صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4929 | السبت 05 مارس 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

نوابنا... كيف تحولوا من المساعدة إلى المنافسة؟

الكاتب: أحمد صباح السلوم - .

تحدثني نفسي كثيرًا عن بعض الأخبار التي تسبب لها حيرة بالغة ترفض معها تقبّل هذه الأخبار، سواء منطقيًّا أو عمليًّا أو وطنيًّا.

ولعلَّ أبرز ما دار في ذهني هذا الأسبوع هو مسألة الرواتب التقاعدية للنواب والامتيازات الأخرى التي يحصلون عليها، أو تلك التي أصدروا تشريعات لأنفسهم للحصول عليها، وفي الحقيقة لست وحدي من أراها دربًا من دروب استغلال الوطن والمواطنين، وأنانية مفرطة في تغليب مصالحهم على مصالح باقي الشعب البحريني... فرئيس مجلس الشورى السيد علي الصالح ونائبه الأول جمال فخرو وربما قلة من أعضاء المجلسين أصيبوا بحالة الرفض، كما أن الكثير من كبار العائلات البحرينية والتجار والأعيان على نفس حالة الرفض لمبرر هذه الأفكار والقرارات... وأشهروا اعتراضاتهم على هذه القرارات غير المستساغة بالمرة.

فكرة أن شخصاً، مهما يكن عمله وجهده (وجميعنا يرى النواب ومستوى أدائهم في هذه الدورة) يحصل خلال 4 سنوات على امتيازات لا يحصل عليها المواطن البحريني إلا بعد 45 سنة من العمل والكد، على رغم أن هذا المواطن قد يكون طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو جنديا أو معلما أو صحافيا أو غير ذلك من المهن التي لا تقل أهمية عن دور النائب في بناء الوطن وتطويره، فأعتقد أن هذا قمة الظلم للمواطن وللوطن بالتبعية.

نائب يقضي 4 سنوات في البرلمان يحصل على راتب تقاعدي أكثر من 3 آلاف دينار، وهو تقاعد لا يحصل عليه موظف عادي قضى أكثر من 45 عاماً في الخدمة!!

علما بأن النائب نفسه قد يكون لديه تقاعد من جهة أخرى، وعدد كبير منهم ينطبق عليه ذلك... كما أنه يحصل على مكافأة نظير خدمته بالمجلس وليس راتبًا، وبالتالي هناك خلل واضح في منحه راتبًا تقاعديًّا عن فترة وجيزة من العمل يحصل خلالها على مكافأة!

النائب نفسه الذي قضى 4 سنوات في البرلمان - ربما قد أدى فيها وأحسن الأداء، وربما قد أساء أو لم يؤد الدور المطلوب منه - لم يكتف هذا النائب بالحصول على جواز سفر خاص له لوحده بل أصدر تشريعا تحصل بموجبه أسرته كاملة جوازات سفر خاصة، ما هذا الإسراف في الفعل والتشريع؟ ماذا فعل أبناؤكم وزوجاتكم للوطن حتى يحصلوا على جوازات سفر خاصة دون باقي أبناء شعب البحرين؟ هل هذه دعائم العدل والمساواة والخدمة التي تقدمونها للشعب الذي انتخبكم!! أمر في منتهى الغرابة والعجب ولا يوجد له مثيل في العالم أجمع!

بدلاً من أن يقول النائب مثلي مثل الناس، ويرفض الجواز الخاص، ويحمل جوازًا عاديًّا كباقي الشعب ليستشعر حياة الناس العادية، وما قد يصادفونه من مشاكل فيتلمسها ويحلها، راح يشرع الامتيازات الواحد تلو الآخر لنفسه ولزوجته ولأبنائه ويبدو أنهم لو طالوا لفعلوا لباقي العائلة!

