صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4931 | الإثنين 07 مارس 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

كل ما كتبه الله لنا جميل وحزني على فراق وطني وأهلي وأحبابي

الأكاديمي جهرمي لـ «الوسط»: وُلدتُ وعشتٌ في البحرين وجنسيتي أسقطت بدون محاكمة أو جناية

اتصلت به عند الساعة (12 ظهراً) لأرتب معه لقاء مع «الوسط»، بعد أن أيدت المحكمة الكبرى الجنائية يوم أمس الأول الأحد (6 مارس/ آذار 2016)، حكم أول درجة بتغريمه مبلغ 100 دينار وإبعاده نهائيّاً عن البحرين، بقضية إسقاط جنسيته من ضمن قائمة ضمت 72 شخصاً، أسقطت جنسيتهم لإضرارهم بمصالح البحرين، طلبت منه الجلوس معًا عصر أمس (الاثنين)، لكنه ضحك بهدوء وقال: «قد لا أكون موجوداً في البحرين في هذا الوقت!».

وبالفعل، لم يخطئ المواطن المسقطة جنسيته، الأكاديمي الجامعي مسعود جهرمي في حدسه، فعند الساعة الخامسة من عصر أمس تم نقله إلى مطار البحرين الدولي تمهيداً لإبعاده عن البلاد، ليكون بذلك ثالث مواطن أسقطت جنسيته يتم إبعاده من البلاد خلال أقل من شهر بعد الشيخ محمد خجسته وحسين خيرالله محمد محمدي.

كان حديثه إلى «الوسط» حديث وداع للبحرين التي ولد وعاش فيها، وولدت فيها والدته قبله وإخوته وأخواته، ولم يخف ألمه وحزنه على رحيله عن أحبابه وأهله وعائلته، غير أنه كان مؤمناً بأن كل ما كتبه الله له جميل.

وقال جهرمي: إن «مرسوم إسقاط جنسيته قلب حياته رأسًا على عقب، فخسر عمله وحرية تنقله وحقوقه المدنية في البحرين»، وعلى رغم انه طلب تعديل وضع إقامته القانوني في البحرين ليكون تحت كفالة احد البحرينيين إلا أن طلبه قوبل بالرفض، ليتم بعد ذلك إصدار حكم قضائي بترحيله من البلاد.

الأكاديمي جهرمي، فتّشَ عن سبب واضح لإسقاط جنسيته وإبعاده عن البلاد، فلم يجد، فبحسبه، هو لم يشارك قط في فعاليات أو جمعيات سياسية، وكل ما وجده من ذنب فكر أن سبب إسقاط جنسيته تم لأجله، كان شعوره بأن وراء ذلك، فقط عدم ذهابه إلى التصويت في انتخابات 2014!

وفيما يأتي نص اللقاء معه:

فجأة أصبح مسعود جهرمي حديث الناس خلال اليومين الماضيين. وكثيرون لا يعرفون من أنت. وما قصة إسقاط الجنسية عنك. عرفنا بقصتك؟

- أنا أكاديمي بحريني، ولد هنا في (6 سبتمبر/ أيلول 1970)، وقبله ولدت والدته في البحرين، متزوج ولديه ولد وبنت، حائز بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة البحرين، ودرجة الماجستير في تقنية المعلومات من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، ودرجة الدكتوراه من جامعة كنت في كانتربيري - المملكة المتحدة.

حاليًّا يمكن أن أصف نفسي بأنني أكاديمي بلا عمل منذ 13 شهرًا، بعد أن كنت عميدا في إحدى الجامعات البحرينية بعد صدور مرسوم إسقاط جنسيتي في (31 يناير/ كانون الثاني 2015).

أنت تركت العمل بعد إسقاط الجنسية عنك أم انك فصلت؟

- بعد صدور مرسوم إسقاط جنسيتي، طلب مني أن أتقدم بطلب بالاستقالة من عملي مباشرة، وقمت بذلك فعلاً، وبقيت بلا عمل منذ ذلك اليوم حتى الآن، وإلى الآن أنا انتظر أن أحصل على مستحقاتي من هيئة التأمينات الاجتماعية، ولايزال الموضوع معلقا على رغم تقديم طلبٍ بذلك منذ الأشهر الأولى للاستقالة، وقد شرحت لهم وضعي وقتها من حيث إسقاط جنسيتي.

