صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4886 | الجمعة 22 يناير 2016م الموافق 18 رمضان 1445هـ

بيتر فورد لـ «الوسط»: التدخل الروسي في سورية غيّر المعادلة في الشرق الأوسط

بيتر فورد لـ «الوسط»: أزور البحرين تقديراً لـ «الخيرية الملكية»...والتدخل الروسي في سورية غيّر المعادلة في الشرق الأوسط

الوسط - منصور الجمري

قال السفير البريطاني السابق في البحرين (حتى 2003) وسورية (حتى 2006)، وممثل المفوض العام السابق لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بيتر فورد، في لقاء مع «الوسط»، إن زيارته الحالية للبحرين، تأتي من باب التقدير للجهود التي تبذلها المؤسسة الخيرية الملكية، منوهاً إلى أنه شارك في الاحتفال بحصول البحرين على المركز الأول عربياً وخليجياً والـ 13 عالمياً على مؤشر العطاء العالمي عام 2015، واعتبر أن ذلك «دلالة على إنجازٍ للبحرين يستحق التقدير».

وفي الشأن الإقليمي، اعتبر فورد أن «ما حدث في سورية اتجه إلى الطريق الخاطئ»، ورأى أن «التدخل الروسي في سورية غيّر المعادلة في الشرق الأوسط، وهذا دفع بالقوى الغربية لأن تصعّد من حملاتها لإثبات وجودها، كما إنه وبسبب التدخل الروسي فقد تنشّطت العملية السياسية في فيينا وجنيف».

وفيما يأتي نص اللقاء مع السفير البريطاني السابق في البحرين بيتر فورد:

- يسعدني أن أتواجد في البحرين لأنني كنت هنا سفيراً للمملكة المتحدة في فترة شهدت بداية المشروع الإصلاحي، كما إنني أنوّه بخدمات المؤسسة الخيرية الملكية أثناء عملي لمدة 8 سنوات كمفوض عام وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وكيف ساهمت المساعدات البحرينية الكريمة في بناء مدارس ومكتبات في غزة. وكنت سعيداً بافتتاح مبنيي مركز البحرين الصحي ومكتبة البحرين العامة التابعين لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والممولَيْن من المؤسسة الخيرية الملكية في 2012، وكيف ساهمت المرافق التي تبرّعت بها البحرين بتحسين حياة اللاجئين في غزّة. ولقد ساهم الكرم البحريني في مساعدة أكثر من مئة ألف لاجئ من خان يونس على الرعاية الصحية الملائمة واستفاد سكان مخيم جباليا من المكتبة البحرينية.

أنا سعيد بالمشاركة في الاحتفال بحصول البحرين على المركز الأول عربياً وخليجياً والـ 13 عالمياً على مؤشر العطاء العالمي عام 2015، وهذا دلالة على إنجازٍ للبحرين يستحق التقدير.

- في الأساس، فإنّ ما حدث في سورية اتجه إلى الطريق الخاطئ، ولعلَّ أحد الأسباب أن السياسيين الغربيين كانت لهم حسابات خاطئة في 2011، وذلك بعد أن رأوا ما حدث بعد الربيع العربي في تونس ومصر وغيرهما، واعتقدوا أن الأمر ذاته سيحدث في سورية، ولكن الوضع السوري كان مختلفاً جداً، لأنّ هناك خلفية طائفية في المجتمع وبالتالي فإنّ الحكومات التي دخلت على الخط اعتقدت أن الحكومة السورية ستسقط سريعاً، بل إن أحد السفراء البريطانيين الذين خلفوني في سورية أعلن أنه يتوقع بأنّ الحكومة السورية ستسقط في نهاية 2012، ولكننا الآن في يناير/ كانون الثاني 2016، والحكومة السورية مازالت هناك. لقد قلت منذ البداية إن الحكومة السورية لم تكن ستسقط، وهي لم تسقط، وذلك لأنّ الحكومة هناك فعلت كل ما بإمكانها أن تفعله، بما في ذلك البطش، لضمان عدم السقوط.

الخطأ الثاني، أن الثورة السورية تم اختطافها من عناصر أكثر خطورة من النظام السوري، والقوى الديمقراطية التي بدأت الاحتجاجات قُمعَتْ بشراسة، وتم اختطاف الحراك من قبل المتطرفين الراديكاليين من نوع اجتماعي واحد وهذا هو الوضع الآن.

الخطأ الثالث أن ما يحدث في سورية يتم دفعه من الخارج، وكل الأطراف من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب يتدخلون في الشأن السوري، والسوريون يدفعون الثمن الآن لكل ذلك، ولاسيما أن القوى الخارجية مستعدة أن تقاتل حتى آخر سوري. وليس مستغرباً أن يتوجّه مئات الآلاف من السوريين للهجرة خارج بلادهم وهذا أنتج أزمة هجرة كبرى، وأوروبا الآن في أزمة لم يتصورها أحد بسبب تدفق المهاجرين بهذه الأعداد غير المشهودة من قبل.

