صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4779 | الأربعاء 07 أكتوبر 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

نيويورك... قمة استثنائية في الذكرى 70 للأمم المتحدة

الكاتب: عبدالنبي العكري - comments@alwasatnews.com

تزامن انعقاد القمة الاستثنائية في الذكرى70 لقيام الأمم المتحدة مع أحداث جسام يشهدها العالم.
كما تزامن مع انتهاء قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ودعوة الرئيس الأميركي لاجتماع مكافحة حول الإرهاب، ولذا فقد قررت الأمم المتحدة أن تعقد قمة التنمية المستدامة خلال 27 - 25 سبتمبر/ أيلول، حيث كتبت مقالاً عن ذلك، وتتبعها قمة استثنائية في اجتماع الجمعية العامة السنوي في الذكرى السبعين لقيام الأمم المتحدة خلال 28 سبتمبر حتى 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 ، وبالفعل فقد تقاطر على نيويورك عدد قياسي من قادة الدول، حيث لم يقتصر الأمر بالطبع على إلقاء كلمات وحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل شهدت اجتماعات على أعلى مستوى ما بين قادة العالم للتصدي لأخطر وضع يشهده العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالفعل فقد عقدت قمة أميركية/ روسية بين الرئيس أوباما والرئيس بوتين، تمخض عنها اتفاق تاريخي لمحاربة إرهاب داعش والجماعات التكفيرية في سورية والعراق في اختراق المواجهة بينها طوال أربع سنوات وخصوصاً إثر أزمة أوكرانيا، ومن أهم الزعماء الذين حضروا القمة الرئيس الفرنسي هولاند ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون والبابا فرانسيس والرئيس الصيني لي بنج والرئيسة حسينة عبدالرحمن رئيسة بنغلاديش والرئيس الإيراني روحاني.