دعنا نعود بذاكرتك إلى يوم السبت (31 يناير/ كانون الثاني 2016)، كيف تلقيت خبر إسقاط جنسيتك؟

- في ذلك اليوم كنت في أحد المجمعات التجارية أتناول وجبة الغداء مع عائلتي، وعند الساعة (الثانية ظهرًا) تلقيت رسالة على «الواتساب»، فيها خبر صدور مرسوم بإسقاط الجنسية عن 72 مواطنًا، ففتحتها ووجدت اسمي رابع شخص في القائمة المعلنة حينها.

هل تستطيع أن تصف لنا شعورك في تلك اللحظة؟

- الشعور الأكبر الذي راودني كان الاستغراب، فكيف يتم إسقاط الجنسية عني بدون حتى محاكمة، أو حتى وجود قضية أو شكوى أو غير ذلك.

هل أنت مولود في البحرين؟

- نعم، أنا ولدت في البحرين، ووطني البحرين، وطوال عمري عشت فيها، وأمي مولودة قبلي في البحرين، وعاشت فيه حياتها، وكذلك إخوتي وأخواتي.

هل لديك انتماءات سياسية أو حقوقية لأية جهة داخل أو خارج البحرين؟

- أنا أكاديمي بحريني، اهتماماتي كلها ثقافية، وليست لي أي اهتمامات أصلاً بالقضايا السياسية أو غيرها، ولست عضوا في أي جمعية سياسية أو غير سياسية أبدا.

لكن أنت اعتقلت في العام 2011. صحيح؟

- نعم، تم اعتقالي يوم الخميس (14 إبريل/ نيسان 2011)، وتم توجيه تهمة لي بمشاركتي في مسيرة مّا وتم الحكم علي بالسجن 4 أشهر، وكنت حينها قضيت 5 أشهر في الإيقاف وخرجت من السجن في شهر (سبتمبر/ أيلول) من العام ذاته.

بعد الإفراج عنك، هل عدت إلى حياتك الطبيعية؟

- نعم. رجعت إلى عملي بعد 10 أشهر من الإيقاف بدون تعويض الراتب، وكنت أمارس حياتي الطبيعية والأكاديمية بدون أي مشاكل، وبدون أن أتدخل في القضايا السياسية مطلقًا.

نعد توجيه السؤال بطريقة أخرى، كيف كانت حياتك بين مرحلة الإفراج عنك حتى حين صدور مرسوم إسقاط جنسيتك؟

- أؤكد أنها كانت طبيعية تمامًا، كنت أمارس حياتي بشكل طبيعي، ولم أشارك في أية فعالية أو جمعية سياسية أو غير ذلك، اهتماماتي كانت أكاديمية بحتة.

بعد صدور مرسوم إسقاط جنسيتك، هل أبلغت شخصيا بسبب هذا القرار؟

- رسميًّا لم اسمع توضيحًا خاصًّا بحالتي، ولا اعتقد أن هناك سببا بعينه، فطوال سنوات حياتي لم أتحدث في السياسة ولم أكن عضوا في أية جمعية سياسية، الشيء الوحيد الذي احتمله هو عدم مشاركتي في التصويت في انتخابات 2014.

لكن، هل هذا إحساس أم حقيقة تملك عليها دليلا؟

- هو توقعي، لأنني بعد الانتخابات بفترة وجيزة كنت متوجها إلى السفر، وتم اخذ جواز سفري والتدقيق فيه على ختم الانتخابات الذي لم يكن موجودا بسبب عدم ذهابي للتصويت، ومن ثم تمت إعادته لي، وهو إجراء حدث مع كثيرين غيري.

