صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5111 | السبت 03 سبتمبر 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

صلاة في الجامع الأموي بدمشق

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

آخر التصريحات المهمة التي تؤكّد الاستدارة الكبيرة في السياسة التركية، ما أعلنه رئيس الوزراء الجديد بن علي يلدريم الجمعة: «لقد طبّعنا العلاقات مع إسرائيل وروسيا، وسوف نطبّع العلاقات مع مصر وسورية».

بن علي يلدريم الذي لم يمض غير بضعة أشهر في منصبه الجديد، يعود مجدداً إلى السياسة التركية التي اعتمدها سلفه داوود أوغلو، «صفر مشاكل»، ولكن مع طموحٍ أقل لدى يلدريم: وهو «تخفيف المشاكل» مع دول الجوار.

تركيا اليوم غيرها قبل خمسة أعوام، وتركيا قبل خمسة أعوام غيرها قبل عشرة أعوام، فيومها كانت تتنعم بمنزلة دولية واقتصاد قوي وإنجازات تتفاخر بها حكومة رجب طيب أردوغان. كانت قد عادت إلى فضائها الطبيعي في الشرق، واستغلت ضعف اقتصاديات الدول العربية للعمل والتصدير، فحققت نسب نمو كبيرة، مستفيدةً من التدفق الكبير للاستثمارات الأميركية والإسرائيلية.

مع بداية ثورات الربيع العربي، راهنت تركيا على هذا المخاض الكبير، وسرعان ما غيّرت تموضعها، واتخذت مواقف منحازة مع أطراف ضد أطراف أخرى، حتى أصحبت لاعباً أساسياً في عددٍ من البلدان، مثل ليبيا ومصر، وانتهى ذلك بانغماسها الكامل في سورية. كانت لها حساباتها الاستراتيجية الخاصة. في ليبيا، وبعد أن كانت تتمتّع بعلاقات اقتصادية وثيقة مع نظام القذافي، شاركت عسكرياً في إسقاطه. وفي سورية التي خطت خطوات كبيرة للتعاون مع «الأخ الأصغر»، راهن أردوغان في سبتمبر 2012، على إسقاطه خلال أسابيع، والصلاة في الجامع الأموي في دمشق بعد رمضان.

بقية القصة باتت معروفة، وها هي بوصلة السياسة التركية تعود للإستدارة مجدداً باتجاه التطبيع مع مصر وسورية. ولو قيل ذلك قبل عشرة أشهر، حين أسقط الأتراك الطائرة الروسية وهدّدوا بإسقاط غيرها إذا اقتربت من الحدود مجدداً، لقُوبل ذلك بالاستخفاف.

كمياتٌ ضخمةٌ من المياه مرّت تحت الجسر خلال هذه الفترة، إلا أن الحدث الأكبر كان محاولة الانقلاب العسكري التي خُطّط لها للإطاحة بحزب العدالة والتنمية، وطيّ هذه الصفحة بما لها وما عليها. وكان واضحاً من كان يقف معها أو ضدها، فالحلفاء الغربيون لم يخفوا تعاطفهم مع «الانقلابيين»، من الدقائق الأولى، بينما الحلف الآخر (روسيا وإيران) أعلن من الساعات الأولى إدانته للإنقلاب، ووقوفه التام مع حكومة أردوغان «المنتخبة»، رغم كل تحفظاته ومعارضته لسياسته الانغماسية في سورية. كان انقلاباً سيتم إفشاله خلال أربع ساعات، لكنه سيتسبب في انعطافة حادة في السياسة التركية، باتجاه تطبيع العلاقات مع عدد من الأعداء الذين سبق أن كانوا أصدقاء أو حلفاء، مثل مصر، روسيا، «إسرائيل»، أو حتى أخوة صغاراً مثل سورية.

لا خلاف أن التغييرات في السياسة التركية تهدف إلى تحقيق المصالح العليا للدولة التركية، كما يراها الحزب الحاكم، ولا أحد يمكن أن يناقش الأتراك فيما يرونه محقّقاً لمصالحهم، مهما بدا ذلك انتهازيةً وعدم مبدئية وانقلاباً على الذات، لكن هذه هي سياسة الدول. لقد كانت المعبر والرئة والدعم اللوجستي لـ90 في المئة من الجماعات المسلحة، نراها اليوم تعيد توجيه الدفة إلى الاتجاه المعاكس، من أجل التطبيع مع دمشق.

آخر التسريبات، وخبر اليوم بالمال سيصبح غداً بالمجان، أن بوتين سيحاول أن يجمع أردوغان والأسد في موسكو، فهل نشاهد الأسد وأردوغان يصليان معاً مستقبلاً في الجامع الأموي في دمشق؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1155976.html