صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5288 | الإثنين 27 فبراير 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

أول راتب له 3 روبيات و12 آنة من مسح البلاط... وتنافس مع أخيه للعمل «فراشاً»

بالفيديو ... بوجيري... من عامل بناء إلى رئيس أحد أكبر البنوك في البحرين

لم يكن من السهل أن يلخص الرئيس التنفيذي السابق لبنك البحرين والكويت عبدالكريم بوجيري، والذي شغل العديد من المناصب في المؤسسات المالية والحكومية في البحرين، قصة حياته المهنية التي استمرت لأكثر من 40 عاماً في 50 دقيقة فقط، وهي المدة التي روى بوجيري رحلة حياته، إلى حشد من القادة والعاملين في الشركات البحرينية، في أمسية أقامتها جمعية البحرين للتدريب وتنمية الموارد البشرية للوقوف على تجربته الشخصية الناجحة والحافلة بالعبر.

وفي حديث اختلط بالدموع والابتسامة والمرح، كرر بوجيري امتنانه لجميع من ساهم في صنع نجاحه، إذ كان فخوراً بعائلته وخصوصا والدته ووالده، كما لم ينس فضل شريكة حياته، زوجته (أم طارق)، والتي جلست لجانبه في الأمسية، فهي رافقته ودعمته طوال مسيرته في الحياة.

أول عمل مسح البلاط بالأسمنت

ولا يخفي بوجيري شغفه بالعمل والقيادة منذ صغره، إذ أسس وهو بعمر الحادية عشرة فريقا رياضيا من أبناء الحارة، أطلق عليه اسم «فريق النضال الرياضي»، وعين نفسه فيه الرئيس والمدرب والأمين المالي والمسئول عن وضع النشرة للاعبين في المباريات.

ويستذكر بوجيري أول مرة عمل فيها بالقول: «أذكر ان أول عمل عملت به بأجر كان خلال العطلة الصيفية بعد إتمامي المرحلة الابتدائية، وذاك العمل كان البناء بأجر يومي كان مقداره 3 روبيات و12 آنة عند ابن خالة والدي، وكانت أول مهمة لي في هذا العمل هي مسح بلاط أرضية منزل جديد من دورين بالاسمنت الابيض، ولقد انقصم ظهري وانا أتم ذلك العمل، لان المهمة الموكلة لي وحيدا هي الانتهاء من مسح الاسمنت الابيض على كافة بلاط المبنى خلال اليوم نفسه، وكنت عازما على إثبات مقدرتي على القيام بالعمل لأحس بالرجولة، وكم كانت سعادتي وفرحتي بالغة عندما تلقيت أول أجر لي في حياتي من عرق جبيني والذي أعطيته كاملا وطوعا الى أبي لمساعدته. عملت بهذه المهنة قرابة الثلاثة أشهر، وهي كل فترة الاجازة الصيفية، وأذكر أنني عملت معظم هذه الفترة في بناء بيت حسن عليوي والد الأخ العزيز راشد عليوي، والذي كان يقع في نفس حارتنا بالقرب من مركز بلدية المحرق آنذاك».

العمل فراش في البنك الشرقي

وليست تجربة البناء تجربته الوحيدة في العمل خلال سنين عمره اليافعة، كما يقول بوجيري: «كنت أعمل خلال معظم عطلات الصيف من بعد ذلك كعامل بناء أو مساعد لحام أو كهربائي أو نجار أو في شركات خاصة أخرى، وفي إحدى السنوات كفراش في البنك الشرقي فرع المحرق، والذي كان يديره المرحوم عمي يوسف».

وبين بوجيري كيف كان يتنافس مع أخيه للعمل كفراش، وذلك لتجنب العمل في المقاولات الأكثر إرهاقاً.

نداء عبر الإذاعة لتدارك وصفة دواء خاطئة

ومن الطرائف التي يرويها بوجيري حين قام بآخر عمل له في العطلة الصيفية قبل الالتحاق بالجامعة، وهي صيدلاني بمستشفى النعيم براتب شهري كان مقداره 57 دينارا.

