صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5024 | الأربعاء 08 يونيو 2016م الموافق 18 رمضان 1445هـ

رمضان سابقاً أجمل

الكاتب: سوسن دهنيم - Sawsan.Dahneem@alwasatnews.com

له رائحةٌ مختلفة. لأجوائه مذاقٌ خاص. كل دقيقةٍ منه تشكّل فارقاً حين تستغل بشكلٍ سليم. ذلك هو شهر رمضان. الشهر الذي نحنّ إليه ونشتاق في كل عام؛ لما يحمله من ذاكرة، ومحبة وسلام. لكن هل تغير هذا كله بالفعل؟

حين نجلس إلى كبار السن نستشعر الحنين في أصواتهم وفي تنهداتهم، وهم يسردون أجواء هذا الشهر السابقة. نستشعر شيئاً من الحسرة على «زمن» مضى ولن يعود. على عادات اندثرت كانت تشكل جزءاً كبيراً من ذاكرتهم ووجدانهم.

يستذكرون الأبواب المفتوحة التي كانت تبتسم في وجه كل من يمرُّ بها. فتدخل هذه الجارة على تلك بعد أن انتهت من إعداد فطورها؛ لتساعد جارتها في إعداد ما لم تنجزه بعد.

يستذكرون «الصواني» وهي محملة بمختلف أنواع الأطعمة، وهي تمر من هذا البيت إلى ذاك حتى يصبح الحيُّ قبل موعد الإفطار كأنه خلية نحل يتبادل فيها الجيران أطباقهم؛ طمعاً في البركة والثواب، ورغبة في إسعاد بعضهم بعضاً.

يستذكرون «المسحّر» وهو يقرع الطبول في الحي ويدعو الناس إلى تناول وجبة السحور التي حثّ عليها رسولنا الكريم. و»أبو فريسة» وهو يرقص سعادة في ليلة القرقاعون التي ينتظرها الكبار قبل الأطفال ويعدّون لها العدة فرحاً واستبشاراً.

يستذكرون البيوت وهي سعيدة بهذا الشهر فلا شيء يعادل «لمَّة» الأهل على السفرة بكل حب وسعادة، فلا يتأخر هذا ولا يغيب ذاك إلا لأمرٍ طارئ جدّاً. أو استنفار الجميع إلى المطبخ مع قرب موعد أذان المغرب لتجهيز المائدة. أو توزيع الأدوار بين أفراد الأسرة فهذا يقوم بقلي «الكباب»، وذاك يقلي «اللقيمات» وهذا «يضرب» الهريس وذاك يغسل الأواني.

كل هذه الأمور كانت تشكل ذاكرة حميمية مازالت تسرد علينا بكثير من الجمال والحنين والحسرة حتى نكاد نعيشها ونحن نسمعها فنشعر بالرغبة في إعادتها، ولكن كيف لنا ذلك ونحن اليوم مرتبطون بكل ما شغلنا عنها من «تطور» و»تكنولوجيا» و»حياة عصرية» حتّمت على كثير منا الابتعاد عن بقية أفراد أسرهم، والتشرنق في دائرة الأنا بعد أن صرنا أسرى لأجهزتنا المحمولة، وأسرى لأعمالنا ووظائفنا وكسلنا وأحياناً أنانيتنا.

صرنا اليوم لا نتبادل الزيارات لتهنئة أهالينا وأحبتنا بالشهر الفضيل، ولا نفرح بليلة القرقاعون كما كان يفعل آباؤنا. بل وبتنا نستمع لفتوى هذا وذاك حول حرمة هذه العادة التراثية أو تلك، ونتصارع حول أصلها، وإلى أي طائفة تنتمي، وكأن العفوية التي طالما زيّنت حياتنا باتت جرماً وأذىً.

الزمان لا يعود، وليست كل الذكريات تستطيع التجدد في الواقع، لكن من المهم أن نلتفت إلى ما بقي منها، ونلتفت إلى أنفسنا ونحن نبتعد عن كل جميل، ونحرّم على أنفسنا كل فرحة، وكأننا صرنا مرهونين لواقع أسفلتي يريد أن يكون كل شيء أسود وجافًّا.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1124185.html