صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4852 | السبت 19 ديسمبر 2015م الموافق 18 رمضان 1445هـ

السفير الأميركي الأسبق رونالد نيومان مُحلِّلاً الوضع السياسي في البحرين: الطريق الصعب للإصلاح

نشر السفير الأميركي الأسبق في البحرين (بين 2001، 2004) رونالد نيومان تحليلاً للوضع السياسي في البحرين، ونشره على موقع «مجلس سياسات الشرق الأوسط» Middle East Policy Council، بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، تحت عنوان Bahrain Revisited، تحدث فيه عن نتائج زيارة قام بها مؤخراً إلى البحرين والتقي خلالها مع المسئولين في الدولة وفي مؤسسات المجتمع المدني، بمن فيهم المعارضة.

نيومان الذي خدم كسفير لبلاده في البحرين والجزائر وأفغانستان، عمل أيضاً في البعثات الدبلوماسية الأميركية في اليمن، والإمارات وإيران والعراق، ويرأس حالياً الأكاديمية الدبلومسية الأميركية في العاصمة الأميركية، واشنطن، ويعتبر من الشخصيات المسموع رأيها في الأوساط السياسية. وفيما يلي بعض مما ذكره نيومان في مقاله التحليلي:

قال نيومان «إن وجهة نظر وسائل الإعلام الدولية عن البحرين التي تنشر التقارير عن النضال من أجل الديمقراطية، وحملات القمع، ولكنها لا تذهب إلى عمق الموضوع في البحرين، وهو أكثر تعقيداً».

وقال إنه عندما زار البحرين لفترة قصيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 (بعد غياب دام نحو سنتين) وجد «أن الجزيرة أكثر هدوءاً على السطح مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل عامين. ويبدو أن أحكام السجن وسحب الجنسيات ومحاصرة الناشطين أكثر فعالية بكثير من ضرب وقمع المظاهرات في الشوارع والتي تضاءلت حالياً، رغم أنه لاتزال هناك احتجاجات صغيرة في القرى، ولكن المظاهرات الكبيرة التي كانت موجودة قبل سنتين أو ثلاث سنوات لم تعد موجودة».

وأضاف «ومع ذلك، فإن فوز الحكومة في هذا الجانب لم يعالج المرارة الطائفية والجذور العميقة للخلاف على جانبي الانقسام بين السنة والشيعة. كما إن المواقف تصلبت بسبب اختلاف قيادات جميع الأطراف الرسمية وغير الرسمية تجاه الحلول الأخرى، وأيضاً بسبب عدم الاقتناع بوجود نوايا جادة للبحث عن حلول أخرى. إضافة إلى كل ذلك، فإن الأوضاع الإقليمية تزداد توتراً في العراق وسورية واليمن».

وشرح نيومان وجهات نظره قائلاً: في 22 و29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أجرت البحرين جولتين من الانتخابات البرلمانية، بعد إعادة تنظيم الدوائر الانتخابية، نتج عنها انخفاض عدد المقاعد التي بإمكان من تمثلهم جمعية الوفاق في مجلس النواب من 18 سابقاً إلى 17 حالياً (من أصل 40)، وهي خطوة إلى الوراء.

وكانت الحكومة قد حثت جمعية الوفاق على المشاركة في الانتخابات، وحاولت قيادة الوفاق المساومة من أجل الحصول على تنازلات، بحجة أن هذا أمر ضروري لإقناع مناصريها بالمشاركة، إلا أن الحكومة رفضت، ونتج عن ذلك مقاطعة الوفاق للانتخابات. ومع ذلك، كان الإقبال الانتخابي فوق 50 في المئة، بانخفاض عن نسبة 67 في الانتخابات السابقة (2010)، ولكن تلك المشاركة لاتزال محترمة جداً.

وأضاف نيومان: يبدو لي أن قرار المقاطعة كان فشلاً كبيراً للوفاق. كما إن العنف الذي حدث لاحقاً، مهما كان فاعله، صب لصالح اتهام الوفاق بأنها لا تعمل من خلال الوسائل التمثيلية والديمقراطية. تحركت الحكومة في وقت لاحق ضد الوفاق وسجنت عدداً من قادتها، وقد فرّ آخرون إلى المنفى، والوفاق الآن في وضع أسوأ مع تأثير أقل، وأقل سيطرة على الأمور في الشارع، وأقل قدرة على المناورة سياسياً مقارنة مع الوضع السابق.

وعقب نيومان: هذه هي النتيجة للأسف، وهي تذكرنا بقرار الوفاق رفض المفاوضات في مطلع 2011، لأنها أصرت حينها على تنازلات إجرائية قبل البدء في الحوار. ربما كانت هناك أسباب وجيهة لكل قرار، ولكن على أي حال، فإن النتيجة هي ما نراها حالياً، ولربما أن جمعية الوفاق بالغت في تقدير قوتها أو لأنها كانت تخشى انتقادات عناصر المعارضة الأكثر راديكالية، فإن قراراتها (منذ مطلع 2011) تركتها في وضع أضعف. والقيادة التي ترتكب مثل هذه الأخطاء لديها مشكلة، مهما كانت دوافعها من ذلك نبيلة.

وأضاف: وحالياً، فإن الحكومة حققت نسبة المشاركة التي استهدفتها في الانتخابات، ونجحت في القضاء على التحرك، ولا ترى أن هناك حاجة لتنازلات. وقرارات الوفاق جعلت الحكومة أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى أن الجمعية لا يمكنها أن تتوصل إلى صفقة سياسية ومن ثم إقناع مناصريها وضبط حركة الشارع.

