صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5176 | الإثنين 07 نوفمبر 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

«... النضال من أجل التعليم المُختلط» لنانسي مالكيل...

يرصد اكتشاف جامعات هارفارد... برينستون وييل للنساء

كتاب «ابقوا النساء الملعونات خارجاً... النضال من أجل التعليم المختلط» لنانسي فايس مالكيل، الصادر عن مطبعة جامعة برينستون في 646 صفحة، لا يقدِّم أطروحة للالتزام بالتعليم المختلط، بقدر ما يقدم إضاءات وتاريخاً لتجربة التعليم المختلط في منتصف ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي، بكل ما لتلك التجربة من نجاح في بيئة، وفشلها في بيئة أخرى.

تحضر الجامعات الأميركية الأكبر والأشهر، والأكثر عراقة، تلك التي قدَّمت للولايات المتحدة، ولبقية دول العالم نخبة السياسيين والمحامين والقضاة ورؤساء الدول والحكومات: هارفارد، برينستون وييل، وما وقفت عليه من اكتشافها للإمكانات والطاقات التي تمتلكها النساء، على رغم تخصيص بعض الجامعات حتى هذه اللحظة، كليات خاصة بالنساء يقترب عددها من 300 كلية.

وسط كل ذلك، شهدت الفترة تلك تصاعد حركة ونشاط الاحتجاجات المطالبة بالمساواة بين الجنسين، وحركة الحقوق المدنية، علاوة على الحركات الاجتماعية المندفعة نحو المتاريس، وفي أوج الحركات والمنظمات النسوية، إلا أن الكتاب لا يقترب من ذلك البتة، بقدر ما يقدم مقاربات للأثر والتأثير الذي أحدثه خيار الانحياز إلى التعليم الجامعي المختلط. في الفترة تلك كانت الدعوات إلى التعليم غير المختلط هي الأكثر رسوخاً، وهي السائدة في الفضاء الجامعي الأميركي.

وعلى رغم قيام كليات مختلطة إلا أنه في مرحلة ما بعد الستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي برزت أصوات ودراسات تذهب إلى النقيض من ذلك، ولعل دراسة إليزابيث تيدبال التي صدرت في العام 1973، واحدة من الدراسات التي عمَّقت المطالبات من خلال مقاربات تستجلي فوائد التعليم غير المختلط، من دون أن ننسى صوتاً آخر بارزاً بعد عقد ونصف العقد أو يزيد، بصدور دراسة الباحثة التربوية لورا استيب التي تشير فيها إلى أنه في مرحلة الستينيات والسبعينيات لم تبرز سوى الأصوات الداعية إلى الانفلات من القيود. العلمانيون وجدوا فرصتهم للسيطرة على مقاليد التوجيه في البلاد، لينحروا التجارب التربوية الناجحة مثل كليات البنات والتعليم غير المختلط. الواقع اليوم يدحض التخبُّطات تلك بعد ارتفاع أسهم كليات البنات في أميركا (...)».

هنالك أيضاً بوني فيرمن جامعة غرب أونتارو في كندا التي ترى أن كل ما يقوم به التعليم المختلط هو العمل على غش النساء بشعارات المساواة، بينما الحقيقة تؤكّد أن المساواة الحقيقية هي بالفصل وذلك لتمتُّع الجنسين بخصائص وامتيازات متباينة لا تركّز عليها المدارس والجامعات المختلطة أكثر من التركيز على الخصائص والإمكانات التي يتمتع بها الطلبة دون الطالبات (...)».

البروفيسور إميليو إفيانو، المتخصص في النظام التربوي في أميركا، يحيل قرَّاءه إلى العديد من الدراسات التي تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المجال الدراسي يساعد على اجتياز الفتيان والفتيات دراستهم بصورة أفضل؛ علاوة على أن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة كي لا يلتزموا ببعض التصرفات أمام الفتيات، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفتيات (...)».