ويقول بوجيري: «حدث في أحد المرات ان صرفت دواء لامرأة أمية كبيرة في السن من منطقة النعيم، وكان الدواء للاستعمال الخارجي، الا أنني خطئا وصفته لها كشراب لثلاث مرات في اليوم، وبالصدفة اكتشف الهندي المسئول عني هذا الخطأ، وأكد بأن هذا الدواء سام وفتاك إذا أخذ عن طريق الفم، فتركت الصيدلية جاريا في محاولة اللحاق بها، إلا أنني لم أتمكن من ذلك، فعدت الى الصيدلية خائبا وقلقا وخائفا، فرفع الأمر الى خليل المريخي، والذي كان المسئول الاعلى في المركز، فما كان منه إلا أن اتصل بإذاعة البحرين، طالبا منهم تعميم نداء عاجل إلى المريضة بعدم استخدام الدواء ومراجعة المركز وتكرار هذا النداء كل عدة دقائق».

ويضيف بوجيري عن قصته مع سيدة صاحبة الدواء «في النهاية وبظهر ذلك اليوم حضرت السيدة الى المركز دون أن تتناول الدواء، وتم تدارك الامر على خير، إلا أنني وبخت توبيخا شديدا في ذلك اليوم، وتم نقلي مؤقتا من كاونتر الصيدلية الى المعمل الخلفي لتصنيع المراهم».

العمل في «ألبا» و«الإنجليزية» الركيكة

وخلال دراسته الجامعية وأثناء العطلات الصيفية عمل بوجيري أيضا لمدة 3 اشهر في العام 1974، وهو نفس العام الذي حصل فيه على رخصة القيادة، بقسم الارشيف التابع لدائرة المشتريات بشركة ألمنيوم البحرين .

ويتحدث بوجيري عن تجربته في «ألبا»: «عمل معي بنفس اليوم وفي نفس القسم صديق عمري الأخ محمد حسين بوجيري، والذى أصبح فيما بعد رئيسا تنفيذيا لبنك أثمار الاسلامي. وأذكر أنني قبل الالتحاق بهذا العمل أجريت بعض المقابلات مع المسئولين بالشركة كانت آخرها مع رئيس قسم المشتريات بالشركة حينها وليام ليفينغستون، والذي سألني من ضمن العديد من الاسئلة أن اتهجى له كلمة Lubrication فقلت له بلغتي الإنجليزية الركيكة آنذاك لا أعرف... ولو أنني كنت اعرف هذا الحد من اللغة لتقدمت للعمل لأعمل كاتبا بأحد البنوك أو بريتش ايرويز بدلا من «موظف فايلنغ» في شركة ألبا براتب شهري مقداره 40 دينارا».

رحلة حلب... وعدم قبوله في الهندسة

ويبدأ بوجيري في سرد قصة، وهو يعبر عن ثقته بالقدر المحتوم من الخالق، فقبل حوالي 45 عاما وبالتحديد في شهر سبتمبر/ أيلول1972 سافر ولأول مرة في حياته متوجها الى دمشق ومن ثم الى حلب، قاصدا الدراسة الجامعية بكلية الهندسة المدنية.

وحين سافر بوجيري إلى حلب كان عمره 17 سنة، وكانت الهندسة حلم حياته حينها، لذلك عمل جاهدا في المرحلة الثانوية للحصول على معدل يؤهله لالتحاق بكليات الهندسة. إذ حصل على معدل 72.6 في المئة في الثانوية، إذ اعتبر هذا المعدل حينذاك عاليا.

وفور وصوله الى حلب تقدم بطلب الالتحاق بكلية الهندسة، لكنه صعق لعدم قبوله بها وقبول أخيه عيسى بكلية الهندسة الكهربائية وزميليه عبدالله سلمان جواد بكلية الهندسة المعمارية.

شهر للاتصال بالبحرين

ويضيف بوجيري عن رحلة حلب «بدلا من قبولي في كلية الهندسة حصلت على مقعد في كلية العلوم الاقتصادية، وحيث انني لم أكن أرغب بدراسة الاقتصاد، قررت العودة الى البحرين ومنها الى بلد آخر لدراسة الهندسة».