حالة الاستغراب من التصرفات التي ليس لها مثيل لم تقف عند هذه الحدود، وبدلاً من أن يساعد النواب التجار وأصحاب الشركات في أعمالهم، صاروا منافسين لهم في أرزاقهم، لست معترضًا على أن النائب يكون تاجرًا أو يدير عملاً خاصًّا، فهذا ربما يكون عمله من البداية (على رغم أنه الآن يحصل على مكافأة كبيرة نظير كونه نائبًا في البرلمان)، لكن الأمر والأدهى من ذلك هو استفادة النائب من مكانه في الحصول على تراخيص أعمال ومهن قد يسعى المواطن العادي إلى الحصول عليها في سنوات ولا يحصل.

لكن البعض للأسف يذهب إلى الوزراء وفي يده الطلبات الخاصة والسجلات والرخص التي قد تكون متوقفة منذ سنوات، هذا لنفسه وهذا لزوجه وبعضهم لأبنائه وأقاربه، شاهرا أمام المسئولين قوة سلطاته، فتجد النائب لديه «ما لذَّ وطاب» من السجلات التي قد يصعب على التجار الحصول عليها!

أنت كنائب هل سألت نفسك يومًا... كيف تطالب الشعب بأن يتحمل رفع الدعم عن اللحوم والدواجن وزيادة سعر البنزين والبعض زاد عليه سعر الكهرباء والمياه أيضاً، وتأتي أنت لتحصل لنفسك على جميع هذه الامتيازات؟!! فهل دخلت المجلس لأجل هذا؟!

الدولة نفسها كيف توافق على منح النائب جميع هذه الامتيازات؟!! راتب وسيارة وكذا وكذا ثم تقاعد بهذا الشكل، من أين أتيتم بهذه الأفكار؟؟ لوردات لندن وبارونات أميركا لا يحصلون على مثل هذه الامتيازات الخيالية، في الدول العربية من هم أغنى من البحرين ومن هم أكثر خبرة في هذا المجال لا يفعلون ذلك ولا نصف ذلك، ولا أعتقد أن نواب البحرين يقدمون أداء خيرا منهم ولا هم أكثر من أولئك علمًا وثقافة وخبرة، ولا نحن أغنى من بريطانيا وأميركا!!

ثم إنَّ الفكرة نفسها في غاية العجب... شخص ينتخب من الناس للدفاع عن مصالحهم ورقابة الجهاز التنفيذي للدولة، فيذهب يشرع لنفسه دون باقي الشعب الذي انتخبه، قوانين تمنحه امتيازات لا أنزل الله بها من سلطان، تفوق ما يحصل عليه موظفو الدولة وهو ليس بموظف ولا يفترض له أن يكون!

كم ستكلف هذه الرواتب خزينة الدولة شهريًّا؟ وهل هي دستورية بالأساس؟ وما حجم الإرهاق المترتب على صندوق التأمينات الاجتماعية من جراء هذه الرواتب التقاعدية؟ وما مدى تأثير ذلك على رواتب التقاعد لباقي موظفي وعمال البحرين من البسطاء ومتوسطي الحال؟

ثم إن الفكرة نفسها تقضي على حماسة النائب، وسعيه إلى العمل الجاد؛ لأنه بذلك سيضمن تعويضًا وراتبًا تقاعديًّا سواء أدى وأنجز أو لم يؤد ولم ينجز، أما إذا كان أداؤه وعمله في خدمة أبناء دائرته هما المنفذ الوحيد لاستمراره كنائب في الدورات النيابية القادمة، فاعتقد أن أداءه سيختلف كثيرًا عما لو ضمن الراتب التقاعدي في جيبه بجميع الأحوال!

كل هذا في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من تبعات الوضع الاقتصادي وانخفاض سعر النفط، وتتجه إلى خفض النفقات ورفع الدعم... فكيف لي كمواطن أن أقتنع بهذه الإجراءات، وسيادة النائب يمنح لنفسه وأسرته الامتيازات الواحد تلو الآخر؟! ابدأوا بأنفسكم حتى نتبعكم، كونوا قدوة لنا إذا تعذر عليكم أن تدافعوا عن مصالحنا.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1087130.html