مالكيل لا تقترب كثيراً من ذلك كما أشرنا سابقاً، بقدر ما تتاخم في أطروحتها الأثر والتأثير، وكذلك النماذج التي استفادت من المشروعات الجريئة وقتها.

كارلوس لوزادا، يستعرض جانباً من أطروحة مالكيل في كتابها المذكور، من خلال مراجعة نُشرت في صحيفة «واشنطن بوست»، بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، نورد أهم ما جاء فيها، مع هوامش نقرنها هنا.

هنالك شيء رومانسي بطبيعته عن الثورة، أو على الأقل من المفترض أن يكون رومانسياً. مقاومة المُؤسسة، الانقلاب على المصالح التي تم تعميقها، وتغيير العالم - كل تلك الأمور الجديرة بالتحقق - مداراة بالمغامرة والعاطفة واحتمالات الانتصارات التي لا تخلو من جرأتها؛ إذ ليس من المفترض أن تكون الثورة مملَّة.

كتاب نانسي فايس مالكيل حول ظهور التعليم المختلط في معظم الكليات والجامعات النخبوية في أميركا، يظل رائعاً، خصوصاً بسبب النثر الفارق الذي كتب به. الطريقة التي اندلعت فيها الخلافات المتعلّقة بالمرأة في المرحلة الجامعية، في مواجهة هيمنة الرجال على الفضاء الجامعي، وتحديداً من خلال الرابطة الرياضية التي تجمع ثماني جامعات تُعتبر من الأشهر والأقدم والأعرق في الولايات المتحدة الأميركية، من بينها: جامعة هارفارد وجامعة ييل وجامعة برينستون وجامعة بنسلفانيا وجامعة كولومبيا وجامعة براون وكلية دارتموث وجامعة ديوك، وذلك في أواخر ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي. الكتاب لا يروي قصة عن الاحتجاجات المطالبة بالمساواة بين الجنسين، كما إنه لا يروي قصة الحركات الاجتماعية المندفعة نحو المتاريس. بدلاً من ذلك، يتناول كتاب «ابقوا النساء الملعونات خارجاً» موضوعات ترتبط بمجالس أمناء الجامعات والخريجين المتشكّكين، والتقارير الخاصة التي لا نهاية لها واللجان المشتركة، وقبل كل شيء، البِيض من رؤساء الجامعات الذكور الذين قاموا بالعمل الصائب، وفي كثير من الأحيان انطلاقاً من دواعي المصلحة الذاتية.

القرارات الإستراتيجية

تكتب المؤرِّخة والعميدة في جامعة برينستون، نانسي مالكيل: «أمر جذَّاب تصوُّر تحقق التعليم المختلط باعتباره عنصراً من عناصر فترة الإزهار بدءاً من منتصف إلى أواخر القرن العشرين، حيث الحركة النسوية في أوج حضورها وفاعليتها. مثل هذا السرْد في الكتاب سيكون على تضادّ مع الأرشيف التاريخي». وتضيف «تحقق التعليم المختلط ليس بفعل الجهود المنظمة من قبل النساء الناشطات، ولكن بفعل القرارات الإستراتيجية التي تم اتخاذها من قبل الرجال الأقوياء».

تركِّز مالكيل على ما تكرَّس سابقاً: كل رجال هارفارد، برينستون وييل ودارتموث، فضلاً عن الكليات النسائية مثل فاسار، سميث ويليزلي، والذين أمسكوا بإيجابيات وسلبيات التعليم المختلط بعد وقت طويل من الفترة التي كان فيها شائعاً في أماكن أخرى من التعليم العالي الأميركي؛ حيث كانت الحقوق المدنية والحركات النسائية والطلابية في ذلك العهد بمثابة خلفية ثابتة؛ إذ تشير مالكيل إلى أن جامعات النخبة حاولت تنويع الهيئات الطلابية التي تتكون من الذكور عن طريق العِرق والدِّين والخلفية الاجتماعية والاقتصادية. تقول: «أصبحتْ وعلى نحو متزايد تنطوي على مفارقة تاريخية لرسم مسار الاعتراف بالنساء»، ولكن كل تلك الحركات والجهود لم تشكّل اتجاهات الضغط الرئيسية للقصة التي تتناول تفاصيل تلك الفترة.

