صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5049 | الأحد 03 يوليو 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الحكمة ليست ترفاً

الكاتب: سوسن دهنيم - Sawsan.Dahneem@alwasatnews.com

نمرّ على الحِكم والمقولات ذات القيمة المعرفية بإشاراتها وتلميحاتها، وصراحتها أحياناً، مرور «اللئام» في كثير من الأحيان، لا مرور «الكرام». اللئام بالمحصلة الصفر التي تنتج عنها، كأننا نبحث عن الترف في الكلام مثلما نبحث عنه في تفاصيل حياتنا، وتفاصيل ما حولنا.

الحكمة ليست ترفاً. المعرفة كذلك. ما لم ينتج عن الحكمة والمعرفة تغيير يمكن تلمسه وملاحظته على مستوى سلوكنا وحياتنا وعلاقاتنا، فكأننا حكمنا على عقولنا بالثبات، وعلى سلوكنا في الإمعان في التردّي والتخلف والتأخر.

مقولات كثيرة لفلاسفة كثيرين لا يكفي أن نقف عندها وتأملها ما لم نستشرف المخيلة والعقل الذي أنتجها، والتي ستتيح لنا أن نقف على مثل تلك الطروحات والحكم والمقولات في ثنايا فلسفة من الفلسفات التي اشتغل عليها أولئك، أو مشروع لنظرية فلسفية في جانب منها.

في مقولة جلاسو: «التصفيق هو الوسيلة الوحيدة التي نستطيع أن نقاطع بها أي متحدث دون أن نثير غضبه». يمكن فهمها ضمن فضائها الساخر، ويمكن فهمها أيضاً ضمن موضوع أكبر وأشمل يتعلق بمسألتين: الجماهير والخطاب، وما يمكن للجماهير أن تفعله في صلاح أو فساد قيادةٍ ما، وقدرة كثير من الخطابات على برمجة عقول تلك الجماهير، واللعب بها، والقفز بها نحو مزيدٍ من الوهم.

التصفيق ليس هو المسألة، على أن فضاء المقولات لا يبتعد كثيراً عن حالة/ عادة إنسانية تبحث عن الثناء ولو من خلال الإشارات، باعتبار أن التصفيق واحدة من الإشارات التي تحمل في طياتها اتفاقاً، إعجاباً، ثناء.. وقليلون هم الذين يتلقون تلك الإشارة بامتعاض أو رفض أو انزعاج. أقول: قليلون لأن بين القلة تلك ما لا يعنيه مثل ذلك الثناء والإعجاب والمديح عبر إشارة التصفيق بقدر ما يعنيه أن يوصل رسالة وقيمة وهدفاً كرّس حياته ودوره له.

الجماهير في كثير من أدائها - وخصوصاً في الشرق - تصنع الأنماط التي تضع في حسابها بشكل مسبق رضا وثناء وإعجاب الجماهير بها. وإن لم يحدث ذلك، فسيكشف الوضع عن تبرم يمكن أن يكون معلناً باتخاذ مثل ذلك الموقف. الجماهير نفسها هي التي تصنع من أولئك الذين يتسلمون المنصات والمنابر، أنصاف طغاةٍ إن لم يصنعوا منهم طغاةً بامتياز. وقليلون ممن يتسلمون تلك المنصات يحرصون على تحوّل الوعي وتحركه لدى تلك الجماهير، بعيداً عن لغة «التنويم» والضرب على وتر العاطفة الذي لن يحقّق في نهاية المطاف أياً من مطالب واحتياجات تلك الجماهير، ولن يحل مآزقها ومشاكلها المزمنة.

وقليل من الحكمة سنجده في تلك المنصات والمنابر، لأنه ليس موضعها، في كثير من التجارب التي نعرف ونشهد، إذ إن الحكمة لا تتورّط في خطاب مباشر لجماهير متعددة المستويات والإمكانات، بقدر ما هي مكتوبة أساساً لمن يمكن أن نطلق عليهم النخبة، وليس بالضرورة أن تصفق النخبة كل النخبة لأي حكمة، ولن يضير قائلها أن جماهيره لم تصفق له/ لها!


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1133813.html