صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5141 | الإثنين 03 أكتوبر 2016م الموافق 18 رمضان 1445هـ

خطيب «وطني»... ورجل بعلاقات ممتدة رسمياً وشعبياً

بالفيديو... في حضرة ملا عبدالحسين العرادي... «الوسط» تعيد سيرة خطيب «النقيضين»... ووجه عراد الرثائي

31 عاماً على رحيل ملا عبدالحسين بن الحاج راشد العرادي (1912 - 1985)، الخطيب الحسيني، ووجه عراد الرثائي، وعميدها.

اختارته «الوسط» لثاني تقاريرها التوثيقية لسير أبرز خطباء المنبر الحسيني في مملكة البحرين، فكانت التفاصيل.

«خطيب امتاز ومن على منبر الحسين (ع)، بجمع النقيضين، الإبكاء والإضحاك»، يقول ذلك ابن عمه الشيخ عبدالحكيم العرادي، لحظة وقوفه على قبر الملا عبدالحسين في مقبرة عراد، أمس الإثنين (3 أكتوبر/ تشرين الأول 2016).

العرادي... أكثر من مجرد خطيب

لم يكن ملا عبدالحسين العرادي، خطيباً وحسب، يشير لذلك الباحث سلمان العرادي، ويضيف «كان شاعراً وعالماً ملماً بأحكام الدين، ومرشداً لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين، وهو الذي أتم مناسك الحج لـ 25 مرة، وساعياً لقضاء حوائج الناس»، مردفاً «كان عميداً لقرية عراد».

وطنياً كان ملا عبدالحسين حاضراً، تشهد على ذلك مراسلاته ومواقفه مع المسئولين في الدولة، وتشهد على ذلك عضويته في الهيئة التنفيذية العليا لهيئة الاتحاد الوطني، والتي تأسست في منتصف خمسينات القرن الماضي.

بشأن ذلك يقول الباحث العرادي: «كان يهدف من وراء تلك المراسلات والمواقف تنفيذ مطالب المواطنين، وكان في ذلك مدافعاً عن حقوق الناس، وذلك عبر مشاركته في الاجتماعات والفعاليات».

أما الشيخ عبدالحكيم العرادي فيقول لحظة الوصول لمقبرة القرية والوقوف على قبر ملا عبدالحسين العرادي، «وفقاً لما ينقله كبار السن والشيخ منصور حمادة، فقد كان ملا عبدالحسين يقول (أنا للميت في كل شيء)، فكان يغسل الميت ويكفنه ويصلي عليه ويقرأ على روحه الفاتحة، وفي فترة من الفترات لم يكن هنالك من يتولى ذلك في قرية عراد».

بموازاة ذلك، تطرق الشيخ عبدالحكيم العرادي لما أسماه «خدمات متنوعة قدمها ملا عبدالحسين لمجتمعه، عبر تواصله مع الدولة»، مستشهداً على ذلك بسعيه لمساعدة المرضى في مصاريف العلاج، ومساهمته البارزة في بناء الكثير من المساجد، من بينها المسجد المجاور للمقبرة ومسجد بنت الولوف، حيث قدم رسالة لحاكم البحرين السابق المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وأمر ببناء المسجد».

بدايات الخطابة

يتواجد ملا محمد بن علي بن نتيف القطيفي البحراني في قرية عراد، ليقرأ موسم محرم عند الحاج راشد العرادي والد ملا عبدالحسين العرادي، فيطلب الحاج راشد من ملا محمد بن نتيف تعليم ابنه فن الخطابة الحسينية، ومن هنا كانت البداية التي امتدت لنحو نصف قرن.

في التفاصيل يتحدث الباحث سلمان العرادي ليقول «ذهب ملا عبدالحسين مع ملا محمد بن نتيف إلى القطيف (الخويلدية)، وهناك تعلم على يديه الخطابة الحسينية وفنون الخطابة واللغة العربية وفنون الشعر الدارج والفصيح».

