صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5151 | الخميس 13 أكتوبر 2016م الموافق 18 رمضان 1445هـ

من عام الفيل إلى يوم عاشوراء

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

تلقيت من أستاذ فاضل «ملاحظات عابرة»، كما أسماها، على مقال «التاريخ لا نملك تغييره أو تزويره»، أوردها هنا لتصحيح ما ورد من خطأ غير مقصود «في التوثيق الزمني للأحداث» كما قال، وحرصاً على إيصال المعلومة الدقيقة والصحيحة إلى القراء.

المقال وباختصار، تناول تداعيات موقعة كربلاء على أهل البيت النبوي الشريف، وعلى الوجدان العام للأمة الإسلامية، وحتى على الحكم الأموي، الذي لم يبقَ بعد الحادثة أكثر من سبعين عاماً، وهي فترةٌ قصيرةٌ جداً في أعمار الدول والإمبراطوريات. ويمكن القول إن أول مسمار وضع في نعش الإمبراطورية الأموية كان في ظهيرة العاشر محرم الحرام، وهي الساعة التي اعتبرتها ذروة الانتصار.

التصحيح التالي يتعلق بالجزئية الخاصة بدور عبدالله بن الزبير (الذي ذكرته في سياق التعرض لتداعيات هذا الحدث التاريخي الكبير)، «فقد أعلن خلافته بالمدينة بعد وفاة يزيد مباشرة، وتمت له البيعة في الحجاز واليمن ومصر، واستولى على العراق بعد أن تمّ لأخيه مصعب القضاء على دولة المختار الثقفي فيها، وانقسمت الشام حيث بايعته فيها القبائل المضرية القيسية بينما انحازت القبائل اليمانية للأمويين، وبايع زعيمها ابن بجدل مروان بن الحكم، مؤسس الفرع المرواني، وانتصر على القيسية في موقعة مرج راهط سنة 65 هـ، وخسر ابن الزبير الشام».

وفي لفتةٍ ذكية، يضيف الأستاذ المعقب: «ولو كان النصر حليف القيسية لتغيّر وجه التاريخ، وأصبح الزبيريون حكاماً على العالم الإسلامي لحقبةٍ من الزمن، ولكن ابن الزبير حكم دولة متأرجحة في ظل تنامي القوة الأموية المروانية من جديد. فانتزع مروان مصر، واستعاد عبدالملك العراق، وقتل مصعب ابن الزبير، ومن العراق أرسل الحجاج الثقفي أواخر سنة 73 هـ لإسقاط ابن الزبير ودولته في المدينة، حيث انهارت مقاومته وفرّ ملتجئاً إلى الكعبة، فحاصره الحجّاج وقصف الكعبة بالمنجنيق، وهدم جزءاً منها عليه حيث قتل وصلب منكوساً لفترة طويلة حتى تحلل جسمه، وهكذا انتهت دولته في أوائل العام 74 هـ، بعد حكمٍ استمر زهاء تسع سنين».

هذه التفاصيل تشكّل جزءاً من التاريخ الإسلامي الدامي في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، فبعد ثلاثين عاماً من سقوط الخلافة الراشدة، تحوّلت التجربة إلى «ملك عضوض»، وهي العبارة التي تكرّرها المصادر التاريخية السنية والشيعية على حد سواء. فأنت أمام نظام حكمٍ يقوم على القهر والقوة والسيف، وشراء الولاءات القبلية، وتوزيع الأموال لشراء الضمائر، وفي سكرة الغلبة، الدولة مستعدةٌ لتطحن تحت عجلاتها أية معارضةٍ تقف بوجهها، حتى لو كان البيت النبوي الشريف.

هذه الاندفاعة العارمة، أحدثت ردود فعل قوية، حتى في داخل البيت الأموي الحاكم، وفي العاصمة دمشق أثار ما حدث غضب بعض الأوساط الشعبية، حين تكشفت لهم بعض الحقائق، فاضطر يزيد إلى تغيير معاملته المقصودة لإذلال الأسرى، وأعاد إليهم ما نُهب منهم، وسهّل عودتهم إلى المدينة. والمفاجأة الأكبر وقعت بعد موت يزيد في ظروف غامضة، حيث احتجب ولي عهده ووريث عرشه، معاوية الثاني، لفترة أربعين يوماً، ليخرج بعدها على الملأ معلناً استقالته من الحكم، وبراءته مما فعل أبوه... وهي واحدةٌ من عجائب التاريخ الإسلامي.

في سورة «الفيل»، روى القرآن محاولة غزو الأحباش مكة لهدم الكعبة، في العام الذي وُلد فيه الرسول (ص)، فردّهم الله بالطير الأبابيل، ترميهم بحجارةٍ من سجيل، وبعد رحيله بخمسين عاماً، قام بعض المسلمين بما عجز عنه الغزاة الأحباش... بضرب الكعبة بالمنجنيق. إن في ذلك لعبرة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1168716.html