صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5093 | الثلثاء 16 أغسطس 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

التلاعب بالبعثات: «اليمين على من أنكر»!

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

إذا كانت وزارة التربية والتعليم، طالبت من اتهمها بالتلاعب المتعمد بالبعثات بـ«البينة على من ادعى»، لحرمان شريحة واسعة من أبناء الوطن لأسباب سياسية ومناطقية معروفة من البعثات الدراسية، فإنهم يطالبونها بـ«اليمين على من أنكر».

في السنوات الماضية، كنَّا نكتب عن هذا الموضوع كمراقبين، ونستند إلى ما يتمُّ رصده من معلومات تقوم بتوثيقها منظمات المجتمع المدني، من جمعيات أهلية وسياسية وحقوقية. هذا العام، لم يكن هناك من يرصد ويوثّق، بسبب ما آلت إليه أوضاع المجتمع المدني. من هنا سنُضطر إلى الاعتماد على ما تيسّر من «بيّنات» شخصية، مستقاة من المحيط العائلي الأقرب، دون حاجةٍ إلى النزول، وعمل بحث ميداني، فهذه العيّنة العشوائية السريعة تكفي لتقدم الدليل الإحصائي المطلوب لإثبات ما نقول.

الحالة الأولى: لم يحصل أبناء الأسرة على أية بعثة أو منحة، فاضطُر الأب إلى ابتعاث الابن الأكبر للدراسة في بلدٍ شرق آسيا قبل خمسة أعوام، والآخر إلى بريطانيا العام الماضي.

الحالة الثانية: لم يحصل أيٌّ من أبنائه الثلاثة على بعثةٍ أو منحة، خلال الأعوام الثمانية الماضية، فأرسل ثلاثةً منهم للدراسة في بلدٍ آسيوي، وتخرّجوا وعادوا بشهاداتهم ولم يحصلوا على عمل لسنوات. وحاليّاً يدعم دراسة ابنته داخل البحرين، وسيرسل ابنته الأخيرة للدراسة في بلد عربي.

الحالة الثالثة: أرسل ابنته للدراسة في بلدٍ خليجي، وبعد عامين أرسل أخاها، وهذا العام سيُضطر إلى إرسال الابن الثالث. كلهم مجتهدون وأصحاب نسب عالية (98/99)، ويطمحون إلى دراسة الطب التي حُرموا جميعاً منها، للأسباب التي لا تخفى عليكم.

الحالة الرابعة: اضطر الأب إلى إرسال ابنه للدراسة في الخارج، وفي تخصّصٍ غير الطب، وبعد عامين اضطر إلى تسجيل ابنته المتفوقة أيضاً للدراسة الجامعية داخل البحرين... للأسباب والدوافع والإجراءات التي تتبعها الوزارة، من آليات غامضة، وأساليب ملتوية، وسياسة غير شفافة.

ونختم بالحالة الأخرى، طالبة متفوقة، حصلت على نسبة 99، واجتازت الـ (IB)، بمعدل 42، ورُشّحت لبعثة ولي العهد، وكانت رغباتها الثلاث الأولى دراسة الطب البشري، فأعطيت لها رغبتها الأخيرة التي لم تسجّلها إلا لملء الفراغ، وهي دراسة التغذية. وقدمت أوراقها إلى مكتب التظلمات برئاسة الوزراء.

كل هذه الحالات إنما هي نماذج لمتفوقين من أصحاب النسب العالية، ممن تلجأ أسرهم إلى القروض، حيث تثقل كواهلهم أعباء الديون الضخمة لسنوات طويلة. وهم يعتبرون أنفسهم ضحايا للسياسات التي تتبعها وزارة التربية، والتي كرّستها باعتماد نسبة (40 في المئة) لما يسمى بالمقابلة، التي فتحت نافذةً واسعةً للتلاعب بتوزيع البعثات. ولم أكن لأواصل الكتابة في هذا الموضوع لولا خطورته ولا إنسانيته وتبعاته المجحفة على آلاف الطلبة والطالبات من المتفوقين بالذات، وخصوصاً مع إصرار الوزارة على نهجها الخاطئ، وتحدّيها لمشاعر الرأي العام، بقولها عن الانتقادات التي تطول سياستها، إنها «غير مفيدة وغير منصفة». فماذا تنتظر الوزارة من المتضرّرين من سياساتها الملتوية وغير الشفافة والتي ستتكشف حتماً عن نتائج كارثية بعد خمسة أعوام لا أكثر.

إن البحرين ستكون أمام أطباء درسوا الطب على غير رغبة، ومدرّسين لم يكونوا يرغبون أصلاً بامتهان التعليم، ومهندسين لا يرغبون بدراسة العمارة والكهرباء، وإنّما خضعوا لتوجيه وإيحاءات لجنةٍ صغيرةٍ من ثلاثة أشخاص، تولّت توجيه مئات الطلبة الذين تجهل ميولهم ورغباتهم وقدراتهم العقلية، لتقرّر مصيرهم في الحياة إلى الأبد خلال عشر دقائق، باختيار تخصصاتهم الدراسية دون دراية أو إنصاف.

إن ردة الفعل الشعبية الواسعة على وزارة التربية، لن تجدوها في بقية دول الخليج الشقيقة، ببساطةٍ؛ لأن الأمور تكون واضحةً ومحسومةً، فالبعثات تقدّم إلى المتفوقين، بغض النظر عن مناطقهم وانتماءاتهم، ولا تفتح أبواباً خلفية مشبوهة للتلاعب بالبعثات، مثل تشكيل لجان ظاهرها إرشاد وتوجيه الطلبة، وباطنها التوزيع وفق أسسٍ تتحكم فيها الميول السياسية والمناطقية والعصبيات.

إنَّ الذين يدافعون دون وجه حق عن سياسات وزارة التربية وإجراءاتها غير العادلة، ولجانها غير العلمية، إنّما تدفعهم العصبيات بعيداً عن حكم الضمير والقانون والمصلحة الوطنية العليا.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1149582.html