أما بقية أساتذة ملا عبدالحسين، فيعددهم الباحث سلمان بالقول «تتلمذ على يد أكثر من أستاذ، من بينهم العلامة الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن صالح بن الشيخ أحمد آل طعان الستري البحراني (توفي سنة 1961)، ملا عطية الجمري، حيث لازمه وتتلمذ على يديه وعمره يقارب الـ 19 عاما».

أسلوبه الخطابي

اعتمد ملا عبدالحسين العرادي، أسلوباً خطابياً متميزا، يتحدث عنه الشيخ عبدالحكيم العرادي بالقول «كان يبكي ويضحك، فإذا دخل على المصيبة كان مبكيا ومشجيا، وكان ينظر إلى المستمعين ولا يرتضي من أي أحد منهم رفع رأسه في حالة المصيبة، فكان يقول وهو يخاطب المستمعين (نزل رأسك)، أو (لا ترفع رأسك)».

وأضاف «أما في حالة الخطابة والحديث، فقد امتاز بتدعيم حديثه بالدعابة أو ابتسامة أو ضحكة، بحيث يشد المستمعين للحديث، وهو المعروف بصاحب الابتسامة والضحكة و»القشمرة الزايدة»، حيث كان حريصاً على الملاطفة في مجلسه وفي سفراته وبصورة دائمة».

وفي سياق الحديث عن شخصية ملا عبدالحسين العرادي وما اتسمت به من طرفة ودعابة، ينقل الشيخ عبدالحكيم العرادي حكاية تناهت لأسماعه مباشرة من ملا عبدالحسين، حيث يقول «حكى ذات مرة، أنه ذهب في سفر مع الشيخ إبراهيم المبارك لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء، حيث يقول ملا عبدالحسين (ذهبنا معه في السيارة ومن هيبته كان الجميع لا يتحدث، فقلت له: ياشيخ، أنا سأموت، لا أستطيع البقاء بلا ضحكة أو ابتسامة أو دعابة، فتبسم الشيخ إبراهيم المبارك وضحك وفسح المجال للدعابة».

وأضاف «كان يدخل الدعابة في أسلوبه الخطابي، بحيث يدخلها في منتصف الحديث بطريقته الخاصة، وكان ذلك كفيل بإيصال المعلومة للمستمع وإحداث التأثير».

العلاقات الواسعة

حين يتحدث العراديون عن ملا عبدالحسين العرادي، يكون الحديث عن وجه من وجوه قريتهم العتيقة.

امتاز بعلاقات واسعة، مع الجانب الرسمي ومع الجانب العلمائي، وهو ما يشير له الشيخ عبدالحكيم العرادي بالقول «كانت تأتيه الدعوات للمشاركة في الفعاليات الرسمية أو الأفراح، وكانت وجاهته تمتد لعموم محافظة المحرق».

في السياق ذاته يتحدث الباحث سلمان العرادي ليقول: «علاقاته وثيقة مع كثير من العلماء والخطباء في البحرين، من بينهم المرحوم الشيخ خلف العصفور والمرحوم الشيخ إبراهيم المبارك والسيدعلي الوادعي والشيخ علي بن الشيخ جعفر أبو المكارم»، مضيفاً «كان العلماء يقصدون قرية عراد للصلاة فيها وللإرشاد الديني، وزيارة الحاج راشد العرادي والد ملا عبدالحسين، فيبيتون عنده».

وتابع «لم تنحصر علاقاته في الداخل البحريني، بل امتدت لتنسج مع علماء النجف الأشرف في العراق».

محلياً امتاز ملا عبدالحسين بعلاقات حميمة مع الشيخ إبراهيم المبارك، والشيخ أحمد العصفور، حيث ينقل المرحوم أبا خلف حكاية جمعته بملا عبدالحسين «كنت بمعيته وبمعية ملا عطية الجمري في المدينة المنورة لأداء العمرة الرجبية، وكان يختتم مجلسه بلطمية ويحفظ المستهل، وفي تلك الأثناء أدخل يده في «مخباه» فلم يعثر على ورقة القصيدة فأنشد أبياتاً عن ظهر قلب وهو على المنبر»، ليضيف الشيخ أحمد «قلت لملا عبدالحسين، هذه الأبيات سفينة نجاة».

