صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5143 | الأربعاء 05 أكتوبر 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

أريدُ حظّ قارون وليس نهايته!

الكاتب: مريم الشروقي - maryam.alsherooqi@alwasatnews.com

قارون هو أشهر غني على وجه الأرض، وهو أحد أغنياء قوم موسى من بني إسرائيل، كان لديه الكثير من الثروات، حتى إن مفاتيح هذه الثروات كانت ثقيلة تتعب من يحملها، وقد كان وزيراً لشئون العبرانيين لدى فرعون.

لقد استغلّ قارون وضعه وقربه من فرعون لتكوين ثروته، التي فاقت الخيال، ووصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: «إِنَّ قَارُونَ كان من قَومِ موسى فَبَغَى عليهم وآتيناهُ من الكُنُوزِ ما إِنَّ مفاتِحَهُ لَتَنوءُ بالعُصْبَةِ أُولي الْقُوَّةِ» (سورة القصص، 76-83).

ألهذه الدرجة استطاع قارون أن يكوّن هذه الثروة؟ وكيف كوّنها لولا التسهيلات التي مُنحت له؟ وكيف وصل حتى حصل على الثروة؟ لقد كانت نهاية قارون أليمة على رغم كنوز الدنيا التي كانت في جعبته.

المشكلة أنّ قارون ظنّ بأنّه استحقّ هذا المال، وطغى في الأرض كبقيّة الجشعين، فتجاوز الجميع وتكبّر عليهم، وزاد طغياناً وإبعاداً لأهله وناسه، فكانت نهايته أن خسف الله به الأرض، وانتهت عظمة قارون، فلا شيء يبقى في هذه الدنيا على حاله، ولنا في قصص القرآن الكريم حياة يا أولي الألباب.

كم قارون قرأنا عنه بعد قصّة قارون؟ وكم قارون رأيناه يغتني بين ليلة وضحاها؟ وهل هو الحظ الذي جعل قارون يغتني أم هي الوصولية والنفاق والتطبيل؟ لقد قرأنا في كتب التاريخ عن شخصيات تشبه قارون، ليس في الكنوز، ولكن في الجشع والنفاق.

في هذا الزمان، هناك من بدأ فقيراً جدّاً، والتحوّل من الفقر إلى الغنى ليس عيباً أبداً، ولكن العيب عندما لا يكون المال من عرق جبينك ومن تعبك وجهدك، بل يكون من صمتك على مُنكر أو من نفاقك على مُسيء أو من تطبيلك وتضليلك. هذا المال الذي تجمعه لن ينفعك في محفلين، قبرك ونهايتك، ففي القبر تتم المحاسبة إن لم يحاسبك الله في الدنيا قبل الآخرة، والنهاية تكون في نار جهنّم، لأنّك اشتريت الحياة الدنيا بالحرام، ومع إنّك مؤمن إلاّ أنّ إيمانك لم ينهك عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولذلك أنت في دائرة الحساب لا محالة.

لاشك بأنّ الحظ يلعب دوراً في قصّة قارون ومن على شاكلته، ولا يصل هذا الحظ للبعض، ولكن الفرق بين الحظ الشريف والحظ الوضيع، أنّ الأوّل انفتحت له الدنيا؛ ولكن لم يضر أحداً، بل استفاد من الحظ ليُسعد الآخرين، أمّا الثاني فاستفاد من الحظ ليشقي الآخرين.

نعم.. أريد حظّ قارون ومن منّا لا يُريده؟ فهو تسهيل في الحياة وراحة ورخاء، ولكنّي لا أريد نهايته، فنهايته كانت نكالاً عليه، وأريد حظّ قارون لأنّ هناك من يحتاج ومن أستطيع مساعدته، وأعلم بأنّ الله يضعنا في مواقف ليختبر نقاء سريرتنا، فهل سنستطيع الصمود أم سنكون مثل قارون، فننسى الجميع ونتذكّر ذواتنا فقط؟

للأسف الشديد النفس أمّارة بالسوء، ووضع قارون وبقيّة النّاس الذين يمشون على خطواته، تجعلهم ينسون بأنّهم لا شيء، وأنّ الحظ وقف في صفّهم حتى يصلوا إلى ما وصلوا إليه من عماراتٍ ومبان، وأموال وأراض، والحظ لحسن الحظ لن يقف معهم يوم تُرفع الأعمال إلى ربّ العباد، بل سيكون ضدّهم كعملهم الذي صنعوه في دنياهم.

نقطة أخيرة، يقول المولى في كتابه: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»، أي أنّ الطبيعة البشرية تحب جمع المال قبل البنين، ولكنّه سبحانه أضاف: «والباقيات الصالحات»، والباقيات الصالحات أمرٌ نسبي وصعب، ولابد من التوازن بين حب المال والبنين، وبين الباقيات الصالحات، فلا شيء يدوم.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1166170.html