في إفادة مالكيل، يتضح لنا أن العامل الرئيسي المحفِّز للتعليم المختلط كان التنافس على المراتب والمستويات المتقدّمة للطلاب الذكور من خلال الرابطة التي تجمع ثماني جامعات هي الأشهر والأقدم في الولايات المتحدة الأميركية، والتي ظلت مفضَّلة بالنسبة لهم وخصوصاً في البيئة المختلطة بشكل متزايد. على سبيل المثال، جعل ذلك جامعة ييل، الواقعة في نيو هيفن، كونيتيكت، في وضع غير مؤاتٍ قبالة جامعة هارفارد والتي لديها كلية رادكليف التي كانت تقبل الطالبات، ومعاهد أخرى قريبة.

لا جاذبية بدون الفتيات

بالنسبة إلى رئيس جامعة ييل كينجمان بروستر الابن، كان الجواب واضحاً؛ حيث قال لجمع من خريجي دفعة العام 1967: «قلقنا لا ينصبُّ كثيراً على ما يمكن لجامعة ييل أن تفعله من أجل النساء، بل ما الذي يمكن للنساء أن يفعلنه لجامعة ييل». وبالمثل، صرَّح رئيس جامعة برينستون روبرت ف. غوهين، لمجلس الجامعة في العام 1967، بأن الجامعة «بدأت لتصبح نسبياً أقل جاذبية لبعض المتقدِّمين الذين كنا نودُّ أن نحظى بهم، بسبب عدم وجود الفتيات هنا». وفي معاقل الذكورة من الإداريين، يُنظر في بعض الأحيان إلى احتمال ارتفاع عدد الطالبات، على أنه واحد من الأسباب الباعثة على مزيد من الاستحسان، مثله مثل وجود المرافق الرياضية الأفضل، لإغراء الطلاب الذكور.

استشهد رؤساء الجامعات أيضاً بتقديم أفضل تعليم ممكن، إلى السكّان الذين تم استبعادهم سابقاً، ولكن أولوياتهم واضحة من خلال الحلول التي يضعونها في الاعتبار. وبدلاً من تبنِّي التعليم المختلط بكل إخلاص، يعمدون إلى استكشاف خيارات تختصر الطريق إلى المساواة الكاملة. جامعتا ييل وفاسار ناقشتا نقل كلية النساء من باوكيبس بنيويورك، إلى الحرم الجامعي بنيو هيفن، في حين تضع «دارتموث» في اعتبارها طرْق أبواب المانحين الأثرياء لتأسيس كلية متساوقة في أهميتها للنساء على مقربة من هانوفر، بالحرم الجامعي بنيوهامبشاير. الجامعات تصوَّرت أول الأمر بأن تحظى بمزيد من الطلاب الزائرين، وتبادل البرامج. تصور أي أمر آخر ما خلا أمر الذهاب إلى التعليم المختلط بشكل تام.

تكتب مالكيل عن الأجيال التي ضمَّت نساء أميركيات ممن برزن في السياسة والأعمال والفنون من خريجي الكليات النسائية، مثل: كاثرين غراهام وميريل ستريب خريجتا فاسار بجامعة كولومبيا، وكذلك هيلاري كلينتون ومادلين أولبرايت خريجتا ويليزلي بولاية ماساشوستس الأميركية، التي تلتزم بتعليم المرأة في المقام الأول، وتأسست في العام 1870، وبدأت في استقبال الطالبات مطلع سبتمبر/ أيلول 1875، والعديد من النساء اللائي مهدن الطريق للجيل القادم، مثل خريجي جامعة برينستون، مثل القاضيتين في المحكمة العليا، إيلينا كاغان وسونيا سوتومايور».


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1177724.html