- لست متفائلاً، ولكن لدينا فرصة الآن إذا استفادت الأطراف مما سيحدث في نهاية الشهر الجاري (يناير 2016) في جنيف، فإنّ لدينا عملية سياسية قد تبدأ باجتماع بين الحكومة السورية وبعض أطراف المعارضة السورية سيتم تحديدها، للبدء في الحديث عن ترتيب فترة انتقالية. والخطوة الأولى ستكون عبر الاتفاق على هدنة في مناطق محددة.

وفي الواقع توجد حالياً مؤشرات حسنة أخرى في عدد من المناطق؛ إذ إن هناك عملية تهدئة تجرى على الأرض، إذ ترى أن الجيش السوري يبقى خارج منطقة ما، بينما تستلم الحكومة السورية منشآت داخل المنطقة، وفي الوقت ذاته يترك المعارضون السلاح بعيداً عن العين، وتسري الحياة من دون احتراب. هناك بلا شك مشكلات كثيرة؛ لأنّ مجاميع وفرق الجيش السوري الحر توجد بينها اختلافات، وهناك حالة من الفوضى في كثير من الأحيان، ولكن المجموعات التي تعمل في مناطقها وتعرف مناطقها، تستطيع الاتفاق فيما بينها، وعلى أساس ذلك يحدث سلام محلي. هذه العملية مستمرة، وهي تعطي أملاً ربما أكثر مما يمكن أن يأتي من اجتماعات فوقية في جنيف. أنا متفائل من هذه العملية التي تأتي من الأسفل، وتحقق أمناً على الأرض، وهناك تنازلات مهمة، إذ إن المعارضة مازالت لديها الأسلحة، ولكنها تتنازل للشرطة الحكومية لضبط الأمن، وترى أن المسئولين الحكوميين عادوا إلى بعض البلدات لتسيير شئون الناس، ويتعايشون فيما بينهم، بينما يبقى الجيش خارج البلدات والمنطقة، ومن دون المساس بالمعارضين.

- نعم، تمكن تنظيم «داعش» من دخول مناطق في دير الزور، ولكن أيضاً تمكنت الحكومة السورية من تحييد وتهدئة مناطق عديدة في الفترة الأخيرة، في حمص والزبداني، وهذه المناطق التي يتم تحييدها تشهد اتفاقات مع قوى محلية، وهذه العملية التدريجية تعطينا أملاً في تحقيق حل سياسي على أرض الواقع، ولو أنه يسري ببطء حالياً.

- بالتأكيد، فلا يوجد أي ذرة شك بأنّ الحرب على «داعش» ستستمر، ولا توجد إمكانية على الإطلاق للتفاهم مع هذا التنظيم المتوحش، والحملة ستكون لفترة طويلة. وهناك بادرة أمل في أن تنظيم «داعش» وصل إلى حدوده القصوى في سورية والعراق، وبدأ الآن يتراجع وهو في موقع الدفاع. وشاهدنا كيف أن التنظيم خفض معاشات من يقاتل معه إلى النصف، كما أن الضرب الجوي الروسي لخطوط إمداد نفط التنظيم قد فتح الأبواب للآخرين لاستهداف هذه الإمدادات، إذ إن قوافل الشاحنات المحملة بالوقود كانت تبيع نفط «داعش» في تركيا، وكان التنظيم يستخدم الدخل الذي يحصل عليه لتمويل عملياته والمناطق التي يسيطر عليها. ولكن بعد القصف الجوي الروسي لهذه الإمدادات رأينا أن الأميركيين والبريطانيين بدأوا يقصفون إمدادات «داعش» النفطية بكثافة، وهذا بدأ يؤثر بصورة ملحوظة على التنظيم الإرهابي. فأي جيش يحتاج إلى المال والغذاء، وإذا ضربت المال فإنّ وضع الجيش يتأثر. ولكن مازال التنظيم قوياً، إذ إنه انتقم مؤخراً في دير الزور، وهذا يوضح أن الحرب معه أمامها أمد أطول مما نرغب.

- نعم، أقولها وأنا لست سعيداً؛ لأنني دبلوماسي غربي سابقاً، ولكن الواقع يقول إن دخول الروس في الصراع السوري في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 قد غيّر المعادلة في الشرق الأوسط، وهذا دفع بالقوى الغربية لأن تُصَعِّد من حملاتها لإثبات وجودها، كما إنه وبسبب التدخل الروسي فقد تنشّطت العملية السياسية في فيينا وجنيف.

- من الصعب أن أضع أيَّ جدول زمني، ولكن بعد خمس سنوات لربما نرى أثراً لما يجري الآن، فبعد ذلك ستكون الحرب قد استغرقت ربما عشر سنوات، ولو نظرت إلى أزمات الشرق الأوسط سابقاً، فسترى أن الزمن يمضي بسرعة، فالحرب الأهلية اللبنانية استغرقت 15 سنة، وفي أفغانستان فإنّ الحرب لم تتوقف بعد أكثر من 10 سنوات من آخر تدخُّل، وفي العراق فإنّ الأمر ذاته يحدث كذلك، فالحروب في هذه المنطقة تستمر طويلاً، ورغم أننا لا نرغب في رؤية حروب مستمرة، ولكن الواقع يقول إن الحروب هنا تطول كثيراً قبل أن تتوقف.

