صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5244 | السبت 14 يناير 2017م الموافق 18 رمضان 1445هـ

ضرائب باهظة = متاعب إضافية لرجال الأمن والجمارك

الكاتب: أحمد صباح السلوم - .

برزت على السطح حديثاً ‏«‏بوادر مشكلة» كنا حذّرنا منها عدة مرات في تصريحات صحافية سابقة، وربما في إحدى المقالات هنا، المشكلة باختصار كما ذكرت في الصحف على لسان أحد التجار ونشرها الموقع الإلكتروني الخاص بإحدى الهيئات التابعة لوزارة الصحة البحرينية، هي انتشار بعض محاولات عمليات التهريب وخاصة للتبغ والدخان بأنواعه.

وفي الواقع أن التهريب هنا هو عَرَضٌ لمرضٍ آخر، يتمثل بمنتهى الصراحة في الغلو في فرض المزيد من الضرائب والرسوم غير المدروسة، ومع كل ضريبة جديدة تفرضها وزارة المالية تتولد أعباء أمنية إضافية على كاهل إدارات الأمن المختلفة التابعة لوزارة الداخلية، وإدارة الجمارك بالطبع في القلب منها.

إدارة الجمارك البحرينية من أكثر إدارات الدولة تفهماً وتعاوناً مع الأسرة التجارية، سواءً متمثلة في غرفة تجارة وصناعة البحرين، أو الجمعيات الاقتصادية المختلفة، ونحن على علم أكيد بالجهود التي تبذلها الإدارة سواءً في تطوير العمل الجمركي، أو في مكافحة التهريب وأساليبه المختلفة والمبتكرة في بعض الأحيان.

وقد تمكنت الجهات الأمنية حديثاً من ضبط شحنة «تنباك» تم محاولة ترهيبها عن طريق البحر، وأعتقد أن الجهات الأمنية والجمركية في مملكة البحرين لديها من الكفاءات والقدرات ما يؤهلها لضبط وكبح جماح أي محاولات تهريب مستقبلية، خصوصاً إذا ما تفهمت مؤسسات الدولة الأخرى خطورة زيادة الرسوم والضرائب بدون حساب دقيق لآثارها السلبية وردود الفعل الناتجة عنها.

خطورة التهريب والأرباح الضخمة الناتجة عن التهريب، تتمثل دائماً في أنها تستخدم في أغراض غير شرعية، وهو ما يضاعف المهمة على عاتق الجمارك والجهات الأمنية الأخرى التي نكن كل تقدير لدورها، وما يوجد على وجه الكوكب تهريب إلا لشيئين، الأول المحظورات مثل الأسلحة والمخدرات والأموال السوداء، والثاني هو السلع المشروعة والقانونية التي تباع بشكل طبيعي في الأسواق ولكن تفرض عليها رسوم باهظة وضرائب مرتفعة مثل السجائر والتبغ وبعض المشروبات، وفي بعض الدول سلع الرفاهية الشديدة كالألماس والساعات الفاخرة وغيرها، والجامع بين هذه الأصناف جميعاً هو ارتفاع الضرائب والجمارك من قبل الحكومات في الدول المستهدفة بالتهريب. ولذلك لا يوجد تهريب إلا لمثل هذه النوعيات من السلع، أما الأمر الأخطر بكل تأكيد فهو أين تذهب أموال التهريب وعلى أي شيء تنفق؟

‏وهذا ليس كلاماً من عندي، ولكنه تقارير ودراسات دولية أعدت بشأن هذه الظاهرة، منها مثلاً تقرير اللجنة الماليّة الدوليّة لمكافحة غسل الأموال ‏وتمويل الإرهاب (‏FATF)‏ الصادر في العام ‏‏2012 الذي ‏يقول بشكل صريح، إن الاتجار غير المشروع بمنتجات ‏التبغ، يدعم تجميع الأموال للجريمة ‏المنظمة ‏والمنظمات الإرهابيّة! وأكدت تقارير صادرة ‏عن الكثير من المنظمات الدوليّة ‏منها منظمة ‏الأمم المتحدة، أن عائدات تهريب التبغ ‏تستخدم لتمويل النشاطات الإرهابية ‏بما في ذلك ‏تمويل «داعش»!

