومستعدّون لإعادة استخدامه بعد أن تطوّر الهاتف إلى جهاز رقمي يربطنا بكل العالم بلمسة شاشة، حتى نعود بالزمن ليكون جميلاً من جديد!
ألسنا الآن أكثر سعادة بزماننا الحالي الذي تطوّر فيه العلم والطب وكل وسائل الحياة المريحة!
في فصل السعادة من كتاب «Sapiens- ملخص تاريخ البشرية» يتطرق الكاتب يوفال نوح هراري، إلى هذا الشعور، ويقارن بين رأيين في قياس السعادة، الأول علمي، يرى أن العوامل المادية هي ما تجلب السعادة للإنسان، فكلما كان الإنسان أغنى، وأكثر صحة، ويتوافر على الغذاء الصحي، كان أكثر سعادة. فيما عكف الفلاسفة والشعراء والدينيون على البحث في عوامل السعادة وذهبوا إلى الرأي القائل إن العوامل الاجتماعية والأخلاقية والروحانية، لها الأهمية ذاتها في تحقيق السعادة.
ما نتداوله عن الزمن الجميل تجاوز عالمنا الشخصي الصغير إلى أوطاننا، فقبل أيام وصلتني صورة تداولها «الواتس أبيّون» لبغداد العام 1969، ولا أدري إن كانت الصورة حقيقية أم «محرّفة» بالفوتوشوب، أم هي لدولة أخرى، لكنها لن تكون بعيدةً عمّا كانت عليه بغداد حينئذ. سيدات أنيقات يعبرن شارعاً تحفُّ به مبان مرتّبة وباصات ذات طابقين. في الصورة أيضاً رجال أمن يحملون سلاحاً على أكتافهم تنال شيئاً من سلام الصورة، لكن ابتسامة السيدات ومرحهن ينجح في إعادته إلى أجوائها. مثل هذه الصورة تتكرر لشوارع كانت رائقة وجميلة لمدن عديدة انهارت على سكانها. هذه أخذت، فعلاً، معها الزمن الجميل الذي عاشته هذه الشعوب وذهبت به إلى أجل غير معروف.
أجبرتني هذه الصورة على استعادة سلسلة من التساؤلات من فصل السعادة في كتاب هراري: «هل نحن أكثر سعادة بالتطورات التي أنتجتها 500 عام من الثورات العلمية والصناعية التي شهدتها الإنسانية؟ هل نحن أكثر سعادة بسقوط الامبراطوريات الكبرى؟، وهل المُستعمَرات أكثر سعادة بعد طرد المُستعمر؟ هل الشعوب أكثر سعادة بتوليها زمام أمورها؟، وهل تمكنت اكتشافات الطاقة المتجدّدة أن تخلق سعادة متجددة مواكبة للإنسان؟ هل الإنسان أسعد بالتطورات أم أن سعادته قد تراجعت؟.
يجتهد هراري بأسلوب ممتع ومحفز للتأمل في مكوّن السعادة ومسبباتها وتعريفها. لكن لا يبدو أن الأمر بهذه السهولة مع التسارع الكبير في التطورات يقابلها أو يواكبها المزيد من التعقيد في فهم رد فعل الإنسان على هذه التطورات والتعامل معها، وهو ما يبقي المعامل مضاءةً، والنظريات مفتوحة النهايات والنتائج، ويبقي العقول أيضاً مشرَّعة على مصراعيها للاكتشاف والإبداع.
نحن لا نحب الماضي، ولا نريد العودة إلى الحياة فيه من جديد بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن أن نفضّل الهاتف ذا القرص الدائري على «موبايلنا» الحميم، ولا يمكن أن نفضّل وجود المستعمر على حكم ذاتي نحافظ فيه على مواردنا ونكتب سطور تاريخ وطننا بأيدينا. كل ما في الأمر أننا نحنّ لشعور لذيذ من السعادة غمرنا في محطاته التي جعلته محبباً لنا.
في تداول عبارة «الزمن الجميل» عتبٌ على الزمن الذي ترك العابثين بعجلة التقدم، يأخذون منا سعادة متجددة تجعلنا نحب الحاضر، وتسمح لنا أن نملأ صدورنا بالتفاؤل بما هو آتٍ في قابل الأيام.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1021829.html