وعلى النحو ذاته كان نشاطه، والذي امتد لخارج حدود قريته، ليصل إلى العاصمة المنامة، وهناك تحديداً في مسجد الخواجه تتلمذت على يديه مجموعة من طلاب العلوم الدينية، وشملت الدروس مواد اللغة العربية ومتن الاجرومية ومقدمات الفقه والمعارف.

في التأليف... 5 آثار

رحل ملا عبدالحسين العرادي، لكن مؤلفاته لاتزال باقية.

يتحدث عنها الباحث سلمان العرادي بالقول «هي 5 مؤلفات، والبداية ديوان حمل عنوان (النصرة العرادية) والمطبوع في 3 أجزاء، وضمنه مديحه ورثاؤه لأهل البيت (ع)».

وأضاف «كذلك هناك ديوان (ثمرات الوداد)، يأتي في جزءين وهو عبارة عن عمل مشترك بين ملا عبدالحسين وابن عمه ملا رضي بن الحاج داود العرادي»، واصفاً شعره بـ»القوي والجميل والبسيط»، وهو ما حدا بالخطيب الحسيني المعروف ملا محمد علي الناصري لضم أشعاره في كتاب (أروع ما قاله خطباء البحرين في رثاء أهل البيت)».

وتابع سرده لبقية المؤلفات «كتاب (التحفة البحرانية في المصائب الحسينية، وجاء في جزأين، وكتاب (المسائل الدينية) والمطبوع على هيئة «كراريس» حملت عنوان (ضالة الناشد في جواب عبدالحسين الحاج راشد)، وخامساً قصائده الشعبية التي جمعها كتاب (تنفيه الخاطر) مع جمع من العلماء وبإعداد ملا محمد علي الناصري».

الرحيل... و«فاتحة» لخمسة أيام

بعمر يقارب 73 عاما، كان القدر يضع لسيرة ملا عبدالحسين العرادي، نهاياتها. كان ذلك في (14 أبريل/ نيسان 1985).

تفاصيل تلك اللحظة يوثقها الشيخ عبدالحكيم العرادي بالقول «شيعته جماهير غفيرة من أهل عراد، وشخصيات دينية واجتماعية من مختلف مناطق البحرين، وتنفيذاً لوصيته فقد امتدت مجالس العزاء على روحه (الفاتحة) لمدة 5 أيام»، مرجعاً ذلك لنفوذه ومعارفه على نطاق أوسع من البحرين، حيث جاءت الوفود من داخل البحرين وخارجها.

بجانب ذلك، كان العرادي يتحدث عن أهمية التوثيق لسير خطباء المنبر الحسيني، ويقول: «فترة رحيل ملا عبدالحسين، لم تكن فترة الاهتمام بالشخصيات البارزة، حيث توفي عام 1985 والناس انتبهت لأهمية وجود هذه الشخصيات واستثماره لاحقاً تحديداً في التسعينات، وشخصياً وجهت لومي لأهالي إحدى قرى المحافظة الشمالية التي تواجد فيها ملا عبدالحسين لسنوات، دون أن يقوم هؤلاء الأهالي بتقدير هذه الشخصية التي تحمل مبادئ الإمام الحسين (ع) وتعمل على نشرها».

عطفاً على ذلك، أثنى العرادي على مشاريع توثيق السير، واعتبرها «سبيلاً لحفظ تراث وأحداث بالغة الأهمية، وبما يعرف الأجيال القادمة بهذا الإرث العظيم وبأصحاب البصمات الخالدة»، مختتماً حديثه عن أهمية استثمار الشخصيات البارزة مجتمعياً، فقال: «بالنسبة لنا كنا نسعى لإقامة مهرجان لإحياء ذكرى ملا عبدالحسين، ولم نوفق ذلك، ونأمل أن نستأنف ذلك مستقبلاً».


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1165433.html