من جانب آخر، أشار نيومان «هناك أيضاً اتهامات للوافاق بأنها جمعية طائفية، وذلك لأن قادتها متدينون، وأن اتخاذ القرارات النهائية تحتاج إلى دعم رجال الدين، الوفاق ترد على هذه الاتهامات وتقول أن عملها السياسي منفصل عن رجال الدين، ولكن، بطبيعة الحال، فإن المتدينين الشيعة لابد أن يعودوا إلى مراجع الدين طلباً للإرشاد».

وقال نيومان انه سأل «قادة الوفاق ما إذا كانوا قادرين على الحفاظ على أي صفقة فيما لو توصلوا مع الحكومة إلى اتفاق، ولم أجد رداً واضحاً. لقد كان السؤال افتراضياً، وربما غير عادل، ولكن وفي ضوء كل الضغوط، فإن على قادة الوفاق الإجابة بوضوح في إمكانية الحفاظ على أي صفقة يتم التوصل إليها لكي يكون هناك حافزاً للحكومة لتقديم تنازلات».

وأضاف: هناك أيضاً الجماعات الشيعية الصغيرة خارج الوفاق، بما في ذلك أن العديد منها أكثر راديكالية، وتم حظرها وهي تتنافس مع الوفاق في قيادة الشارع الشيعي.

وبالنسبة للشارع السني، قال نيومان «أما على الجانب السني، فإن المخاوف تعمقت، على رغم أنه لم يمكنني التحقق من صحة تلك المخاوف، وقد قيل لي إن المواقف في المناطق السنية كانت صورة طبق الأصل من تلك الموجودة في المناطق الشيعية ولكن في اتجاه معاكس، وهناك عدائية، وغضب من احتمال تقديم تنازلات. ولكن الميول داخل الشارع السني واسعة ومختلطة، وقد فقد معظم ممثلي الجمعيات الإسلامية مقاعدهم في انتخابات 2014، وهو ما يوحي بأن البعض في المجتمع تعب من المواقف الدينية. من ناحية أخرى، هناك تزايد في الجماعات ذوي النزعات المتطرفة، وبعض البحرينيين التحق بصفوف تنظيم «داعش»، وليس معلوماً مدى الصعوبات في الشارع السني فيما لو حصلت تنازلات للشيعة، وكل ذلك يبقى في دائرة التكهنات».

وأضاف نيومان: وعلاوة على ذلك، هناك انقسامات داخل الشارع السني، وقد نشأ ائتلاف شباب الفاتح بعيداً عن تجمع الوحدة الوطنية، وطرح دعوته الخاصة للإصلاح السياسي.

وواصل نيومان: بعض القضايا، ولا سيما مكافحة الفساد، تتداخل مع دعوات أخرى للإصلاح. ومن غير الواضح مدى قوة المطالبين بمكافحة الفساد، ولكن من الواضح أن ليس كل الأصوات السياسية السنية هي أصداء للحكومة».

وأضاف: تفتقر الجماعات الشيعية لرؤية مفصلية عن كيفية الخروج من الاضطرابات في البحرين والمواقف داخل الحكومة ليست واضحة. ولكن الرأي الغالب هو الضرب بيد من حديد لإبعاد المعارضة، ويعتقد الكثيرون أنه لا يوجد خيار آخر، وهم على قناعة بوجود أيدٍ خارجية. ودعم لهذه الآراء، يستشهدون برفض الوفاق للتفاوض في العام 2011. وإن قادة الشيعة غير قادرين على اتخاذ قرارات محلية. كما يشيرون إلى اكتشاف أسلحة ومتفجرات، المفترض أنها من إيران، ولذا قال لي أحدهم «بدون إيران، فإنه يمكننا حل هذا الوضع في غضون شهر».

ومن جانب آخر، قال نيومان «هناك أيضاً من يطرح بأن المشاكل السياسية تحدث على دورات، والاضطرابات التي اندلعت بشكل دوري منذ العشرينات في القرن العشرين تم إخمادها بالقوة، باستثناء إصلاحات الملك حمد في العام 2001، فلماذا تختلف الآراء هذه المرة؟»

ونوه نيومان «في حين أن الحكومة لديها بالتأكيد القدرة على الحفاظ على نفسها، ففي اعتقادي الشخصي أن القوة وحدها لن توفر حلاً. فهناك الكثير من المرارة، وهناك أعداد كبيرة في السجن، وهناك الكثير من الدعم الدولي من جماعات حقوق الإنسان (لمطالب المعارضة)، وهذه المشكلة لن تتلاشى، كما إن الترابط في وجهات النظر الداخلية والخارجية والأخبار من خلال الإنترنت، كلها توفر طرقاً جديدة وكثيرة جداً للحفاظ على المطالب بدعوى المظالم، ولا يمكن سحقها تماماً».

وقال ان «هناك آخرون لديهم وجهات نظر مختلفة بعض الشيء عن الإصلاح، ويقولون إنه لا يمكن إجراء إصلاح بخطوة واحدة، ويمكن إجراء إصلاحات تدريجياً، عبر قادة جدد للمجتمع المدني، وهذا يحتاج إلى الإبقاء على العملية الانتخابية الحالية كوسيلة لتفعيل هذا الإصلاح التدريجي. ولكن هناك عنصر مهم لتحقيق الإصلاح التدريجي يعتمد على إحراز تقدم بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تساعد على تأجيج الاحتجاجات. وهذا يحتاج إلى برامج اجتماعية جديدة، وتوسيع مشاريع الإسكان للمهمشين وتوفير فرص عمل جديدة، ولكن لسوء الحظ، فإنه في حين تم الإعلان عن بعض البرامج الطموحة للغاية، إلا أن الحركة الفعلية بطيئة، وقليلاً منها تحقق، وبالتالي فإن النهج التدريجي يبدو أنه نظرية أكثر منه ممارسة».


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1058628.html