وعلى نحو مماثل، ‏أشارت الوثائق إلى أن الجماعات ‏المتمردة استخدمت ‏أموال تهريب السجائر، لتمويل ‏نشاطاتها خلال الحرب في الجزء ‏الشرقي من جمهورية ‏الكونغو الديمقراطية، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تحتاج إلى كتيب لشرحها وليس لمقال قصير.

من حيث الأضرار، فإن أول المتضررين من تصاعد التهريب الناجم عن فرض الضرائب والرسوم المبالغ فيها، هي الدولة نفسها التي تُحرم من رسوم وضرائب وجمارك على التبغ تقدّر بين 300 و400%. ولكن هل هذا هو الضرر الوحيد على الدولة؟

للأسف الشديد لا بالطبع، وأثبتت جميع الدراسات في هذا المجال أن هناك علاقة طردية ومتلازمة بين ازدياد الضرائب والرسوم من جهة ونمو عمليات التهريب من جهة أخرى، وهو ما يعني أن هناك جهوداً أكبر ستبذل لوقف التهريب وأعباء إضافية أخرى، ستتحملها أجهزة الأمن والجمارك من حيث الوقت والجهد، ونفقات مالية أيضاً ستنفق على أجهزة الرصد والتفتيش وغيرها.

سلبية أخرى ستكون من نصيب حركة الاستثمار، التي ستتضرر بلا شك في ذلك، وصغار التجار الذين سيجدون أنفسهم غير قادرين على المواجهة في ظل ارتفاع السعر الناتج عن كثرة الضرائب والرسوم، وعزوف بعض المستهلكين عن الشراء.

وهنا يجب أن نلتفت إلى نقطة مهمة أخرى، وهي «صغر السوق البحريني»، فالسوق البحريني الصغير الذي يتجاوز تعداده المليون بقليل، لا يحتمل فرض رسوم وضرائب متتالية مثل سوق تعداده 100 أو 150 مليون نسمة مثلاً!

ما يزيد من تداعيات الأمر أن الأسواق الخليجية الأخرى لا تفرض نفس الرسوم والضرائب على هذه السلع، على رغم جميع الاتفاقيات البينية مع دول التعاون، وهو ما سيوجد سوقاً للتهريب الداخلي بين هذه البلدان، وأعتقد أن هذا ما حدث في واقعة تهريب التبغ الأخيرة، لأن العبوات المهربة مسجل عليها اسم «وكيل تجاري» لدولة خليجية شقيقة.

لذا فمن باب أولى أن يتم الاتفاق والتنسيق بين الحكومات والأجهزة المعنية في هذه البلدان، لتوحيد الرسوم والجمارك على الأقل فيما بينها، منعاً للتهريب البيني، وهو أسهل للمهربين بالطبع نظراً للتعاملات التجارية الكثيرة بين هذه الأطراف، وبذلك نكون قد قضينا على جزء من هذه المشكلة.

المتضرر الأخير في هذه المشكلة هو التاجر، ويجب أن نلفت النظر هنا إلى أن السلعة المهربة لو بيعت بنصف ثمن نفس السلعة التي تمر عبر المنافذ الرسمية ويدفع عليها رسوم وجمارك، سيحقق المهربون أرباحاً طائلة لأن الرسوم والضرائب تمثل بين 60 و75% من كلفة السلعة!

خلاصة القول... يجب أن تراعي الحكومة والجهات المعنية باتخاذ قرارات فرض الرسوم والضرائب، خطورة هذه القرارات، وآثارها السلبية على أطراف متعددة؛ ويجب أن تخضع هذه القرارات لدراسات دقيقة قبل اتخاذها لتحديد الآثار المتوقعة لها من كافة الجوانب، لأنه كما أوضحنا، فإن العوائد السلبية لهذه القرارات قد تكون أضعاف أضعاف إيجابيتها، بما في ذلك الجانب المادي، الذي يمكن أن تدفع الدولة أضعافه لوقف عمليات التهريب ومجابهتها.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1200918.html