صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5055 | السبت 09 يوليو 2016م الموافق 18 رمضان 1445هـ

استنزاف الحياة لنا

الكاتب: سوسن دهنيم - Sawsan.Dahneem@alwasatnews.com

نتوهم، ونظن أننا نستنزف الحياة بمحاولة مطاردتنا للفرص، لكننا في واقع الأمر نحن الذين نتعرّض للإستنزاف، وبخيارنا، وبالوهم والظن اللذين لهما بدايات ولكن ليس لهما نهايات.

سنجد الذين يسعون بثقة وطمأنينة في الحياة بحثاً عن الفُرص المشروعة هم الأكثر نجاحاً واستقراراً وطمأنينة، وعلى الضد منهم أولئك الذين كأن الزمن وأعمارهم وأعمار من حولهم لا تكفي لتحقيق ما يلهثون وراءه، ولا يهم بالنسبة لهم الطرق والأساليب التي تؤدّي بهم إلى تحقيق موضوع وهدف لهاثهم. أولئك في محن لا تنتهي، انعكاساً على رأس المال الأول: الصحة، واضطراب العلاقات، وندرة الاستقرار النفسي، ذلك الذي سيكتشفون بعد زمن أنهم على استعداد لبذل ما يملكون أو جزء منه في سبيل نيل حصةٍ من ذلك الاستقرار والطمأنينة، وهما الكنزان اللذان لا تعادلهما كنوز الدنيا، حين يستفحل بؤسهم، وتضطرب أخلاقهم، ويتحوّلون إلى ما يشبه الجرب والأمراض السارية، بنأي الناس عنهم، فراراً بما تبقّى لهم من قيمة ونجاة.

مثل ذلك اللهاث له استحقاقاته وضرائبه: ألاّ ترى أحداً يحول بينك وبين تحقيق الفُرص، وما تسميه نجاحاً ولكنه واقعاً فشل على المستوى القيمي والأخلاقي. يكفي ألا ترى أحداً في تلك الممارسة كي تحصل على صكّ انسلاخك من تلك القيم والأخلاق.

ما يترتب على ألا ترى أحداً خلال قفزك على آلام وحقوق وحس وذوق، وكل تلك الأمور نبضها الأخلاق التي لا مكان لها في حمّى ذلك اللهاث المُدمّر.

لذلك امتدادات أحياناً إذا سلّمنا بتوصيف بعيد عن منهجية ما نطرحه هنا. وهذه المرة في حدود رؤية شعرية/ تأملية يطرحها الشاعر والمفكر السوري أدونيس في إحدى تجلياته بالقول «طفولتك هي القوة التي تجعلك قادراً على تحمُّل شيخوختك». ما علاقة ذلك بما تتضمنه هذه الكتابة؟ الشيخوخة ليست بالضرورة الوصول إلى أرذل العمر. قد تكون في ربيع العمر بالانفصال شبه التام عن المنظومة الأخلاقية التي يلتقي عندها البشر على اختلاف أديانهم واعتقاداتهم وقناعاتهم: أن تصل وتنجح بسعيك وقدراتك واجتهادك. الطفولة المحصنة من ذلك اللهاث ستتيح أيضاً قدرة على تحمُّل شيخوخة الأوقات من حيث الضنك والعناء والصدمات، لا شيخوخة العمر الذي يظل هو الحاضر في أذهاننا.

ليس جمع الثروات ما نعني في ذلك اللهاث. الفُرص ليست أموالاً بذلك الجنوح والانحراف والقفز على القيم والأخلاق. هناك فرص الاستيلاء بالوشاية، وهنالك الضيق والتبرم والاشتغال على إيقاع الآخرين في كوارث ومشكلات فقط لأنهم حققوا نجاحات بجهودهم وسهرهم؛ فيما النوعية التي نعني تريد - حتى بلهاثها المريض - اختزال الزمن وجهود البشر الذين تحرّكوا في ذلك الزمن، ليقطفوا ثمار نجاحاتهم وسهرهم وما حققوه، لأنفسهم في طرفة عين. مثل أولئك ينطبق عليهم ما قاله أدونيس أيضاً «حتى الآن، لا يزال يبحث عن الجنة. حتى الآن، لم يعثر إلا على الجحيم».

النوعيات تلك وغيرها وبعد سنوات من الدس والختل والتربص بالنجاحات من حولها، تظلّ تتوهَّم أنها تستنزف الحياة بمحاولاتها، فيما الحياة تستنزفها بجدارة ملفتة، يخرجون منها فاقدين للمعنى والقيمة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1135659.html