صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4757 | الثلثاء 15 سبتمبر 2015م الموافق 18 رمضان 1445هـ

الاضطرابات نتيجةٌ لاضمحلال السياسة

الكاتب: منصور الجمري - editor@alwasatnews.com

صُوَرُ المهاجرين السوريين وهم يتوافدون بمعدّل الآلاف يومياً في محطات قطار أوروبية تطرح أسئلة عديدة. فهؤلاء المهاجرون يبحثون عن اللجوء السياسي هرباً من جحيم ما يدور في بلادهم وفي منطقتنا المبتلاة بأزمات وحروب لا تبدو نهاياتها في الأفق القريب، رغم كل ما يُطرَح بين فترة وأخرى عن حلول سياسية محتملة.

إن الفترة التي نمرُّ بها تشهد اضمحلالاً لدور الحل السياسي في العديد من الأزمات، وهذا يحدث في فترة تشهد ازدياداً مُطَّرداً في الملفات العالقة، وازدياداً في الضحايا والخسائر. إن نزوح مئات الآلاف حالياً، وربما الملايين مستقبلاً، إلى أوروبا، يوضح أن جميع أزماتنا أصبحت عالمية، وآثارها لا تقتصر على مكان دون آخر، وأن التأخر في حلها سياسياً لن يأتي بخير لأحد.

ما نشهده من اضطراب عالمي ربما يأتي كردّة فعل متأخرة على ما قاله فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» في 1992، والذي تحدّث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عن انتصار قيم الديمقراطية الليبرالية، وإن الإنسان وصل إلى نقطة النهاية في التطور الاجتماعي والثقافي، وذلك بعد أن وصل إلى أن النظام الديمقراطي الليبرالي هو الأفضل.

بعد ذلك، برزت أفكار عن فرض مفاهيم الديمقراطية، وتطوّرت إلى أن وصلت في 2004 إلى طَرْح الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي يتضمن، فيما يتضمن، تشجيع الحلفاء على انتهاج النظم الديمقراطية، وإزالة النظم المارقة بالقوة، كما حدث في أفغانستان والعراق. هذا الطرح يخالف مبدأ أساسياً وهو أن القيم لا تُفرَض وأنما تنبع من الداخل.

ما حدث في السنوات الأخيرة من مآسٍ، ومن تجاوزات لحقوق الإنسان في سجنَي أبوغريب وغوانتنامو، إضافة إلى استخدام التفوُّق التقني للتجسس وضرْب غير المرغوب فيهم أدى إلى تقوية الحركات المتطرفة التي تتهم الغرب بالنفاق والانتقائية والسعي فقط لحماية المصالح الأنانية.

إن تناقض المصالح أدى إلى اضطراب العلاقات الإقليمية والدولية، هذا في الوقت الذي انفتحت المجتمعات على بعضها البعض بسبب تطوُّر تكنولوجيا الاتصالات. وبعكس ما كان يتوقعه البعض، من أن الإنترنت سيشجع على انتشار التعددية والتسامح، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أهم سلاح يتوافر للحركات الإرهابية في نشر الكراهية واجتذاب الشباب الذين يشعرون بالغربة في مجتمعاتهم الشرقية والغربية.

إن تجارب الأمم توضح أن احترام حقوق الإنسان والتعددية ونشر ثقافة التسامح والحوار، وإفساح المجال للعمل السياسي السلمي، وعدم تجريم التعبير عن الرأي، وعدم تخويف الناس، يؤدي إلى الأمن والاستقرار، وهذا كله يعطي تلك المجتمعات القدرة على تخطي الأزمات بأقل الخسائر، ويساهم في خلق بيئة مرنة تتجاوب مع التحديات... وهذا ما نأمله لبلداننا ومنطقتنا.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1026080.html