صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4880 | السبت 16 يناير 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

«الثقافة الشعبية» في العدد الثاني والثلاثين...

«حكاية عشْبة»: المشموم... نُثِر على سُرُر العرائس... وعلى القبور أيضاً

تحافظ مجلة «الثقافة الشعبية»، وهي تدخل سنتها التاسعة بصدور عددها الثاني والثلاثين، على رصانتها وتغطيتها لفضاء معرفي متنوع ومتعدِّد في هذا الباب، باستقطاب أسماء وباحثين عرب على قدْر من التأهيل ورصانة الإنتاج البحثي والعلمي. يركِّز استعراض هذا العدد، كما هي العادة، على ورقة/ دراسة هي أقرب إلى مزاج الثقافة والطقوس في المنطقة، وتشكِّل إحدى مفردات ثقافتها الشعبية، من حيث استمرار ممارستها حتى يومنا هذا.

«حكاية عشْبة» للباحثة الكويتية بزَّة الباطني، تناولت نبْتة المشموم أو الريْحان «عشبة نثرها بعضهم على سرر العرائس وغرسها الآخرون على القبور»، بحسب تعبيرها، من خلال تتبُّع عدد من الديانات والمعتقدات والطقوس القديمة والحديثة لدى شعوب مختلفة في العالم، مستهلَّة الباطني دراستها بمقولة الفيلسوف الإغريقي كريسيبوس (206 قبل الميلاد): إنما خُلقت تلك العشْبة لتدفع بالرجال إلى الجنون»، «ورغم ذلك، سمَّى الفراعنة والبابليون والفرس والرومان والإغريق المشموم (عشْبة الملوك) و (عطْر الملوك)، و (دواء الملوك)».

الهندوس وتجنُّب إيذاء المشموم

وفي حدود الاعتقاد القارِّ لدى بعض الأمم والشعوب، تشير الباطني إلى أن بعضهم قال إن العشْبة خلقت من دموع مريم العذراء، وربطها آخرون بأرزولي: إلهة الحب والترف والعربدة. وليس بمنأى عن الاعتقادات، تكثِّف الباحثة دراستها بالاستشهاد بكثير من تلك الاعتقادات والعادات وما يرافقها من طقوس، من بينها أن العشبة «حين يتبادلها الناس في إيطاليا تعني (أحبك)، وحين يتبادلونها في اليونان تعني (احذر، هناك عدو يكيد لك)»، وبما يرتبط بالمكان؛ حيث هي حاضرة بقوة لدى بعض الأمم والشعوب، فحين تُزرع في الحديقة تعني الطهارة، وحين توضع في النافذة تعني الفجور.

وضمن مساحة استعراض جانب من الاعتقادات المتعلقة بالمشموم أو الريْحان، تُخصِّص الباحثة مساحة كبيرة منها للطقوس والاعتقادات والعادات في التعامل مع العشبة لدى الهندوس؛ إذ يرونها مقدَّسة وتجسد الإلهة تولاسي. كما أن الهندوس في كل عام مع بزوغ الشهر القمري الثامن، ويقابله شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الميلادي، يقام طقس زواج تولاسي وفيشنو، فتزيّن شجرة المشموم زينة العروس، وبجانبها مجسَّم فيشنو الذي تحوَّل إلى صخرة سوداء. جانب آخر من تلك الاعتقادات أن الهندوس «يُصلُّون للمشموم في الصباح والمساء، ويعدُّ البيت غير مكتمل إن لم يضم العشبة المقدسة في مكان ما من أرجائه»، إلى جانب أنهم يتجنَّبون إيذاء المشموم إلا إن كانت هناك ضرورة لذلك، وفي هذه الحالة يبتهلون بأدعية الاعتذار والاستغفار، ولهذا السبب لا يُستخدم في الطبخ في شبه القارة الهندية.

كما أن المشموم مقدَّس في الديانة البراهمية «ويتم التزيُن بأوراقه كتميمة للتحصُّن من الشرور جسدياً وروحياً، ويذكر في أدبياتهم أن الإله براهما (الإله الخالق) يسكن سيقانها، وأن نهر الجانج يجري في جذورها، وأن كل الآلهة توجد على أغصانها، والكتاب المقدَّس في زهورها».

ومن الهندوس تأخذنا الباحثة إلى الرومان؛ إذ يعتقدون أن زارع المشموم يجب أن يزرعه وهو يسب ويلعن ويشتم كنوع من الوقاية من الشرور عموماً، ومن ظهور الثعابين والعقارب خصوصاً، وأيضاً لضمان الحصول على محصول جيد. و «من هذه الممارسة، ظهر التعبير الفرنسي (le baslic semer) أي زرع المشموم، ويقال (فلان يزرع المشموم)، ويقصد بذلك أنه يهذي أو يخرِّف ويتفوه بكلام غير مفهوم وغير مقبول».

