صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5213 | الأربعاء 14 ديسمبر 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

لماذا يقدّمون النبي (ص) كإرهابي؟

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

إن من سوء حظ هذا الجيل من المسلمين، أنه نجح في تحقيق ما فشل فيه المستشرقون قبل مئة عام، بتقديم الإسلام في صورة الدين المتوحش العنيف الذي يقود أتباعه إلى سفك الدماء وقتل الآخرين دون شفقة أو رحمة.

هذا الدين الذي جاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهذه الرسالة التي أُنزلت ليقوم الناس بالقسط والميزان، قدّمناه للبشرية، كدين وحشيةٍ وبربرية. والنبي الذي أرسل رحمةً للعالمين، وقال عن نفسه (ص): «أنا الرحمة المهداة»، شوّهناه بتصويره رجلاً متعطشاً للدماء.

الصورة المشوّهة التي حاول المستشرقون تظهيرها عن النبي (ص)، قبل مئة عام، تصدّى لهم يومها الكتاب العرب والمسلمون الغيارى، فأفشلوا محاولاتهم، وثبّتوا الصورة الإنسانية الناصعة لنبي الرحمة عبر مئات الكتب والدراسات والأشعار. أما اليوم فقد نجحت حركات الجهاد الزائف، في تقديم الرسول في صورة الرجل الدموي، و»الذين سرقوا النبي محمداً قدّموا للعالم رجلاً قاتلا مدمراً إرهابياً، وآن الأوان لنسترجع رسول الله منهم»، كما قال الإعلامي الجزائري يحيى أبو زكريا؛ وتوقيعه الشريف الذي كان يوقّع به معاهدات السلام مع اليهود والنصارى، رفعه «الخوارج الجدد» في راياتهم السوداء، ليمارسوا تحتها كل أصناف الشذوذ والإجرام، من قتل جماعي للأبرياء، وحرق للأحياء، وإغراق بالماء، وسلب للممتلكات واستباحة للحرمات.

اختطاف الرسالة والرسول، ترافق مع صمتٍ شبه مطبق، من أغلب المراكز الدينية الكبرى في العالم الإسلامي، بما يشي بوجود حالةٍ من القبول والتراضي، فيما يشبه تسليم الراية لهذه الحركات المتطرفة للحديث باسم الإسلام. ونشهد أعداداً كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تبيّض جرائم هذه الحركات التكفيرية، وتدافع عن نهجها. وهي حالةٌ نبّه إلى خطورتها الإعلامي التونسي الهاشمي الحامدي: «تضعون التنظيمات المتشدّدة في مقدمة صفوفكم ثم تتباكون على أهل السنة. حتى متى تدسون رؤوسكم في التراب؟ ضيّعتم شباب الأمة. ضيّعتم عقولهم. شيء مقرف».

لاشك أن هذه الحركات تستند إلى موروث ديني، أثبتت الأيام ضرورة مراجعته، وتنقيته من الخرافات والإسرائيليات، لنرى الإسلام على حقيقته، ديناً سماوياً ناصعاً، يهدف إلى تحكيم قيم الحرية والعدل والمساواة بين الناس. ولاشك أن بذور هذه الصورة المشوّهة التي استند إليها المستشرقون بالأمس، وتستند إليها الحركات التكفيرية اليوم، مغروسة عميقاً فيما وصلنا من كتب التراث.

في كتابه عن «فن السيرة»، الصادر في العام 1956، يذهب الناقد والكاتب والمحقّق التاريخي الموسوعي الفلسطيني الراحل إحسان عباس، إلى أن القرآن الكريم هو الذي عمّق الإحساس التاريخي عند العرب، حين قصّ عليهم قصص الأمم الخالية، وكان يهدف إلى إثارة العِبرة في نفوسهم، ولكن المدهش حقاً –كما يقول عباس- أن هذه الغاية الخلقية كانت أضعف المظاهر حين بدأ المسلمون بكتابة السيرة، التي استهلوها بكتابة سيرة الرسول... «وكان ذلك يشير إلى درس أخلاقي عميق في حياتهم، لو شاءوا أن يتخذوا سيرة الرسول لتلك الغاية (الأخلاقية)، ولكنهم لم يفعلوا بل كتبوا سيرته تحت مؤثرات أخرى»، وذكر عاملين مهمين لهذا الاتجاه:

الأول: أن سيرة الرسول جزء من السنّة، التي تمثل مع الحديث مصدرين مهمين للتشريع، ولذلك لابد من جلائهما في دقة بالغة، لتكون مشرعاً واضحاً لرجال الشريعة وأهل الإفتاء والقضاء.

والعامل الثاني والأكثر خطورة: «أن المسلمين ورثوا نظرة الجاهلية للتاريخ، وهي نظرة قائمة على (الأيام) وطبيعة الحرب والقتال. ولذلك اهتم كتّاب السِيَر قبل كل شيء بمغازي الرسول... فلا غرابة إذا رأينا السيرة على يد الزهري وابن اسحاق وغيرهما تسجيلاً دقيقاً للمعارك الحربية وما دار فيها...».

اهتمام كتّاب السيرة القدامى بالغزوات والحروب، جاء على حساب إبراز الجوانب الأخرى في حياة نبي الرحمة، وأسهمت في خلق صورة غير واقعية أو متوازنة، لهذه الشخصية العملاقة التي نجحت في توحيد القبائل العربية المتناحرة في الصحراء، وتحويلها إلى قوة عالمية تحرّرية أعادت صياغة وجه العالم خلال نصف قرن.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1190724.html