صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5213 | الأربعاء 14 ديسمبر 2016م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ليس بوسع ترامب القفز على ثوابت السياسة الأميركية

الكاتب: عبدالحسن بوحسين - comments@alwasatnews.com

حرصت أن يكون هذا العنوان خلاصة واستنتاجا لموضوع هذا المقال وما تضمنه من استعراض لحقائق وآراء متعددة، بشأن ما يتوقعه كثير من المحللين بشأن التوجهات السياسية المستقبلية لإدارة ترامب. وتجنبا للاطالة والسرد بسبب كثرة التحليلات في هذا الشأن؛ سيتم تبويب الأفكار بغرض تسهيل متابعتها وفقا للآتي:

أولا: الدستور قنن سلطات الرئيس: نصت المواد من 1 إلى 3 في الدستور الأميركي على مبدأ الفصل بين السلطات، وتوازنها؛ للحيلولة دون وصول رئيس مستبد، وتحقيق الرقابة المتوازنة CHECKS AND BALANCES. وعلى رغم التحديات التي تواجه تطبيق هذا المبدأ في عصرنا الحاضر، إلا أن سلطات الرئيس تبقى محدودة ومقيدة بنظام مؤسسي وشبكة مصالح معقدة، تجعل من خطط الرئيس وقراراته تمر بأقبية كثيرة قبل أن تصبح نافذة. ووفقا للظروف السياسية السائدة في حقبة معينة تطغى سلطات الرئيس عندما تتقاطع مصالح الشبكات المالية والصناعية والإعلامية واللوبيات التابعة والمتحالفة معها مع الإدارة التنفيذية والتشريعية، كما حدث إبان حقبة آل بوش. من هنا فإن قدرة الرئيس الجديد على تطبيق أجندته السياسية في الداخل والخارج لن تكون ممكنة من دون تحالفات مع مختلف اللوبيات والمصالح القائمة، وقوى النفوذ المهيمنة تاريخيا على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية في المجتمع الأميركي، والتي يعتبر ترامب من أشد منتقديها، على رغم كونه واحدا من أعمدتها. فهذه الشبكات الضخمة من المصالح والشركات والمصانع تمثل قواعد الهرم المؤسساتي، التي ليس بوسع من يكون على قمة الهرم، تجاوزها، من دون المغامرة بمستقبله السياسي، ولربما بمصير حياته، في مجتمع تأسس تاريخيا على استخدام العنف.

ثانيا: حزبان سياسيان بأهداف مشتركة وأساليب مختلفة: يتعاقب على الإدارة الأميركية تاريخيا حزبان سياسيان، هما وجهان لعملة واحدة. فهما يتفقان في الأهداف؛ ولكن يختلفان في وسائل تحقيقها، وفقا لما تمليه عليهما مصالح النخب والمحافل المالية والصناعية والإعلامية. فمن حيث الأهداف يتفق الحزبان على بقاء أميركا قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية مهيمنة على مستوى العالم، وامبراطورية لا حدود لنفوذ مصالحها. إلا أنهما يختلفان في الوسائل وفقا لتقاطع أو توافق مصالح المحافل الاقتصادية التي تتنوع بين معسكر النفط والصناعات العسكرية وما تتطلبه من أسواق عالمية تنعشها سياسة اشعال الحروب المباشرة، كما كان الوضع عليه في عهد آل بوش، وبين معسكر العولمة والتجارة الحرة الذي يسعى لتحقيق المصالح الأميركية من خلال إعطاء الأولوية للتحكم في التجارة العالمية، وأسواق المال والتفوق التكنولوجي كما كان الوضع عليه في عهد بيل كلنتون.

لقد تسببت سياسة النخب المتمثلة في المحافظين الجدد، ومعسكر الصناعات العسكرية بأضرارا كبيرة للاقتصاد الأميركي، تمثلت في ديون خارجية هائلة لتغطية مغامرات عسكرية لم تقو الإمبراطورية على الوفاء بالتزاماتها. وبالقدر ذاته سعى معسكر العولمة والتجارة الحرة إلى نقل كثير من الصناعات الأميركية إلى خارج الحدود بحثا عن عمالة رخيصة، وللسبب ذاته تم فتح أبواب الهجرة غير المشروعة، ما فاقم من ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع الأميركي، ووسع من ظاهرة التفاوت الطبقي. فجاء أوباما للبحث عن نموذج مختلف بشعارات تلامس عواطف الناخب الأميركي، كتخفيض الوجود العسكري في بعض مناطق الحروب، وتخفيض النفقات العسكرية، فقام بمزج نموذج صناعة النفط ومعسكر الحروب بنموذج العولمة؛ ولكن بأسلوب مختلف تمثل في إسقاط شعار الحرب على الإرهاب الذي استغلته إدارة بوش لتبرير مغامراتها العسكرية، مستعيضا عن ذلك بنموذج إشعال حروب بالوكالة، ليوفر على أميركا خسائر مادية وبشرية، وتحويل جزء كبير من تكاليف المغامرات العسكرية إلى حلفائها. وهذا ما عكسه شعاره المتعلق بوقف الحرب على الإرهاب لغرض استخدامه كوسيلة لخدمة أجندات سياسية، وهكذا تمايز عن إدارة من سبقوه في الأسلوب وتوافق معهم في الأهداف. إلا أن عواقب المغامرات التي تبنتها الإدارات الاميركية المتعاقبة ارتدت سلبا على مجمل الاقتصاد والمجتمع الأميركي. فقد نتج عن سياسة معسكر النفط والحروب ومعسكر العولمة واستغلال الإرهاب بروز ظاهرة التفاوت الاجتماعي والطبقي الكبير، وظاهرة المد القومي واليمين المتطرف الساخط على نخبه التقليدية الفاسد، والذي تبنى شعار الانكفاء على الداخل لمعالجة مشاكل «أميركا أولا»، وهو الشعار الذي رفعه الرئيس ترامب في حملته الانتخابية.