المشموم في العادات العربية

تخصِّص الباحثة الباطني مساحة لتعاطي وتعامل عدد من الشعوب العربية مع المشموم، وتبدأه ببعض دول الخليج العربية، بالإشارة إلى أن بيع المشموم هو أحد المهن التي زاولتها المرأة في الخليج، قديماً وحتى يومنا هذا؛ وخاصة في المناطق القروية، كما زاولها الرجال من القرويين ضمن بيع منتجاتهم الزراعية. موضحة أن معظم استخدامات هذه العشبة في البحرين - خصوصاً - تتعلق بالزينة والتعطُّر؛ سواء في الأيام العادية أو حفلات الحنَّة والعقد أو الجلْوة. وتورد الباحثة بعض التفاصيل المتعلقة بعدم السماح للبنات غير المتزوجات بتضفير شعورهن بالمشموم لكن يسمح لهن بارتداء قلائد أو أساور المشموم. «كما تحرص المرأة المتزوجة في البحرين على تزيين وتعطير حجرتها وفراشها بالمشموم مرة كل أسبوع؛ وخاصة يوم الخميس ليلة الجمعة».

وتتناول الباحثة عشبة المشموم وارتباطها بتقاليد الوفاة بدءاً بالفراعنة؛ إذ كانوا ينثرون براعمها على قبور الموتى من الفراعنة في مصر القديمة «وكان يُعتقد من وراء ذلك أنها ستفتح لهم أبواب الجنان الأبدية، كما كان المشموم يستخدم في غسل وتحنيط الموتى». وبالنسبة إلى الهندوس، يتم غسل جثمان الميت بماء المشموم، ويتم وضع غصن منه على صدره ناحية القلب عند دفنه، وذلك لضمان وصوله إلى جنة الفردوس «كما يوضع غصن مشموم قرب الإنسان المحتضر ليصعد بروحه إلى الجنة».

وضمن هذا الباب من بحثها، تشير الباحثة الباطني إلى أن تقليد وعادة زراعة المشموم في المقابر ووضعه على القبور عادة منتشرة في كثير من أنحاء العالم مثل: إيران وماليزيا واليونان. ويبدو من خلال تقصٍّ وبحث ميداني عمدت إليه الكاتبة الكويتية الباطني، تفصِّل بالقول، إنه «بالقرب من مقبرة المنامة، والتي يُطلق عليها اسم الجبَّانة، يقف العديد من الصبية الصغار والشباب على جانبي الشارع الضيِّق المحاذي لمستشفى الإرسالية الأميركية، تحديداً عصر يوم الخميس لبيع المشموم؛ حيث اعتاد الناس على وضع باقات من المشموم على القبور في البحرين».

تجديد منْهج توثيق التراث غير المادي

احتوى العدد على كلمة رئيس التحرير علي عبدالله خليفة: «في عيد البحرين الوطني»، تناول فيها أبرز المحطات التي مرَّت بها المجلة وما حققته في بحر السنوات الثماني الماضية. ومن بين كتَّاب العدد أستاذ علم الأنثروبولوجيا في الجامعة اللبنانية علي بزِّي: «الذاكرة الشعبية والعوْلمة»، طالب في مقالته بتحديد دور ووظيفة الثقافة الشعبية، في ظل مرحلة مفصلية وحسَّاسة تمر بها المجتمعات العربية، في سبيل تحديد العلاقة وإبراز التحديات الحاصلة بين ثقافتنا الشعبية والعوْلمة.

«تجديد المنْهج في توثيق التراث غير المادي»، عنوان الدراسة التي ساهم بها الأستاذ المُحاضر في جامعة الحسن الثاني المغربية، خلُص فيها إلى أن المأثور الشعبي يتجاذبه انتماءان اثنان: انتماء إنساني مُشترك بين البشر، ثم انتماء محلي يربطه بمجاله التداولي؛ ما يتطلَّب من الموثِّقين رصْده في تلوُّناته المحلية، والإمساك بعلاقاته التي يقيمها مع باقي العناصر في سياق طقوسي مُحدَّد، مستجمعاً مجموعة من النتائج صنَّفها إلى ثلاثة مجالات رئيسية: حقوقية، علمية، ومؤسساتية.

