صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5262 | الأربعاء 01 فبراير 2017م الموافق 18 رمضان 1445هـ

صوتٌ من تركيا

الكاتب: قاسم حسين - Kassim.Hussain@alwasatnews.com

أطلّ الصحافي التركي حسني محلي على الجمهور مساء الثلثاء، بعد خمسة أسابيع من الاحتجاز في السجن.

حسني محلي كاتبٌ بصحيفة «حريّت»، وكان يعمل في الـ «بي بي سي» لأعوام طويلة، وفي الأعوام الأخيرة اعتاد الجمهور العربي على إطلالته عبر بعض القنوات، لينقل صوتاً مستقلاً من داخل تركيا، يتمتع بالكثير من الموضوعية والاحترام، وغنياً بالخبرة والمعلومات أيضاً.

المفارقة أن محلي كان مقرباً جداً للسلطات التركية، وبقي كذلك حتى بدأ تدخل تركيا في جارتها العربية سورية، حينها بدأ يجهر بمعارضته للموقف الرسمي، وينتقد حكومة رجب طيب أردوغان، حيث كان يؤكد من البداية أن النظام السوري لن يسقط، لأن حلفاءه الدوليين لن يتخلوا عنه. وقد تنبّأ منذ بداية الحراك في البلدان العربية مطلع 2011، بأن يكون «الربيع العربي» دموياً، وهي قراءةٌ أثبت الواقع صحتها.

من هنا، تحوّل محلي من صحافي مقرّب للسلطات التركية، إلى ناقدٍ شديدٍ لسياساتها في السنوات الأخيرة. وفي الوقت الذي كانت هذه السلطات تنفي أي دعمٍ للتنظيمات الإرهابية، كان محلي يتكلّم عن حركة المسلحين عبر الأراضي التركية، ومعالجة جرحاهم في المستشفيات التركية والإسرائيلية. ومثل هذا الموقف المتمسك بالصدق والمهنية، يمكن أن يضع الصحافي مباشرةً على خط النار.

تركيا من الدول التي تضيق بحرية الصحافة، وقد أعلنت نقابة الصحافيين الأتراك العام 2014، عاماً أسود على الصحافيين، بسبب سياسة التعقب والملاحقة التي أسفرت عن طرد 981 صحافياً. وفي العام 2016، احتلت تركيا المرتبة الأولى في مجال احتجاز الصحافيين، حيث تم احتجاز أكثر من 80 صحافياً، في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل. كما تم إغلاق 80 مؤسسة صحافية وإعلامية، تمثل طيفاً كبيراً من المعارضة، سواء كانت أحزاباً وتيارات سياسية، تركية أو كردية، ما اعتبر انتكاسةً كبيرةً لحرية الصحافة والتعبير.

في هذا السياق، تم اعتقال محلي منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2016، بسبب تغريدات كتبها على موقع «تويتر»، اعتبرتها السلطات مسيئةً للسيد أردوغان، وقامت الأجهزة الأمنية بتفتيش منزله، وأعلنت مصادرتها «بعض المواد»، التي من المتوقع أن تستخدمها كأدلة ضده، وهي ربما لا تتجاوز أجهزة حاسوب، أو لابتوب، أو هاتف نقال، فالصحافي لا يملك سلاحاً ولا يفهم في صناعة المواد المتفجّرة أو الأحزمة الناسفة، وإنّما يتعامل مع الحوادث اليومية والأرقام التي تهم الرأي العام، ويعبّر عن رأيه بشأن ما يحدث في بلده ويؤثر على حاضر ومستقبل الناس.

الخطر على الدولة التركية ليس من الصحافيين، بكل تأكيد، فهم لا يملكون غير طرح الآراء، التي قد تعجب أو لا تعجب السلطات؛ وإنّما الخطر يأتي من عوامل أخرى، أحدها تضييق هامش الحريات وخنق أي صوت «آخر»، بحيث لا ترى السلطات في المرآة إلا وجهها، ولا تسمع إلا صوتها، ولا تتكلم إلا مع نفسها.

العامل الخطير الآخر الذي أشار إليه محلي، وجود خلايا نائمة لتنظيم «داعش» متغلغلةً في 70 منطقة تركية؛ وأن هناك 7 آلاف مواطن تركي ينتمون لهذا التنظيم ويقاتلون في صفوفه؛ وهناك تيار قوي بين صفوف الشعب يتضامن مع «داعش»، ويمكن أن يمثّل حاضنة شعبية، يصبح معها إعلان محاربته استفزازاً لهذه القاعدة، التي من شأنها أن تنفجر في أية لحظة، مسببةً الكثير من الدمار والدماء. وهو ما حصل في الأشهر الأخيرة بعدما أعلنت تركيا محاربتها للتنظيم رسمياً، ما جعله يدفع ببعض الانتحاريين، لتنفيذ عددٍ من التفجيرات والعمليات الدموية الصاخبة في أكبر المدن التركية.

حين سأل المذيع ضيفه عن توقعاته عن مسار القضية، قال إن القضاء جرى تسييسه وأصبح موالياً تماماً لأردوغان، ولم يبقَ في سلكه إلا من يتلقّون الأوامر من الحكومة، بعدما تم طرد خمسة آلاف قاضٍ، وتوقع أن تستمر محاكمته، وهو مهدّدٌ بالسجن بين عامين وسبعة أعوام، بسبب كتابة بعض التغريدات.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1206461.html