صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5231 | الأحد 01 يناير 2017م الموافق 18 رمضان 1445هـ

واقع اللغة العربية إلى أين؟

الكاتب: يوسف مكي (كاتب بحريني) - comments@alwasatnews.com

قبل أيام وبالتحديد في يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، يصادف اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية، وقد تم إقرار هذا اليوم من قبل المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ابتداء من العام 2012 .

ومع إن إقرار العمل باللغة العربية كلغة عمل في أروقة الأمم المتحدة ابتدأ من العام 1973 إلا أن الاحتفال بها، وتخصيص يوم عالمي لها، قد تأخر كثيرا. ولكن أن يأتي الشيء متأخرا أفضل من ألا يأتي بالمرة.

وعلى رغم ذلك، فإن الاحتفال باللغة العربية على أهميته المعنوية، لا يعطي انطباعا بأن أوضاع اللغة العربية على مايرام. بل بالعكس، فأوضاع اللغة العربية تعكس أوضاع الشعب العربي من المحيط إلى الخليج ، وهي أوضاع لا تسر أحدا.

فاللغة العربية إذا ما استثنينا تجربة العراق وسورية، وإلى حد ما الجزائر خلال حقبة السبعينات والثمانيات، فهي ليست في المكان الذي يليق بها في معظم الدول العربية.

ويمكن مقاربة الوضع المتدني للغة العربية من خلال 3 مستويات. المستوى الرسمي حيث اللغة العربية لا تحظى بالأولوية أو الاعتبار، مع تفاوت بين دولة عربية وأخرى.

ويتجلى هذا الجانب في تدني حجم التعريب للعلوم على صعيد التعليم الجامعي، كما أن بعض التخصصات يتم تدريسها باللغات الأجنبية (الانجليزية أو الفرنسية). يضاف إلى ذلك أن طبيعة تدريس اللغة العربية على صعيد المناهج الدراسية لاتساهم في تعلق الطلبة بدراسة اللغة العربية، أو على الأقل الاقبال عليها في الحدود الدنيا بمعنى أنها مناهج منفرة، أو مخرجاتها متدنية.

وفي نفس هذا المستوى، ومع إقرار معظم قوانين ودساتير هذه الدول على أولوية اللغة العربية، فإن المعاملات تتم غالبا بلغات أخرى وخاصة اللغة الانجليزية، وذلك على حساب اللغة العربية. كما أن الكثير من المناصب القيادية تُسند إلى موظفين أجانب لا يجيدون اللغة العربية، وبذلك تتحول المؤسسة التي يرأسها هذا الأجنبي أو ذاك في مخاطباتها ومعاملاتها ولغتها إلى اللغة الاجنبية بدلا من اللغة العربية. فتصبح اللغة العربية وصيفة للغة الأجنبية اللغة الانجليزية خصوصا.

المستوى الثاني يبدو في لغة المثقفين وقادة الرأي ومؤسسات المجتمع المدني، حيث يمكن القول أن الكثير منهم لا يأبه بالحديث باللغة العربية، وربما تحدث بعضهم بلهجة عربية لا تتجاوز الحي الذي يسكن فيه، وأنا هنا لا أقصد الحديث بلغة أبي الأسود الدؤلي، مؤسس مدرسة البصرة النحوية، ولا الخليل ابن أحمد، ولا سيبويه، ولا الكسائي مؤسس مدرسة الكوفة النحوية، ولا تلميذه الفرّاء ولا اللغوي نفطويه. لأن اللغة تتطور بطبيعة الحال، وينبغي أن تواكب زمنها وزمن مجتمعها، وإنما أقصد أنه يمكن لهؤلاء القادة أن يكونوا نموذجا وقدوة في تنمية حب اللغة العربية، بحيث تكون لغة محافظة على الثوابت اللغوية من جهة، وفي الوقت نفسه تستجيب لمستجدات العصر من جهة ثانية؛ أي لغة عربية معاصرة مواكبة للحداثة والتحديث.

المستوى الثالث ويتمثل في غلبة اللهجات المحلية على اللغة العامة والجامعة، هذا فضلا عن تكسير وتطويع الناطقين بالعربية وخصوصا في دول الخليج للغة؛ لكي تتناسب واللغات التي تتكلم بها الجاليات الأجنبية مثل الهندية والأردو والبنجابية والبلوشية والفارسية وغيرها، بحيث نجد على الصعيد الشعبي من يتحدث العربية؛ ولكن بطريقة الأردو مثلا من أجل إيصال فكرته، بدلا من أن يتعلم الأجنبي اللغة العربية. بمعنى أن اللغة العربية تتنازل عن مقامها لتصبح (اردوعربية).

وفي هذه الحال نجد أنفسنا أمام لغة خليط من العربية واللغات الأجنبية. وخاصة لغات شبه القارة الهندية.

ومن بين الأمور التي تعتبر مقررة في أوضاع اللغة العربية هي المخرجات التعليمية، مع العلم أن الطلبة يدرسون اثنتي عشرة سنة للغة العربية دون أن يستفيدوا منها في ممارساتهم الحياتية، ما يعني أن هناك خللا في مكان ما بخصوص تدريس اللغة العربية.

قد يكون هذا الخلل في المناهج، أو في طرق التدريس، أو في الكفايات المهنية للعاملين، أو في محتوى مواد تدريس اللغة العربية نفسها، بحيث يكون الطلبة في واد، ومحتوى المواد الدراسية في واد آخر. وقد يكون في أحدها أو بعضها أو كلها. وهذا بحاجة إلى إعادة النظر بطبيعة الحال.

وفي الأخير لا ننسى دور وسائل الاعلام على تباينها من الصحافة المقروءة إلى المرئية إلى وسائل التواصل الاجتماعي إلى المؤسسات الثقافية في الارتقاء باللغة أو التقليل من شأنها. وفي هذا السياق، يمكن للمرء أن يكتشف كثيرا من الأخطاء اللغوية التي ينبغي ألا تحدث. وهذا يعكس في الحقيقة عدم اعتبار لأهمية اللغة في عموم هذه المؤسسات.

باختصار أن أوضاع اللغة العربية ليست بخير لا على مستوى الممارسة الفعلية، ولاعلى المستوى الرسمي والأهلي، ولا على المستوى الثقافي العام. يكفي المرء أن يقوم بجولة على شوارع ومدن البلاد ليكتشف مدى الأخطاء اللغوية على واجهة المحلات وفي أسمائها.

الاحتفال بيوم اللغة العربية -على رغم أنه مر مرور الكرام- هو البداية وليس النهاية، ذلك أن الخروج من الوضعية التي تعيشها اللغة بحاجة إلى خطة وطنية شاملة لكل عناصر المجتمع، ابتداءً من التنشئة الاجتماعية في البيت مرورا بالمدرسة، فالجامعة، فالمجتمع بمؤسساته ومجالاته الحياتية. فهل نشهد وعيا إيجابيا عاما بأهمية اللغة ليس بالمعني الفللوجي فقط؛ بل بالمعنى السوسيولوجي والثقافي والفكر. فاللغة بهدا المعنى هي فكر وثقافة وحضارة وروح، وتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1196426.html