صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5025 | الخميس 09 يونيو 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

التكسب «غير المشروع» على حساب المؤسسة

الكاتب: منصور الجمري - editor@alwasatnews.com

تنتشر أحياناً ممارسات فاسدة، ولكنها بغطاء قد يبدو لمن يقوم به كما لو أنه ليس فساداً. ففي ثمانينات القرن العشرين، مثلاً، كنت قد تقدمت إلى وظيفة في إحدى المؤسسات، وكان الشخص الذي يقابلني يتحدث مع شخص آخر على الهاتف... وأثناء الحديث فهمت منه أنه قد وفر على المؤسسة ملايين الدنانير، لأنه استطاع الحصول على ماكنة تؤدي الغرض ذاته، ولكن بربع السعر. كان الحديث يبدو عادياً لولا أنني التقطت من مكالمته حديثاً عن مكافأة مالية «يستحقها» نتيجة لتمكنه من شراء ماكنة بسعر أقل بكثير مما كان مخططاً له سابقاً... ففي رأيه أنه يستحق الحصول على مكافأة مالية مقابل ما فعله.

الحديث سمعته مرة أخرى بعد فترة من متدرب في شركة كبرى، وكان يبدو عليه أنه ضامن الوظيفة مئة في المئة بعد الانتهاء من التدريب والذي يشمل دراسة في الخارج. عرفت بعد الحديث أن والده كان يعمل مسئولاً في تلك الشركة، ولكنه أراد أن يثبت أن ذلك لا علاقة له بتفوقه في وظيفته، إذ إنه كان قد وفر على الشركة أكثر من نصف مليون دينار؛ لأن الشركة كانت تعتقد (بحسب ما كان يقوله) بأن جزءاً من المنشأة قد عطب ويجب تبديله، ولكنه أثبت من خلال إجراء حسابات هندسية أنه لا داعي لذلك، وأنه بعد ذلك حصل على مكافأة مالية على ذلك (لا بد وأن لوالده دورا في تشخيص ودفع تلك المكافأة).

هذا الحديث تكرر كثيراً خلال فترات لاحقة، فقد تسمع من شخص أنه استطاع أن يخلص الشركة من دفع بعض الأموال لتخليص المواد الأولية، وبالتالي فإن له الحق أن يأخذ نسبة مئوية من المال الذي تم توفيره على الشركة. هذا قد يبدو منطقياً، ولكنه في الواقع هو نوع من التكسب «غير المشروع» على حساب المؤسسة. فمن يعمل في مؤسسة ما يجب عليه أن يحافظ على أموالها وثرواتها وعلى تعاملاتها، وأن لا يخصص نوعاً من «الجمرك» يقتطعه لنفسه إذا اعتقد بأن إدارته حققت نوعاً من التخفيض في التكاليف. إن ذلك يعتبر فساداً، وإلا فإن على الشخص نفسه أن يدفع مقابل أي قرار يتسبب في خسارة أو كلفة عالية (أكثر مما تم تدوينه في الموازنة) للشركة، أو بعد أن يتسبب بحريق لماكنة مثلاً، أو أي شيء آخر.

المصيبة عندما تنتقل مثل هذه الممارسة من المؤسسة الصغيرة إلى المؤسسة الكبيرة ثم إلى الوطن، وبالتالي فإن الفساد ينتشر من دون إمكانية للوقوف في وجهه.

التكسب قد يكون عبر «الرشاوى المنتظمة»، أو الأساليب غير القويمة، والتي تصبح وكأنها أمر عادي مع الزمن. فلقد كتب أحد الأميركيين مقالاً في «نيويورك تايمز» في 19 أبريل/ نيسان 2016، أشار فيه إلى أمر حصل له عندما سافر ذات مرة إلى الهند كممثل لوزارة الخارجية الأميركية... وشرح كيف أنه التقى بمسئول هندي في وزارة العلوم والتكنولوجيا، وأنه بعد أن التقاه في مكتبه الوزاري المتهالك لمناقشة التعاون الهندي الأميركي حول البحث العلمي، وبعد فترة وجيزة بادره نظيره الهندي بالقول إن «الوزارة لديها ميزانية كبيرة لاستضافة مؤتمر لأصحاب المشاريع الأميركية والهندية العاملة في مجال العلوم... وأنت تعرف الكثير من رجال الأعمال، لذلك لماذا لا تنظم المؤتمر نيابة عنا، وسوف أدفع لك رسوما، مقابل أن تدفع لي (شخصياً) مرة أخرى 10 في المئة من رسوم المؤتمر».

وبحسب الكاتب الأميركي، فإنه تفاجأ بأن نظيره الهندي لم يجد أدنى حرج في اقتراح الرشوة، والتي من المرجح أنها أكبر من راتبه السنوي.

هذا التكسب على حساب المؤسسات يعتبر واحداً من أكبر مسارب الفساد التي تنتشر، أحياناً تحت عنوان أن الشخص وفر على المؤسسة مصروفات، وأحياناً من خلال الحصول على جزء من المال مقابل أن يقوم شخص آخر بالعمل بصورة مناسبة. هذا التكسب على حساب المؤسسات، سواء كان مخفياً أو علنياً، أو بأي شكل من الأشكال، يجب ألا يفسح له المجال، وألا يحصل على تبرير من أي نوع؛ لأن التساهل معه هو هدر وفساد وإخفاق من دون حدود.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1124766.html