ومن حيث المجال الحقوقي، حظيت الممارسة التراثية غير المادية باعتراف جميع دول العالم، وصاحبَ هذا الاعتراف سن تشريعات وقوانين تنهض بحماية حقوق الجماعة الثقافية.

وفي المجال العلمي، حظي الفعل الإنجازي بأهمية كبيرة في الدراسات الأنثروبولوجية؛ حيث جعلت منه منطلقاً لتوثيق الذاكرة الثقافية التي لا يمكنها أن تتكشَّف إلا عبْر نسَق الأداءات «Performances» والممارسات الثقافية الحيَّة.

أما في المجال المؤسساتي، فالمرجعية المنظِّمة لكل تلك الإجراءات في محاولة للرصد والمنْهجة، فتضطلع به اليونسكو، بدورها في ترشيح أفضل الممارسات وإدراجها في القوائم التراثية العالمية، مع تعهُّد المنظمة الدولية بتقديم دعم مالي مهمٍّ للمشاريع الوطنية.

التراجيكوميديا في «ألف ليلة وليلة»

مدرِّس الأدب الحديث المُقارَن بكلية الآداب بجامعة القاهرة، تامر فايز، جاءت دراسته المُعمَّقة تحت عنوان «التراجيكوميديا في ألف ليلة وليلة... دراسة في تداخل الأنواع الأدبية»، ماهية الأثر/ النوع الأدبي المشار إليه، عبْر مدخل جديد يستهدف الكشف عن طبيعة البُنى المتداخلة للتراجيديا/ المأساة والكوميديا في «الليالي».

وتهدف الدراسة إلى الكشف عن الشكل القائم على التداخل في الليالي، والإجابة عن عدَّة تساؤلات تحيط بالموضوع ومن بينها: كيف يمكن إعادة النظر في نظرية الأنواع الأدبية، بناء على هذا الطرح الجديد الذي يسعى إلى توسيع دلالات واستخدامات المصطلحات النقدية، ولاسيما مصطلح التراجيكوميديا؟ وما العناصر التراجيدية أو الدرامية - بالمعنى المعاصر - التي تحويها بعض حكايات الليالي؟ وصولاً إلى: ما التقنيات والأساليب المستخدمة في المزْج بين المأساوي والكوميدي في هذه الحكايات؟

واقترحت الدراسة في ختامها، تعريفاً لمصطلح التراجيكوميديا السردية «والمقصود به في هذا الإطار هو ذلك النوع من الكتابات السردية، التي تحوي في شكلها ومضمونها مجموعة من العناصر التي تنتمي إلى ما يمكن أن يخلق شعوراً مأساوياً لدى المتلقِّي، وكذلك تحوي مجموعة من العناصر التي يمكن لها الترويح عن المتلقي إزاء هذا الشعور المأساوي، وذلك عبر مجموعة من التقنيات السردية التي تسهم في الجمع بين المأساة والكوميديا».

الزجل المغربي... خصوصياته

دراسة الكاتب والأكاديمي المغربي، عبدالله بن عتّو، حملت عنوان «طُرُق الصوْغ في الزجَل المغربي... تأمُّلات نظرية ونصِّية»، حاول من خلالها الوقوف على خصوصياته الشعبية. مُشيراً إلى أن الكتابة الإبداعية - عموماً - تصنع قوانينها، ومن ثم فهي تتحكَّم في شروط القيم الجمالية والفنية التي تنتجها. ومن تلك القاعدة يرى أن البحث في طرق الصوغ في الزجل المغربي، وربما هو الحال أيضاً في الزجل العربي قاطبة، هو عمل نصي بالأساس. متخذاً من ديوان «الزجل المغربي» كنقطة اختبار لهذا النوع من الشعر، ومنطلقاً لاستلال نماذجه التي وجد أنها مُطابقة لمنهج الدراسة واستنتاجاتها.

بن عتُّو يرى أن الزجل الحالي ليس بالضرورة هو الشعر الشعبي، بحكم أن الأخير محكوم ويُعرف بخصائص تكاد تكون على افتراق مع الزجل.

ويطرح الباحث سؤالاً يبدو إشكالياً يتعلق بماهية المكان النظري والنقدي اللائق بالممارسات الزجلية الحالية والمتنوعة، في ظل المراهنة على دراسة المتن الزجلي أكاديمياً.

