صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5155 | الإثنين 17 أكتوبر 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الخطباء... لكيلا يضيع الجيل الجديد

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

في آخر مجلسٍ حسيني، يوم الثاني عشر من المحرم، تطرّق الخطيب إلى مسئولية زملائه الخطباء.

حديث الخطيب، إلى جانب مقاطع الفيديو الكثيرة التي يتم تداولها، تدل على أن هناك الكثير من الخطباء يمتلكون شعوراً كبيراً بالمسئولية، ونظرة نقدية للمنبر الذي يرتقونه، حيث لهم الكثير من الملاحظات. وخلال السنوات السبع الماضية، كان موضوع المنبر الحسيني رئيسياً في مناقشات «مؤتمر عاشوراء»، الذي كانت تنظّمه جمعية التوعية الإسلامية (تم حلها رسمياً قبل أشهر)، ويستقطب المئات من الخطباء والكتاب والشعراء والرواديد (المنشدين)، فضلاً عن قطاع واسع من الجمهور الملتزم دينياً.

في مجلسه الأخير، انتقد الخطيب عدداً من الأمور، من بينها التركيز الشديد على جانب البكاء، وأسماه ظاهرة «الدمعة غير الواعية»، التي تقوم على مخاطبة العاطفة حتى لو التمس روايات ضعيفة أو غير صحيحة تاريخياً، بينما المطلوب أن يكون المنبر قائماً على الوعي والروايات الصحيحة، «فما فائدة أن تبكي على قصةٍ لم تحدث أصلاً، وإنّما أنشأها خيال شاعر أو خطيب» كما قال.

طرح مثل هذه الأمور على المنبر، وعلى أيدي الخطباء، يدلّ على أن الساحة بخير، فمثل هذه الأصوات أقدر على ممارسة التأثير والتصحيح، من مقال عابر، أو تعليقات تنشر في «تويتر» أو «فيسبوك».

الخطيب يواجه اليوم جمهوراً جديداً، مختلفاً عن جمهور التسعينات أو السبعينات، سواءً من حيث الوعي والمستوى التعليمي، أو الذكاء والتطلعات. وحتى جيل الخمسينات والستينات، لم يكن يسلّم بكل ما يسمعه من الخطباء، ويروي لنا الآباء كيف كان بعض المستمعين يردّون على الخطيب مباشرةً، أو يعلّقون لاحقاً على أية قصة مختلقة، أو رواية غير موثقة، تحتوي على مبالغات أو تضخيم. وقد أشار الخطيب إلى ضرورة مراجعة الروايات التاريخية واعتماد الثابت منها لتقديمه للجمهور، مستشهداً بما يقوم به من مراجعة تاريخ العلامة المحقّق «عبدالرزاق المقرّم» سنوياً لاسترجاع معلوماته، باعتباره من أكثر كتب «المقاتل» تدقيقاً.

نحن الآن في العقد الثاني من الألفية الجديدة، وجمهور اليوم مختلفٌ تماماً عن جمهور التسعينات، ومن الصعب أن نضعهم في القوالب التي شكّلت تفكيرنا وحياتنا وثقافتنا ووعينا. هذا الجيل لن يحرص على الحضور أمام المنبر إذا لم يوفّر له المنبر زاداً روحياً وأخلاقياً، وثقافياً ومعرفياً، يتماشى مع هذا العصر الذي تتفجّر فيه المعلومات تفجراً. وهذا هو أحد أسباب الشكوى من قلة حضور الشباب للمأتم.

أتحدّث هنا كمراقبٍ مهمومٍ بمجتمعه وراصدٍ لتحولاته، بعيداً عن الوعظ والادعاء، فهذا الجيل تتجاذبه مدرستان خطابيتان، مدرسةٌ تأخذه نحو التركيز على النياحة والبكاء المجرّد والإغراق في التفاصيل بما فيها من روايات وحكايات، ومبالغة وتهويلات. وهو طرحٌ لم يعد يتناسب مع هذا العصر، ولا مع هذا الزمان. وهناك مدرسة الوعي والفكرة، التي توازن بين العِبرة والعَبْرة، وقد تراجعت مع غياب عميدها الشيخ أحمد الوائلي، الذي ترك فراغاً ضخماً لم يسده أحدٌ بعده.

قبل انطلاق أول فضائية دينية (شيعية)، زارنا في «الوسط» أحد مسئوليها للتعريف بالمشروع، فنشرنا خبراً عنها آنذاك (كان ذلك قبل 14 عاماً). اليوم هناك عشرات الفضائيات، المتخصّصة في البث الديني، يغلب على برامجها التكرار، حتى أن إحداها كانت تكرّر المحاضرة (المجلس الحسيني) نفسها يومياً طوال شهر كامل، في الوقت نفسه، الساعة السابعة والنصف صباحاً. أغلب هذه الفضائيات لم تضف شيئاً نوعياً أو غير نوعي للجمهور، وإنّما كانت مجرد نسخ مكرّرة، أسهمت في سحب الجمهور من المآتم في موسم عاشوراء، وتراجع الاهتمام بالحضور.

هذه الفضائيات، وبحكم الحاجة لملء ساعات البث الطويلة، تضطر للحشو والتكرار، وأحياناً يسهم البث المباشر في الوقوع في إشكالات، في واقع إقليمي ملتهب بالصراعات، خصوصاً حين لا يلتزم الخطيب بأية ضوابط أو حدود، وأحياناً يصعد المنبر وهو لم يحضّر أصلاً لموضوع محاضرته، فيرسل الحديث على عواهنه، فيعتبره الآخرون ناطقاً باسم الجميع، بينما هو لا يمثل في الحقيقة إلا نفسه.

حين يبدأ أصحاب المنبر بالنقد الذاتي، ومراجعة وتصحيح الأخطاء، سيعم الخير المستمع والخطيب.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1170028.html