صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4799 | الثلثاء 27 أكتوبر 2015م الموافق 19 رمضان 1445هـ

حين يوضِّع أجهزة الدولة منتسبوها

الكاتب: يعقوب سيادي - comments@alwasatnews.com

لكي تستحوذ فئة من أهل البلاد، جماعة عرقية كانت أو حزباً سياسيّاً على مقدرات الوطن، تعمد تلك الفئة الى رسم وتطبيق، معطيات خريطة تقاسم الثروة أولاً، ثم ثانياً، سلطة القرار في مختلف مستويات السلطات الإدارية، على جميع الأصعدة، لكي تستحوذ تلك الفئة على سلطة التوجيه والوصاية، على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والرقابية والقضائية وفروعها، بجميع مراتبها الإدارية والوظيفية، بطريقة تكون لتلك الفئة المستحوذِة اليد الطولى، والوضع المُهاب، أن يخسر أيّاً آخر، عدا الفئة المستحوِذة، منتهجةً في سبيل ذلك، إتْباع أفراد السلطات الأساسيين، لها مباشرة وجعلهم طوع أمرها، من خلال جبر التسليم، وذلك بتخصيص الأسماء من التابعين، على مستويات إدارية ووظيفية متعددة، وتجعل من صغيرهم رقيباً على، وحالماً بوظيفة كبيرهم، وتغدق على جميعهم، المال الذي يعتقده متلقيه، أمراً عزيزاً، لا يضاهيه راتب غيره من المواطنين لعدة أشهر، وتنفخ فيه أنه الوحيد القادر على أداء مهمات توكلها اليه.

ويسري هذا النسق في العلاقة بين المتنفذ والتابع، أيضاً في مؤسسات المجتمع المدني الحكومية، التي ترفد المؤسسات الرسمية بالأفراد، والمواقف الإدارية والسياسية والحقوقية، لذلك تجد أن الجهات الأممية المختصة، تفرق بين هذه المؤسسات وتلك التي أطلقت عليها أمميّاً، مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية (NGOs)، التي بدورها قابلة أيضاً للاختراق، من قبل عناصر إدارية أو نشطة، مُوكَلٌ اليها مهام أو حالمة بذلك، وتبادر الى التخريب من الداخل، علها تنال موقعاً لدى الفئة المستحوذة، إضافة الى أفراد إداريين نَزِرِين في التعامل مع المختلف القريب، فما بالك بالمختلف البعيد.

سوء أخلاق التواصل لدى هؤلاء، تجعل منهم أسوة سيئة، تُنَفِّر الكثيرين منهم ومن مؤسساتهم، وهؤلاء يشكلون عناصر موبوءة ذاتيّاً، لا تحفل بالتضييق عليهم السلطات المُستحوِذة، بقدر ما تُوقِع المظالم بالسجن غير القانوني، أو المعاقبة المتجاوزة للقوانين، على أولئك القادة الجامعين للناس، المختلفين والمتوافقين على حد سواء، بالمعيار الحق أن الدين لله والوطن للجميع، وأن الرقي الأخلاقي هو الباب الحصين ضد الفرقة والطائفية.

وتأتي هذه الخريطة، برسم مستويات العمل الوظيفي، من أعلى هرمه الى أدناه، بطريقة التقديس بإنحناء كل طرف، للطرف الذي هو أعلاه، فيهيمن رئيس الحكومة على الوزراء، وكل وزير في وزارته يهيمن على وكلائه في الوزارة، والوكلاء كلٌّ يهمين على مديري وكالته، وكل مدير يهيمن على مشرفي إدارته، وكل مشرف يهيمن على موظفيه، لتأتي حال المواطنين بين قلة حالمة وغالبية مسحوقة.