نموذج لسياسة أميركية مغايرة بفريق عمل قومي متشدد: يرى كثير من المحللين أن ثوابت السياسة الأميركية بمؤسساتها باقية على رغم تغير طبيعة الفريق. فكغيره من الرؤساء لابد أن يميز ترامب نفسه عن سياسات الإدارات التي سبقته، وخاصة في الفترة الرئاسية الأولى لضمان فوزه بولاية ثانية، وأن يتبنى أسلوبا مغايرا يتناسق وطبيعة الأوضاع الاقتصادية التي فاقمتها حجم الالتزامات العسكرية، بالإضافة إلى الأوضاع الاجتماعية المتمثلة في الفجوة الاجتماعية، وتزايد الانقسام المجتمعي والتهميش، والتي أوجدت طبقة اجتماعية ساخطة ليس بوسع إدارة ترامب تجاوزها.

من خلال طبيعة الفريق الذي اختاره ترامب لادارته، تتضح ملامح سياسته الداخلية والخارجية. فقد شكل هذا الفريق كتعبير عن بعد ايديولوجي يميني وقومي متطرف، وخاصة في الأجهزة الحساسة كالأمن القومي والاستخبارات والعدل والدفاع، وهي جميعها شخصيات محسوبة على معسكر انصار التشدد الذي ينظر للعالم من منظار صراع الحضارات، ولمنطقة الشرق الأوسط بصفة وخاصة من منظار التطرف الإسلامي، ليس بوسع أي محلل سياسي تجاهل السمات الخاصة بشخصية ترامب، كرجل أعمال ذي خبرة سياسية محدودة وانتهازي، كما عبر عن ذلك في كتاباته بشأن منهجه في الإدارة. وعلى رغم وضعه الطبقي كرجل مما يوحي بصعوبة توافقها مع طبيعة تفكيره وسلوكه. ومن جانب آخر، ليس بوسع ترامب أن ينحو بعيدا عن مصالح المؤسسة المالية والتحالفات التي أنتجته، من هنا يتوقع كثير من المراقبين الا يتمكن ترامب وفريقه من الإفلات من تأثير جماعات الضغط واللوبيات الأخرى، وقوى النفوذ المهيمنة تاريخيا على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية. فعلى مستوى الداخل سيكون بوسع إدارة ترامب الحد من الهجرة غير الشرعية بحجة الحفاظ على الأمن القومي الأميركي من الإرهاب. ولكن ليس بوسعه تغيير قاعدة الانصهار التي بني عليها المجتمع الأميركي المعروفة بـ MELTING POT. إن الحد من الهجرة ومن هروب المصانع للخارج، سيحد من تفاقم نسبة البطالة، كما أن مساهمة شركاء أميركا في تحمل الأعباء المالية لانتشارها العسكري حول العالم، والذي يمكن معالجته بصيغة توافقية مع الشركاء سيخفف من التأثير السلبي لهذه الالتزامات المالية على الاقتصاد الأميركي، وسيتيح للدولة الأميركية مجالا أكبر للتعامل مع أولويات سياستها الخارجية المتمثلة في شرق آسيا والصين.

وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط يرى كثير من المراقبين أن مشروع تقسيم بعض دول المنطقة سيستمر لصالح ضمان أمن إسرائيل، ولكن بنموذج يختلف عن نموذج دعم الإرهاب الذي لم ينجح في تحقيق كامل أهدافه. كما أن طبيعة تواجد أميركا العسكري في المنطقة ستستمر بمقدار ما تمليه عليها مصالحها الاستراتيجية؛ ولكن بمفهوم الشراكة في تقاسم تكاليف حجم هذا التواجد، بما يخدم الحاجة الملحة لجميع الأطراف المستفيدة من هذا التواجد. من هنا يمكن القول إن منطقة الشرق الأوسط تمر بظروف مختلفة يغلب عليها طابع العامل المتحرك، والذي من المفترض أن يحفزها لرؤية الأخطار من زوايا متعددة، وبناء عناصر قوة تمكنها من مواجهة التحولات السياسية والاستراتيجية على مستوى العالم.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1190726.html