صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5267 | الإثنين 06 فبراير 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

عودة المغرب إلى «مؤسّسة الاتحاد الإفريقيّ»

الكاتب: سليم مصطفى بودبوس - slim.boudabous@alwasatnews.com

كثيرة هي الأقلام التي كتبت حديثاً عن «عودة المغرب إلى إفريقيا»، أو «المغرب تعود إلى حاضنتها الطبيعية»... إلخ، لكن متى كانت قد غادرتها حتى تعود؟ إنما المغرب علّق عضويته أو انسحب من مؤسسة الاتحاد الإفريقيّ (منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً) العام 1984 في ظروف خاصة احتجاجاً على قبولها انضمام جبهة البوليساريو في المنظمة، ذلك الكيان غير المعترف به من قبل منظمة الأمم المتحدة. نعم لم يغادر المغرب يوماً قارَّته، لا، ولا انشغل عنها وعن همومها، فعلاقاته متينة بمعظم دول إفريقيا، واهتماماته إفريقية قبل العودة وبعدها؛ فالمغرب تاريخاً وجغرافيّاً، اقتصاداً وسياسة، عادات وتقاليد، ديناً وحضارات إنما هو من إفريقيا وإليها.

لقد تحرّكت الدبلوماسية المغربية منذ القمة الإفريقية السابعة والعشرين، والمنعقدة بالعاصمة الرواندية كيغالي؛ وقرّرت المملكة المغربية الشقيقة رسميّاً العودة إلى العمل داخل مؤسسة الاتحاد الإفريقيّ بعد غياب دام اثنتين وثلاثين سنة. وها هي اليوم في قمة أديس أبابا يناير/ كانون الثاني العام 2017م تلقى ترحيب معظم الدول الإفريقية بعودتها، بعد استيفائها شروط الانضمام؛ حيث جاء القرار بغالبية الأصوات على رغم بعض الشدّ والجذب خلال الجلسات المغلقة للاتحاد.

لقد انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً (الاتحاد الإفريقي حاليّاً) احتجاجاً على قبوله عضوية جبهة البوليساريو (الصحراء الغربية) في الهيئة بما في ذلك من انقلاب على الشرعية الدولية، وفرض أمر واقع لا تقبله السيادة المغربية، وها هو يعود اليوم ولم تنسحب أو لم تُعلَّق عضوية «الصحراء الغربية» من المنظمة، لا بل لم تشترط المغرب شيئاً من هذا؛ ذلك أنّ الدبلوماسية المغربية، وبعد مرور عقود من الزمن اكتشفت أن سياسة الكرسي الشاغر لم تجدِ نفعاً في إدارة الملفّ الصحراوي، بل ربما منحت فرصة للصحراويين لمزيد إثبات حضورهم السياسي في المنتظم الإفريقي، كما منحت بعض الدول الإفريقية فرصة اللعب بهذه الورقة السياسية لأغراض ضيقة.

في هذا السياق انتهج المغرب سياسة العمل من الداخل لتعزيز موقفه داخل الاتحاد كما أشار إلى ذلك العاهل المغربي محمّد السادس في رسالته إلى قمة الاتحاد الإفريقي في العاصمة الرواندية كيغالي عندما قال إنّ «علاج الجسم المريض من الداخل سيكون أكثر نجاعة من علاجه من الخارج»؛ وهو الخيار الذي يرجحه معهد «آماديوس» للأبحاث والسياسات في الرباط في مقال منشور على موقعه الإلكتروني يرى أن مواجهة جبهة البوليساريو من داخل هيئة الاتحاد الإفريقي ستكون أسهل من مجابهتها خارج الاتحاد.

وهكذا، فيما يخص ملف النزاع الصحراوي أدرك المغرب أن سياسة الانعزال وتجميد العضوية لا تخدم أهدافه في البحث عن حل للقضية، والحفاظ على سيادته ووحدته الترابية، كما أدرك أنه وبوجوده داخل الاتحاد الإفريقي، ومن أجل دعم مقترحه للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، سيعمل المغرب حثيثاً على توظيف علاقاته الجيدة بدول إفريقيا والتي نسجتها الدبلوماسية المغربية منذ عقود، وطورتها في عهد العاهل المغربي محمد السادس، وعمّقتها في السنوات العشر الأخيرة لتغدو المغرب ثاني أهمّ مستثمر في إفريقيا بتخصيصه نحو 63 في المئة من استثماراته الخارجية نحو إفريقيا.

كما لا يخفى على أحد مكانة المغرب التاريخية والجغرافيّة على صعيد القارة الإفريقية، ما يحتّم عودته نظراً لقدرة هذا البلد العريق على إحداث الفارق والتأثير في القرارات الدولية، في ظرفية تاريخية تتسم بكثرة التحديات على واجهات متداخلة، لعل أبرزها الاستقرار والأمن في إفريقيا عموماً وشماله خصوصاً، وخاصة بعد أن أخذ بعداً دوليّاً مع تنامي خطر إرهاب الجماعات المتطرفة.

لا يشك عاقل بأنّ عودة المغرب إلى مؤسسة الاتحاد الإفريقي ستدعم مسيرة التنمية في إفريقيا، وتعزز نهج التعاون جنوب-جنوب، وترسخ السلم والأمن بما يصبّ في مصلحة القارة وشركائها من مختلف مناطق العالم. ولئن كان قرار الانسحاب بقيادة المغفور له الملك الحسن الثاني في لحظة تاريخية فارقة مؤلماً للجميع، ومعبراً عن سياسة دول الاستقلال في الرغبة في المحافظة على الوحدة الترابية وسيادة الدولة على أراضيها، فإنّ قرار العودة في عهد العاهل المغربي محمد السادس يعتبر خطوة سديدة، وثمرة سياسة حكيمة وواعية تؤكد نهج الواقعية السياسية للمغرب، وتبشّر بكل خير لها ولشركائها في القارة وخارجها. نعم، تنازلت المغرب عن شرط طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي للعودة إليه.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1208073.html