بعد صدور مرسوم إسقاط الجنسية عندك في (31 يناير/ كانون الثاني 2015)، ما الذي تغير في حياتك؟

- حياتي كلها تغيرت بين يوم وآخر، أصبحت بلا عمل وبلا جواز سفر، لم اعلم ماذا سيكون مصيري في وطني، لأنني لم استطع أن احصل على عمل آخر لي، ولا أعلم هل هم يريدون إخراجي من البحرين أو السماح لي بالبقاء فيها، نعم انقلبت حياتي كلها رأسا على عقب بعد هذا القرار.

بعد صدور مرسوم إسقاط الجنسية عنك، هل تم التواصل معك من قبل الجهات الرسمية بهذا الشأن؟

- أول تواصل معي كان في الأسبوع الأول من شهر (فبراير/ شباط 2015)، إذ وردني اتصال من الجوازات يطلبون مني إحضار جواز سفري والبطاقة الذكية، والتوقيع على تعهد بأن أقرر خلال أسبوعين من ذلك اليوم عما إذا كنت أريد المكوث في البحرين لتصحيح أوضاعي أو مغادرتها، وعندما سألتهم عن كيفية تعديل وضعي القانوني بعد أن أصبحت بلا جنسية، وجهوني لسؤال المحامي الخاص بي بهذا الشأن.

هل قمت بالطعن قضائيا على مرسوم إسقاط الجنسية عنك؟

- نعم، توجهت إلى المحامي واستشرته بإمكانية الطعن على المرسوم في المحكمة الإدارية، لكنني فوجئت في شهر (مارس/ آذار 2015) بإرسال إحضارية لي من إدارة الجنسية والجوازات تفيد بأن «إقامتك غير قانونية في البحرين، وان عليك تعديل وضعك القانوني».

هل حاولت تصحيح وضعك القانوني، أو عرضت عليك من قبل الجهات الرسمية طريقة لذلك؟

- قبل أن أذهب إلى المحكمة بشأن الطعن الذي قدمته، كنت وجهت رسالة إلى إدارة الهجرة والجوازات لتعديل وضع إقامتي بشكل قانوني، وعرضت عليهم أن أوفر كفيلاً بحرينيًّا لي لكي أبقى في البلاد، أو أن أعطى وثيقة سفر من أجل أن أسافر حال عدم الموافقة على طلب بقائي في البحرين، وقد أخذوا الرسالة مني ولم يردوا علي إلى الآن.

يوم أمس (أمس الأول الأحد) أيدت المحكمة الكبرى الجنائية حكم أول درجة بتغريم مسعود جهرمي مبلغ 100 دينار وإبعادك نهائيّاً عن البحرين. هل أنت مستعد لقرار الإبعاد؟

- اليوم المحامي الخاص بي تقدم بطلب إلى المحكمة المعنية لتأجيل التنفيذ إلى نهاية الفصل الدراسي الحالي، مراعاة لظروف أولادي وظروفي الأسرية، لكنني اعتقد أن القرار حسم لديهم.

هل قمت بترتيب أوضاع أسرتك في حال تم إبعادك عن البلاد فعلا؟ هل سيبقون هنا أم سيسافرون إليك؟

- ماذا يمكن للإنسان أن يرتب من أوضاع لأسرته وهو لا يعلم أصلاً إلى أين سيتم إبعاده، ومتى؟.

لكنك تتوقع ان يتم ذلك اليوم. صحيح؟ ألم يتم اخبارك إلى أين سيسفرونك؟

- أنا أتحدث معك الآن، هناك اتصالات تردني من إدارة الهجرة والجوازات. اعتقد أن الأمر سيتم اليوم. ولم يخبرني احد إلى أين سيتم تنفيذ حكم الإبعاد.

إذن، أنت تتوقع أن يتم إبعادك عن البحرين خلال ساعات؟، كيف هو شعورك في هذه اللحظات الأخيرة من حياتك في البحرين؟

- الإنسان عليه أن يؤمن بالله، وأن كل ما كتبه الله له جميل، وقطعا من المحزن أن أترك بلدي الذي ولدت وعشت فيه حياتي كلها غصبًا عني، وسأحرم من أهلي وأحبابي بدون إرادتي.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1087873.html