- من السابق لأوانه أن نقول ذلك، فلقد سُئل أحد وزراء الخارجية الصينيين ذات مرة عن رأيه في الثورة الفرنسية وكان جوابه: إنه من السابق لأوانه الحكم على نتائجها (ضاحكاً)... وبالتالي فإنه ليس سهلاً القول إن اتفاقية سايكس بيكو ستنتهي. تنظيم «داعش» ادعى أنه أزال الحدود بين الشام والعراق، ولكن عندما اتحدث للسوريين والعراقيين فإنهم يؤكدون أن الحدود هي الحدود، وأعتقد أن سورية والعراق سيصران على حدودهما.

«ما حدث في سورية اتجه إلى الطريق الخاطئ»، و«التدخل الروسي في سورية غيّر المعادلة في الشرق الأوسط، وهذا دفع بالقوى الغربية لأن تُصعِّد من حملاتها لإثبات وجودها، كما إنه وبسبب التدخل الروسي فقد تنشّطت العملية السياسية في فيينا وجنيف».

بيتر فورد

السفير البريطاني السابق في البحرين وسورية، وممثل المفوض العام السابق لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) 

- لكن الأحداث في السنتين الأخيرتين أثبتت أن الغرب لا يستطيع ترك الشرق الأوسط، فلو تركنا الشرق الأوسط فإنه لن يتركنا. فأحداث الشرق الأوسط أثبتت ذلك، والآن نرى العمليات الإرهابية في أوروبا، وتدفق المهاجرين إلى أوروبا، والحرب على «داعش»، أصبحت جميعها على أولويات الأجندات الأوروبية، وليس ذلك فقط، وإنما أصبحت هذه القضايا توثر في طريقة اختيار الناخب الأوروبي للأحزاب التي تحكمه. وفي بريطانيا سيكون لدينا استفتاء فيما إذا كنا نرغب في البقاء في الاتحاد الأوروبي أم نخرج منه، وقبل هذه الأحداث الشرق أوسطية كانت الكفة تميل للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن الآن هناك خشية من الميلان نحو التصويت للانسحاب من الاتحاد، والفريقان (الداعي للخروج من الاتحاد والداعي للبقاء في الاتحاد) الآن يتنافسان... وكل ذلك بسبب ما يجري في الشرق الأوسط. تدفق المهاجرين السوريين إلى أوروبا أصبح عاملاً مهماً في تحديد خيارات الأوروبيين السياسية. كما إن روسيا دخلت إلى سورية، والولايات المتحدة لديها منافس قوي الآن، ومن الصعب أن ترى انسحاباً في ظل هذه المنافسة ومع استمرار آثار الأوضاع في الشرق الأوسط على أوروبا والعالم.

- نعم، الآن ترى أن روسيا تتعامل مع سورية، تماماً كما تتعامل الولايات المتحدة مع إسرائيل. فالأميركان يقودون عملية سلام فاشلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن الناحية الفعلية فإنّ روسيا تقود العملية السياسية السورية في فيينا وجنيف، وروسيا تلعب الدور ذاته في سورية، كالذي تلعبه أميركا في إسرائيل. أميركا تحمي إسرائيل، وروسيا تحمي حكومة الأسد، والقوتان تساندان الوضع القائم، والقوتان مُضطرّتان لذلك بسبب أولوياتهما الأمنية الاستراتيجية. هذا التعاكس في السياسة حالياً بين أميركا/ إسرائيل من جانب وروسيا/ سورية من جانب آخر خلق ما يشبه المرآة، وهذا نمط جديد في المنطقة. هناك حقائق جديدة على الأرض، وبالتالي فإنّ حكومة الأسد تم إنقاذها، وهناك توجُّه حالياً بأنه إذا كنا نريد إنهاء معاناة الشعب السوري، فإنّ رحيل الأسد لم يعد أولوية.

- إن أوروبا تعيش تحت ضغط الأزمة الاقتصادية والآن تحت أزمة المهاجرين، وهناك الكثير من التصدُّعات. ألمانيا خلقت مشكلة لنفسها وللآخرين عندما أعلنت أن أبوابها مفتوحة للسوريين، ولا تنسَ أن هناك مشكلة أخرى؛ إذ إن هذه السياسة تساعد على إفراغ سورية من شعبها، وهذا ما يفسر هروب الكثيرين من الخدمة العسكرية السورية للالتحاق بتدفق المهاجرين، إضافة إلى خروج الكثير من أصحاب الكفاءات والإمكانات. في أوروبا هناك الكثير من المشكلات المستجدة وهناك الكثير من التصدُّعات التي يعاني منها الأوروبيون بسبب ما خلقته ألمانيا من «فرانكشتاين» وهو ما أدى إلى انتشار العنصرية والأحزاب الشعوبيّة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1071353.html