وكبار مسئولي منظمات الأمم المتحدة ومنهم هيلي كلارك رئيسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والأمير زيد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان والسيد الكس الأمين العام للمنظمة الدولية لمكافحة الفساد والمخدرات بفيينا، والأمين العام لليونكتاد وأندريه رئيس المفوضية العليا للاجئين و ايرينا بيركوفا رئيسة اليونسكو، وبالنسبة للعرب فقد لوحظ غياب شبه كامل للزعماء العرب، استثناء الملك الأردني عبدالله الحسين والرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
وفي وسط تزاحم الأحداث العالمية، فإنه يمكنني القول إن أهم المواضيع التي استحوذت على أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة واللقاءات الثنائية والجماعية للزعماء وهي:
أزمة اللاجئين القسريين في أوروبا كنتيجة للحروب المستعرة في أرض العرب وخصوصاً سورية والعراق وليبيا حيث يتدفق مئات الألوف من اللاجئين إلى أوروبا عبر كل السبل البرية والبحرية، في مشاهد يندى لها جبين الإنسانية وخصوصاً العرب، والثانية هي الحرب على الإرهاب والذي يتمركز حالياً في العراق والشام، ويتمثل أساساً في دولة داعش والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية الأخرى مع نسيان ليبيا مؤقتاً، والثالثة هي سلسلة الانقلابات في إفريقيا وخصوصاً ساحل العاج وإفريقيا الوسطى ومنظمة بوكو حرام الإرهابية التي تنشط في عدد من دول الصحراء وغرب إفريقيا.
من هنا فقد شهدت أروقة الأمم المتحدة سلسلة من الاجتماعات على أعلى مستوى من أجل توافق غربي - روسي إقليمي، وبالفعل فقد عقدت قمة أميركية روسية حضر جانباً منها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتم الاتفاق على محاربة الولايات المتحدة وروسيا لداعش وأخواتها، خصوصاً بعد أن وصلت المقاتلات الروسية إلى سورية.
وقد تبع ذلك اجتماع مطول ضم وزيري الخارجية للبلدين كيري ولافروف، حيث وضعت الترتيبات لهذا التحالف الجديد، رغم أن الطرفين بقيا على اختلافهما فيما يخص مستقبل الرئيس بشار الأسد ودوره في العملية الانتقالية لإنهاء الحرب وعودة السلام. وتبع ذلك عقد قمة بين الرئيسين الروسي بوتين والفرنسي هولاندا تناولت ذات القضية وبالفعل منذ بدأت المقاتلات الروسية بقصف أهداف لداعش وأخواتها في سورية وهناك اجتماع عسكري مرتقب لتنسيق العمليات العسكرية وتجنب مواجهة بالخطأ في الأجواء السورية، وبالتأكيد سيترتب على ذلك تغييرات جوهرية في مواقف الدول الكبرى والإقليمية تجاه التعاطي مع الأزمة السورية.
أما القضية الثانية فهي الأزمة الأخطر في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث يتدفق مئات الآلاف من اللاجئين القسريين من سورية والعراق وإفريقيا على أوروبا حيث خلقت أزمات حادة في البلدان التي تمر بها مثل تركيا واليونان والعرب وكرواتيا والمجر خصوصاً البوابة للاتحاد الأوروبي، وكذلك البلدان التي تستقر فيها مثل ألمانيا والنمسا وإيطاليا واليونان والمملكة المتحدة وفرنسا، والدول الإسكندنافية. لقد ترتب على هذه الهجرة القسرية غرق الآلاف في مياه البحر الأبيض المتوسط وفي الشاحنات وعلى قارعة الطرق في أوروبا، ما يعكس خطورة الأزمة.
وبالفعل فقد اتخذت بعض البلدان مثل المجر إجراءات لا سابق لها في إقامة جدار وأسلاك شائكة تفصلها عن صربيا وكرواتيا، فيما أغلقت صربيا وكرواتيا حدودهما وعلقت رحلات السكك الحديد تكرارا ً بين النمسا من ناحية والمجر وألمانيا من ناحية أخرى. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ندد بسياسة الجدران العازلة، وطالب بجهد دولي لاحتواء هذه الأزمة الخطيرة، وفي ذات الوقت العمل لإطفاء نيران الحروب في المنطقة العربية التي تسببت في هذا النزوح البشري الهائل هربا ًمن الحروب والمجاعة ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي عقدت عدة قمم طارئة لمعالجة معضلة اللاجئين القسريين، ورغم قيام الاتحاد الأوروبي بوضع كوتا لتوزيع اللاجئين بين دول الاتحاد، إلا أن هذه الصيغة لم تقبل من معظم الدول الأعضاء، ووحدها ألمانيا فتحت أراضيها لاستقبال اللاجئين ووفرت إمكانيات هائلة لاستيعابهم، وهو ما يفسر تدفق اللاجئين أساسا ًإلى ألمانيا ثم المملكة المتحدة وفرنسا اللتين زادتا من استقبال المهاجرين.
وأمام هذه المعضلة فقد عهد الاتحاد الأوروبي إلى رصد مليار يورو لدعم الدول المستقبلة للاجئين مباشرة ولإبقائهم فيها وهي تركيا والأردن ولبنان وصربيا وكرواتيا، إلا أنه لا يبدو أن الخطة ستنجح لأن اللاجئين يعرفون أنهم سيبقون لاجئين تحت رحمة القدر في هذه البلدان. من هنا وبالرغم من أن قمة الأمم المتحدة لم تتوصل إلى اتفاق دولي لمعالجة مشكلة اللاجئين إلا أنها خلقت فهماً أعمق وأشمل لمشكلتهم وضرورة معالجة جذورها أي إطفاء الحرب، وبالنسبة للمشكلة الثالثة ألا وهي إفريقيا حيث تشكل حركة بوكو حرام التكفيرية لغرب إفريقيا ما تمثله داعش للعرب، وقد عرض رؤساء الدول المتضررة وهي نيجيريا والكاميرون ومالي وغانا الأخطار المحدقة بهم طالبين المزيد من الدعم العسكري والاقتصادي والأمني لبلدانهم حيث الدعم العسكري مقتصر على فرنسا حالياً، وهنا أيضاً لم تخرج القمة بخطة متكاملة لمواجهة بوكو حرام ولكن جرى استيعاب المشكلة بشكل أفضل وبالنسبة للانقلابات في إفريقيا وآخرها انقلابا إفريقيا الوسطى وساحل العاج ومحاولات انقلابات وتمردات في أكثر من بلد فإنها مازالت متروكة لمعالجة الاتحاد الإفريقي ورابطة دول الصحراء ورابطة غرب إفريقيا، وهي كلها تفتقر إلى الموارد، وباستثناء المشاركة الرمزية لقوات تشاد وأوغندا، فليس هناك إسهام فعلي من القارة الإفريقية، وباستثناء المشاركة العسكرية الفرنسية المحدودة فليس هناك إسهام من المجتمع الدولي، لخلق وتعزير السلام ووضع حد للانقلابات العسكرية، وتعزيز التحول الديمقراطي.
وبالنسبة للاجتماع الموازي لمكافحة الإرهاب والذي دعا إليه أوباما وشمل الدول التي تمثلت بوزراء خارجية وما دونهم والمنظمات الدولية المعنية ومنظمات المجتمع المدني التي أتيح لها المشاركة والتداخل خلافا ًلقمتي التنمية المستدامة والذكرى السبعين للأمم المتحدة، فلم تكن أكثر من حشد دولي لتأييد وترويج السياسة الأميركية المتعثرة في مواجهة الإرهاب وخصوصا ًالحركات التكفيرية، ولذا فقد كان خطاب مندوب روسيا في المؤتمر وهو في ذات الوقت مندوبها في مجلس الأمن، تشور كن،» بأن الولايات المتحدة بذلك تثبت مرة أخرى تفردها بعيدا ًعن الأمم المتحدة في معالجة القضايا الدولية» بالطبع تابعنا الاجتماعات الإقليمية مثل اجتماع الجامعة العربية التي هي في غيبوبة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، الغائبة عن الفعل، ومجلس التعاون الخليجي المتعثر واجتماعات مجلس التعاون مع كلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا كلٌ على حدة وصدور بلاغات إنشائية عن كل من هذه الاجتماعات، لكن الواقع يقول إن الدولتين العظميين روسيا وأميركا هما من سيحدد تطور الأحداث في منطقتنا فإذا ما توافقا سارت المشكلات نحو الحل وإن اختلفا سارت نحو التعقيد والله من وراء القصد.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1033137.html