عاليه هو ما يسمى بالاستبداد والتفرد بإدارة الدولة، ونتيجته ديمومة المسئولية لدى أشخاص بالاسم، ومتوارثة في فروعهم العائلية، أو نسلهم الإنجابي والسياسي، يتقدمهم كبيرهم الذي يرشح تابعيه المضمونين، لتخصيص المال اللازم دفعه، والمناصب اللازم إيكالها لجماعته، وبتعدد هذه الجماعات وتشابكها، في علاقة متسقة الدور والأداء والمقابل، تترسم خارطة الوزارات والوكالات والإدارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وكذلك المفوضيات والهيئات والمؤسسات شبه الحكومية، المشار في نصوص نظام إنشائها، باستقلاليتها الإدارية والمالية، وفي الوقت ذاته يتم تعيين رئاسات مجالس إداراتها من قبل الحكومة، أو يرأسها الوزير أو محسوب على الحكومة، وفي نهاية المطاف يتولى رقابتها الوزير، الذي يرفع المواضيع الى مجلس الوزراء، لتأتي الأوامر.

وبحكم العلاقة في تبادل المصالح، (بالمثل الشعبي «شيلني وأشيك»)، وتأسيساً على العطاء الانتقائي، للمُوالي والمُتملق، والصامت وَجَلاً ويأساً، كلاًّ بقَدْرٍ معلوم، ورفع القلم عن المحسوبين أدوات للاستحواذ، وإفلاتهم من المحاسبة القانونية والعقاب، في ظل التوجه العام الرسمي، بالمنع على المختلف والمعارض، بل وإيذائهم، ينبري المحسوبون على الاستحواذ، الى اتباع التعليمات بالتمادي في ممارسة تنفيذها، بما يخرج على القانون ويلغيه، ولا يجد مسئولوهم سبيلاً الى محاسبتهم، وخاصة أولئك المتجاوزين للتعليمات ذاتها، أو المبادرين الى ما يعتقدونه مرضاة لأسيادهم، بالتجني على الآخرين، لتصل الحال الى إصابة أفراد السلطات بمرض الكراهية والطائفية تجاه الغير، إلا مَن رحم ربي من عقلاء القوم.

ويؤثر ذلك أيضاً في التركيبة الدماغية للمستحوِذ وأتباعه، التي تتأقلم على أن الآخر غير مأمون، الى درجة الشك في جميع المواطنين، ما لم يمتثلوا بالتصفيق والتهليل، لكل قول وفعل، مهما غاص عميقاً في التخلف، المختصون فيه المحسوبون على الاستحواذ من التيارات السياسية الدينية، ومهما أضاع مستقبل الأجيال من المواطنين، ومهما أضاع بوصلة العلاقات الإقليمية والدولية، ومهما ضاق المواطن ذرعاً، من المس بقوته ومدخوله، وانعدمت مدخراته، وغرق في الديون الى شحمتي أذنيه، جراء سوء التخطيط والإدارة والفساد، الذي لابُدَّ ويستشري في سلطات إدارات الاستحواذ والنفوذ، وستراه يزداد على الخصوص في حالات التقشف، التي تراهم فيها يبحثون عن مصادر خفض كلف تسيير شئون إدارة الدولة، بعيداً عما يطول استفاداتهم وتابعيهم الأقربين.

كما أن توابع التابعين للمستحوذين، ستراهم يرفعون صوت العويل بالحسرة، على أنهم تعرضوا للخيانة ونكران الجميل، وأن السلطة المتنفذة التي يتبعونها، خذلتهم من بعدما تصدوا لإخوان لهم في الوطن، بسحب اللقمة من الأفواه، وبالسب والشتم وبالنيل من العرض، والتخوين والتكفير، من على جميع منابر الخطابة والإعلام، المرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعي، فداءً للأسياد، الذين هم اليوم يرمون بهم كما الآخرين، لكنهم مع ذلك سيظلون بما كانوا عليه من سوء التقدير، والارتماء بالتملق، آخذتهم العزة بالإثم، والانسياق بما جُبِلوا عليه.

والنتيجة النهائية لمثل حالات الاستبداد والاستحواذ هذه، هي حالات جمود العقليات، بما يعيد المجتمع في نهاية الأمر، عصوراً الى الوراء، جراء إضاعة وبعثرة أصل وفائض القيمة، الفكرية والمالية، باستشراء حالات الفساد الماص والشافط لخيرات الوطن.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1039697.html