وفي إثارة سؤال الصياغة، ذلك المتعلق بالزجل المغربي، يرى بن عتُّو أن ذلك يذهب بنا للتأمل في طبيعة المزاحمة التي يعاني منها الزجل الشعبي الأصيل، بدعوى تحديثه وتثويره وتحقيق انزياحاته... وهذه كلها مزاعم كان لها الأثر السلبي على أنطولوجيا متن زجلي ضخم غير مُوثَّق، ولا منقول، ولا مدروس. ومن هنا «فإن حظ هذا المتن المنسي يجب أن يكون وافراً كي يدخل إلى الدرس الأكاديمي، لأنه وسيلة لحفر الطرق الواضحة لتقييمه». أولاً: لتقييم فردية كل مجموعة بشرية ينتمي إليها، والنظر في خصوصياتها التاريخية، وفي فضائها الخاص وما تملأه من عقائد وتقاليد وممارسات؛ أي باختصار النظر في ثقافته.

الحكاية الخرافية الجزائرية

الأستاذ المحاضر في جامعة أبي بكر بلقايد الجزائرية، سيدي محمد بن مالك، قدَّم دراسة بعنوان «الحكاية الخرافية الجزائرية... قراءة سيميائية سردية لحكاية (طولا)»، سعى فيها إلى توظيف مفهوم الوحدة السردية في قراءة حكاية شاع تداولها في بعض الأوساط الشعبية في الجنوب الغربي من الجزائر، تلك التي تحوَّلت إلى أسطورة على يد عبدالقادر بن سالم في كتابه «الأدب الشعبي بمنطقة بشَّار»، بينما هي أدنى، في بنائها ونسق وحداتها السردية، إلى الحكاية الخرافية، مدلِّلاً على ذلك في متن قراءته.

ومن بين كتَّاب العدد: الكاتبة والباحثة الأكاديمية البحرينية أنيسة إبراهيم السعدون، بدراستها «حكاية السنّور والجرذ»، والكاتب اليمني محمد علي ثامر، بدراسته «علي وِلْد زايد... أسطورة الشخصية، وبلاغة الأقوال والأمثال»، والكاتبة الجزائرية آمال عطية بدراسة «عادات وتقاليد الزواج في الجزائر... على طريقة عُرْف سيدي معمر بمنطقة الشلف نموذجاً»، وساهم أستاذ التاريخ والأنثروبولوجيا المغربي جلال زين العابدين بـ «سلوك وعادات المغاربة من خلال كتاب (نحن المغاربة) ليحيى بن سليمان» والأستاذ بالمعهد العالي للموسيقى بجامعة سوسة التونسية، محمد الدريدي بدراسة «المطربة صليحة... بحث في أسرار الخلود»، والباحث المغربي جمال أبرنوص بدراسة «أغنية الراي بالغرب المتوسطي... إثنوموسيقولوجيا النمط الغنائي وسؤال التطوُّر والتهجين»، والباحث والأكاديمي التونسي، عبدالكريم براهمي بدراسة «الأزياء التقليدية للمرأة التونسية... علامات ورموز (بر الهمامة) نموذجاً... مقاربة أنثروبولوجية»، ومساهمة الكاتب السوري سلُّوم درغام سلُّوم بورقة «بيوت الغمس في حماة السورية وريفها». وتولَّت مدير عام مركز دراسات الفنون الشعبية بالقاهرة، أحلام أبوزيد، قراءة الكتب الصادرة عن مجلة «الثقافة الشعبية»، كملحقات مع أعدادها، وليس بعيداً عن التوجُّه، تقرأ الكاتبة السورية بشرى منصور «الأدوات التراثية والمأكولات الشعبية في كتاب «التراث الشعبي الحمْصي»، لمصطفى الصوفي، واختتم العدد بما كتبه مدير تقنية المعلومات في المجلة، سيدفيصل السبع، وتضمَّن إحصاءات وقراءة للجانب التفاعلي مع الموقع الالكتروني للمجلة، والموضوعات التي احتوته.

ضوء

يُذكر أن «الثقافة الشعبية» مجلة فصلية علمية محكمة تصدر من مملكة البحرين بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)، وتهتمُّ بالدراسات الفلكلورية والاجتماعية والأنثروبولوجية والنفسية والسيميائية واللسانية والأسلوبية والموسيقية، وكل ما يرتبط بهذه الشُعَب في الدرس من وجوه في البحث تتصل بالثقافة الشعبية. ويرأس تحرير المجلة الشاعر والباحث علي عبدالله خليفة، فيما يتولَّى رئاسة الهيئة العلمية وإدارة التحرير محمد النويري، ونائب المدير العام للشئون الفنية والإدارية الكاتب والقاص البحريني عبدالقادر عقيل. وتتكوَّن هيئة التحرير من كل من: عبدالرحمن مسامح، حسين محمد حسين، ومحمد حميد السلمان.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1068942.html