صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5278 | الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 18 رمضان 1445هـ

صراحة محمد بن راشد... «تشق القحفية»

الكاتب: سعيد محمد - saeed.mohd@alwasatnews.com

ربما أراد نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن يعلق أجراس إنذار متعددة، تقرع وتقرع لكي لا تسمعها الشعوب العربية والإسلامية فحسب، بل يلزم أن تصل إلى آذان وأسماع وعيون وعقول الحكام والحكومات... حتى أن بعض ما طرحه من الصراحة بحيث أنه «كلام يشق القحفية» كما نقول بالعامية الخليجية... أي؛ يمزق الطاقية تعبيرًا عن الصراحة الشديدة التي ربما لا يتحملها الناس.

لنذهب لبعض الوقت إلى القمة العالمية للحكومات التي استضافتها الإمارات في الفترة من 12 إلى 14 فبراير/ شباط2017، وكان عنوانها الرئيسي واللافت والمهم هو «سبل استئناف الحضارة العربية»، ذلك العنوان ضخم جدًا بحيث يثير حالة من الحساسية لدينا نحن كعرب ومسلمين، لا سيما وأننا نعيش فترة من أشد وأصعب المراحل فتكًا بالأمة، دون أن يكون لدينا مشروع حضاري واحد يفتح المجال أمامنا لكي ننهض. والأزمات تلم بالعالم العربي والإسلامي، من البديهي أن يؤلمنا غياب المفكرين والمثقفين والدعاة المصلحين وأصحاب الرأي والفكر، ويتقدم هنا وهناك، في بلاطات السلاطين والأساطين والحكام والرؤساء والملوك والحكومات، المنافق والمتسلق والفاسد ومصاص الدماء، لينتشر أولئك هم وقبيلهم حتى في الفضائيات وفي برامج التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني ليتحفونا بما لديهم من عصارة فكر وأخلاق وأدب ونتاج عمل وابتكار! بضاعتهم لا تعدو كونها قاموسا من الشتائم والتحريض والطائفية والتدمير والتفكيك وتأليب المكونات الاجتماعية على بعضها بعضا لكي ينهار المجتمع، ومع شديد الأسف، يحدث ذلك بمرأى ومسمع بل وبمشاركة من بعض الحكومات العربية والإسلامية في بعض الأحيان... إن بشكل مباشر وغير مباشر.

ذلك الضياع المذهل وخطر الإنهيار المدوي كان يشكل صميم اللقاء التاريخي والحيوي والصريح لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتلك الصراحة التي طرحها الشيخ محمد بن راشد لو ترجمت إلى برامج عمل حقيقية في كل الوطن العربي والإسلامي، لكانت هي الطريق الممهد لمشروع حضاري جديد ينطلق من وعي يتشكل لاستئناف الحضارة العربية، دون أن يكون قادتها أولئك المنافقين والمجرمين والفاسدين واللصوص الذين تستوعبهم بعض الحكومات وتحتويهم وتحتضنهم وهم ليس لديهم سوى مشروع حضاري حربي: الدعوة للاقتتال وإشعال الفتن والحروب وقيادة الصراعات بالوكالة ثم النتيجة هي ضياع أوطان غالية جدًا جدًا جدًا... وسط تصفيق (حمير وجراثيم الطائفية) في الخليج والوطن العربي بكل منصاتهم الإعلامية مدفوعة الأجر.

ترى، أي غد تتخيله لابنك وابني وأبناء الناس في بلادنا وأبناء خليجنا العربي ووطننا الإسلامي؟ وأي مستقبل ينتظرهم في غمرة هذا الدمار من حولنا وفي دواخلنا ودواعشنا ومصائبنا وحبائلنا التي نصنعها لبعضنا بعضا؟ ولعل النقطتين البارقتين والخاطفتين اللتين طرحهما سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بكل اقتدار وجدارة وصدق تلكما المتعلقتان بالبطانة (الحاشية التي تحيط بالحكام والمسئولين) والثانية هي (الإعلام).

يدرك مسئول كبير وقائد له اسهامات بارزة في مجالات التنمية كسمو الشيخ محمد بن راشد أن الحديث عن (بطانة وحاشية غير أمينة... غير صادقة... لا توصل المعلومات الحقيقية للقيادة... ولا تقدم للمسئولين التقارير والبيانات الصادقة عن حقيقة الأوضاع) هي مشكلة موجودة بالفعل ولا يمكن انكارها، ومع وجودها، فإن خطرها الأكبر هو أن تلك الحاشية الفاسدة هي جدار الصد المانع من التقاء تطلعات وطموحات وهموم الناس مع اهتمام القيادات وولاة الأمر... لكن المهم، أن على ولاة الأمر أن يتخلصوا من تلك القيادات، هكذا بكل بساطة، واستبدالهم بالمخلصين ممن يُعتمد على اخلاصهم وصدقهم في بناء الوطن.

أما فيما يتعلق بالإعلام العربي، وكانت الأسئلة تتوالى على سمو الشيخ محمد بن راشد عبر الجمهور وعبر المشاهد المسجلة بالفيديو من مختلف البلدان العربية، فإن الإشارة هي الأخرى كاشفة وعميقة حيث قال: «لدينا ما يقارب من 130 قناة فضائية كلفتها السنوية نحو 30 مليارا... غالب خطاب تلك القنوات هي صراع (سنة وشيعة)، وإذا استمرت على هذا الحال، سيفوتها القطار، وسنتجه للإعلام الاجتماعي»... والإعلام الاجتماعي الذي يشير إليه آل مكتوم هو الإعلام الذي يكتبه المواطن المخلص، النقي، المهتم بشئون بلده بلا نفاق ولا لهث وراء مصالح شخصية ولا إصابات بمرض الطائفية والولاء التجاري والتملق الممزوج بالفساد والنفاق الأصيل... كلام يشق القحفية فعلًا... أليس كذلك؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1211918.html