صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4796 | السبت 24 أكتوبر 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الإزدواجية في قرارات الاتهام وتعدد آليات إفصاحها

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

أطلت علينا وسائل إعلام محسوبة على الجانب الرسمي بوجوب نشر كل ما يصل اليها من قبل الجهات الرسمية المعنية، أطلت علينا هذه الجهات، من قبل في التسعينيات وما قبلها، وعادت وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، من بعد فبراير/ شباط 2011، بعرض صور المتهمين واعترافاتهم، بما استنكرتها الجهات الحقوقية الدولية والأممية، لتجاوزاتها على الحقوق المنصوص عليها في القوانين المحلية والمعاهدات الدولية ذات الصلة، والتي لها الحاكمية على القوانين المحلية، طالما أقرتها ووقعت عليها الدولة المعنية.

وسنخص في مقالنا هذا، إجراءات جنائية بعينها، متخذة عملياً من قبل السلطات المعنية، والتي تتعارض مع الحماية الدستورية لحقوق لمواطن والمقيم، والتي من الطبيعي، لم يشر الى تطبيقها أي قانون، وإلا كان مخالفاً للدستور، ولكن للأسف لم يعاقب على مخالفتها أيضاً أي قانون، ولم ينص بعقوبة بعينها على من يخالفها، من المواطنين أو المحسوبين على السلطات من المدنيين والأمنيين والعسكريين، ولا حتى في القوانين الاستثنائية مثل قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، الذي اهتم بتشديد العقوبات على المحكومين بتهم أفعال جنائية بعينها، دون المس بالإجراءات الجنائية مثل القبض والمعاملة والبراءة حتى ثبوت التهمة.

ولكن قبلها، سنتناول موضوع غاب الاهتمام عنه، وهو أصل لإشكال دستوري قانوني، فيما يتعلق بعقوبات وإجراءات سحب الجنسية، فالمواد الدستورية المانعة لفعل معين، تُجرِّم هذا الفعل بما لا يتيح مجالاً للاستثناء، وإلا يُعَدُّ فاعله وكذلك مُستَثنِي فاعله من العقاب، مُجْرِماً قانوناً ويتوجب عقابه، سواء كان مواطناً اعتيادياً، او مسئولاً تنفيذياً أو قضائياَ أو تشريعياً.

وفي حال خلا القانون من عقوبة لهذا الفعل، فإن منظومة الدولة القانونية معابة بهذا النقص، وتستوجب الاستدراك.

ومهم معرفة أن النصوص الدستورية إما أن تبيح أو تمنع، بالمطلق أو بشروط، والنصوص القانونية، ما لم تمنع فهي تبيح، وإذا منعت، نصت على عقاب مقترف مخالفتها، فلو قرأنا المادة (17) البند (أ) من دستور 2002، ونصها «الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال التي يحددها القانون»، والبند (ب) من المادة نصه «يُحظر إبعاد المواطن عن البحرين أو منعه من العودة اليها».

في حين أن نص البند (أ) من ذات المادة رقم (17) في دستور 1973، كان «الجنسية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها بصفة أصلية إلا في حالتي الخيانة العظمى وإزدواج الجنسية، وذلك بالشروط التي يحددها القانون»، ثم أضاف في البند (ب) ونصه «لا يجوز سحب الجنسية من المتجنس إلا في حدود القانون»، والبند (ج) ينص على «يُحظر إبعاد المواطن عن البحرين أو منعه من العودة اليها»، وهو نفس النص للبند (ب) من دستور 2002.

وهو تعديل في الدستور لم يَنُص عليه ولم يُشِر اليه، ميثاق العمل الوطني، ولم يصدر به تعديل دستوري فيما بعد، ولكنه جاء ليلغي الحسم الدستوري بالمنع أو المنح بالإطلاق، أو بشروط يعينها الدستور، بمثل ما في النص في دستور 1973، فتم اتخاذه ذريعة دستورية للتسهيل فيما بعد للمُشرِّع النيابي، أن يفوض السلطة التنفيذية، بتشديد العقوبات في قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، في مجال العقوبة بسحب وإلغاء الجنسية البحرينية، وعقوبات أخرى بتعديل قانون الجنسية لعام 1963، وفتح المجال بيسر للوزارة المعنية بالجنسية للتصرف بسحب الجنسية بناء على اتهامات، موصوفة في تلك التعديلات.

وبناء عليه، فعلى جهات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، السياسية والمهنية، المختصين والمهتمين بالدستور والقوانين، ومختصي الدفاع عن حقوق الإنسان، الالتفات الى هذه الخلل الدستورية والقانونية والإجرائية، والعمل على تقويمها بإلغاء كل ما ترتب عليها من تعديلات، في المواد القانونية الخاصة بها، وإلغاء والتعويض عن جميع العقوبات والإجراءات المتخذة بناء عليها.

وعودة للمخالفات الإجرائية الجنائية، والتمييز والتفريق بين المواطنين فيها، فمؤخراً طلعت علينا النيابة العامة، بخبر عممته على الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية، عن كشف أجهزة الأمن، عن خلية إرهابية أسست قيادة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خلافاً للقانون، وحددت عدد المتهمين فيها بأربعة وعشرين متهماً، منهم عدد في البحرين ومنهم نفر خارجها، ووجهت لهم تهم متعلقة بالأعمال الإرهابية، وحيازة السلاح والمتفجرات، ودعوة آخرين للانضمام للتنظيم، وتسهيل سفرهم الى الخارج، لتدريبهم على استخدام السلاح والمتفجرات، والعمل على تغيير نظام الحكم بالقوة... الخ.

والسؤال الموجه للجهات المعنية وهي متعددة، هل هي عودة وتوبة نصوح، عن إجراءات تم اتخاذها سابقاً، باطلة قانونياً وحقوقياً، بما تم نشره عن أفراد، وجهت لهم النيابة العامة الاتهامات نفسها، ولكنهم على الضفة المقابلة مذهبياً وممارسات، من جماعات الدولة الإسلامية (داعش)، بتصوير المتهمين وما يبدو أنه أدلة مادية، واعترافاتهم على الملأ، في التلفزيون الرسمي، والصحف، بما يخالف الدستور في براءة المتهم حتى تثبت إدانته، في محاكمة قانونية، تؤمن له فيها الضمانات الضرورية، لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون، وذلك في مرات عدة وضد أشخاص متعددين، وذلك من بعد الإقرار بخطأ الممارسات السابقة بحق المتهمين، تلبية لتحسين وتطوير الإجراءات الجنائية، بما يحفظ حقوق الإنسان في جميعها، وحقوق المتهم في ما تم تجاوزه، وأن لا عودة لها مطلقاً، أم أن الأمر هو حقاً كما يروج، ونتمنى خطأه، نوع من التمييز بين المواطنين؟؟؟

وفي حالة التوبة والعودة عن زلل، فواجب المخطئ الاعتذار، الى من أخطأ في حقه، وللآخر المغلوط في حقه، بالتجاوز المسيء مادياً وجسمانياً ونفسياً، وفي السمعة التي تطال في مجتمعنا، أصله وفرعه ظلماً وجهلاً، له أن يعفو ويصفح، وله طلب الحق بتطبيق القانون، على من أساء اليه، حتى لو وقع عليه هذا الظلم، وهو في مرحلة الاتهام، واليوم هو يقضي عقوبة تُلْبِسَه ذات الاتهام!!


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1038734.html