صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5178 | الأربعاء 09 نوفمبر 2016م الموافق 18 رمضان 1445هـ

الأشغال الشاقَّة وراحة البال

الكاتب: جعفر الجمري - jaffar.aljamri@alwasatnews.com

العنوان أعلاه يُوحي بأن كائناً من الكائنات غير مُحدَّد يمكن له على رغم الأشغال الشاقَّة إلا أنه يتمتَّع براحة بال، مادام في نهاية المطاف سيضمن علَفَه وماءه وحظيرة تأويه؛ لأنه من الكائنات تلك، ولا علاقة له بكواليس السياسة، وغلاء الأسعار، ورفع الدعم، وضريبة القيمة المُضافة، أو ضريبة المُضاف إليها أيضاً. كما لا يهمّه ارتفاع أسعار الأسهم، أو انهيار السوق بأكملها. ولا يهمّه أي اتفاق للتجارة حُرَّة كانت أو غير حُرَّة. ثم ما الذي يعنيه له إن تمَّ تعويم سعر صرف أي عملة كانت مقابل الدولار أو العكس، ففي نهاية المطاف لا يملك حساباً مصرفياً، أو عائلة يتولَّى رعايتها، ولن يعنيه أثر التحويلات المالية للعمالة الوافدة، والأبعد من تفكير ذلك الكائن أو الانشغال به، هبوط أسعار النفط، والعجز في الموازنات، والتقشف الذي سيبرر فرض ضرائب حتى على الإسراف في «صباح الخير» و «كيف الحال»، والابتسامات التي لا لزوم لها بسبب أو من دون سبب.

ولن تعنيه المجاري الطافحة، والبحيرات التي تشكِّلها الأمطار، وأحياناً تُغرق مُدناً، وتكشف عن سوأة فساد الذين يقفون وراء المشاريع «مليونية» الكلفة، التي لا تساوي «ملاليم». ولا يهمّه ارتفاع منسوب الكذب في الوعود بتحسين الخدمات والعلاج والتعليم والأجور، أو حتى إنارة الأرصفة.

ومن بين الأمور المؤكدة التي لا تعنيه، قطع خدمة الإنترنت، أو التشويش على المكالمات، أو حتى مراقبتها، فالحال كما يرى: «عشرة على عشرة»، في «بياض صحيفته» -كما يرى- وإن كانت كقِطَع الليل المظلم.

وذلك الكائن نفسه، لا تعنيه نشرات الأخبار الرئيسية، أو حتى نشرة الأحوال الجوية. كما أن ذلك الكائن لا يهمّه إغلاق مسار شارع رئيس كي يمر أحدهم، ولا تهمّه العوْلمة بكل أوجهها المتعدِّدة، وتفسيراتها ونواياها ونتائجها. ولا تهمّه المداهمات الليلية في الحي القريب من مكان إقامته. كما لا يهمّه حرمان أحد من علاوة الغلاء أو «نغْنَغَته» بأكثر من علاوة، ولا يهمّه مانشيت «نيويورك تايمز»، أو «واشنطن بوست»، أو حتى صحيفة «دابق» التابعة إلى السرطان الكوني المتمثِّل في التنظيم الإرهابي الأممي «داعش»؛ مادام بعيداً عن محاولة إغرائه وتجنيده أو تفخيخه. ولا يهمّه فوز هيلاري كلينتون، أو منافسها الذي يريد إدارة الولايات المتحدة الأميركية كما يدير شركاته بما فيها من فنادق وأندية للقمار. ولا تهمّه خلافات الفنانة أحلام مع الفنانة شمس.

وليس مهمَّاً عنده أن يلتقي الفنان عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج في عمل فني مشترك لا يُنسى، يعيد أمجاد حضور «درب الزلق». كما لا يهمّه أن يقرأ عموداً كُتب بدم القلب مادام يُغطِّي مساحة تملأ فراغاً فنياً في أي صحيفة أو مجلة. وبالطبع، لا يهمّه طغيان أغنية «البرتقالة» على حساب «أراك عصيَّ الدمع شيمتك الصبر»، وانحسار حضور جوليا بطرس بطغيان جيل يقود العبث تحت مسمَّى أغنية من قبيل «السح الدح امبو» و»الطشت قال لي»، ولا يهمّه إعادة كتاب التاريخ أو محْوه. كما لا يهمّه ارتدى «ميسي» علم «إسرائيل»، أو تعاطف مع طفل عراقي أو أفغاني مُعدميْن. ولا يهمّه مخطط الشرق الأوسط الكبير أو المتوسط أو الجديد، أو ذلك الذي سيختفي من الخريطة التي نعرفها.

ذلك الكائن لا علاقة له بكل تلك التفاصيل وما بعدها، فهو يتوهَّم بأنه كائن نبيل بكل ذلك الصبر الخارق، والاحتساب الذي لا طائل من ورائه. ذلك الكائن ليس بعيداً عمَّن نعرفهم في دنيانا بخضوعهم للأشغال الشاقة كي ينعموا براحة البال -أو هكذا يتوهَّمون- مثل أولئك: بصمات عمياء، وكل ما يحسنونه في الحياة: التذمُّر سرَّاً، والتبرُّم أمام المرآة، وثمة من هم على النقيض من ذلك.

من لا يهمُّه كل ما ورد أعلاه، على رغم الأشغال الشاقة، وبراحة بال، إن لم يكن (....) بامتياز فمن عساه يكون؟ عروة بن الورد مثلاً؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1178522.html