وتابع «لم أكن امتلك قيمة تذكرة العودة فقررت الاتصال بوالدي، أطال الله في عمره، ليبعث لي بقيمة التذكرة عبر حوالة بريدية. ولما لم يكن متوافرا حينها اي وسائل اتصال سريعة كالموبايلات والايميلات... وكطلاب حالتنا متواضعة لم يكن لدينا بالشقة هاتف ارضي، اضطررت للجوء الى مكتب البريد العام في حلب للحصول على مكالمة هاتفية دولية... ففي ذلك الزمن الجميل لتعمل مكالمة هاتفية من حلب الى البحرين، كان يتوجب علينا عمل المكالمة عبر سنترال لندن او باريس.... المهم كنت أذهب يوميا الى مكتب البريد لمدة شهر كامل للحصول على فرصة التخاطب مع البحرين، وكنت أحصل على بعض الفرص، ولكن إما أن يكون الخط غير واضح أو تنقطع المكالمة قبل أن ابدأ في الكلام (...) بعد شهر طويل من الانتظار والمراجعات اليومية حصلت على فرصة التحدث مع الوالد وأخبرته بالأمر فقال لي: «يا ولدي، ما دمت انك قد وصلت الى حلب فلعله خير أن تدرس في أي تخصص، فالمهم هو حصولك على الشهادة الجامعية سواء كانت في الهندسة أو أي مجال آخر، فإنك لا تدري ما هو الافضل لك مستقبلا، وعسى أن تكره شيئا وهو خير لك».

40 ديناراً راتب والدي نصفها لنفقاتي وأخي الدراسية

ويواصل بوجيري حديثه «أظن أن أبي قال لي هذا الكلام لأنه كان محرجا من الإفصاح لي بأنه لا يمتلك قيمة التذكرة».

ويشير بوجيري إلى أن والده كان يعمل سائقا لسيارة أجرة وكان بالكاد يدر دخلا يساوي 40 دينارا شهريا يقتطع منها 50 في المئة ليوفرها له ولأخيه عيسى لتغطية مصاريف الدراسة والسكن وخلافه في حلب، والنصف الآخر كان يعيل بها بقية أفراد أسرته الكبيرة المكونة من 7 أخوة واخوات آخرين، بالإضافة الى والده وأعمامي الاثنين.

دراسة الاقتصاد والرسوب في الفصل الأول

وبعد المكالمة مع والده يقول بوجيري: «اصبت بإحباط شديد عندما تأكدت من أنه لا مفر من دراسة الاقتصاد»، فانصعت للواقع مجبرا لا بطلا، وبدأت بالانتظام في الدراسة في كلية العلوم الاقتصادية بعدما فاتني قرابة الشهر والنصف من الدراسة بها... وبعد انتظامي بها بفترة وجيزة أحببت الدراسة بها على خلاف ما كنت اتوقع، ولكن الدراسة كانت صعبة ومريرة واللحاق بالركب كان أصعب بسبب ما فاتني منها».

ويتذكر بوجيري أنه رسب في مادة الاقتصاد الرياضي في الفصل الاول من الدراسة بعد حصوله على اقل درجة في حياته في اي مادة كانت إذ حصلت على 6 من 100 في هذه المادة، واصبح عليه دور ثان لكي ينجح في هذه السنة الاولى، وهذا ما لم يعتد عليه طيلة حياته المدرسية.

وتابع بوجيري «لذا عقدت العزم على التعويض عبر مضاعفة الجهد، وبالفعل خلال السنوات المتبقية كنت اعمل بجهد كبير واستذكر دروسي قبيل الامتحانات بدءا من منتصف الليل وحتى الساعة الثامنة صباحا عندما يكون زملائي بالشقة قد ركنوا الى النوم لأحصل على الهدوء اللازم».

ويختتم بوجيري قصة حياته في دراسة الاقتصاد في حلب «بحمد الله تخرجت بعد 4 سنوات من الدراسة بعدما حصلت على المركز الاول بكليتي، ولقد كرمت بعيد العلم الثالث عشر على يد أمير البحرين الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، حتى أنني وتعبيرا عن تقديري لتضحيات وعناء والدي أطال الله في عمره سعيت الى أن يستلم والدي التكريم من قبل لدن الأمير بدلا مني... وهذا ما حصل».

ويقول بوجيري ان العبرة من سرد هذه حكاية حلب الطويلة هو أن الله اختار له الدراسة بكلية العلوم الاقتصادية بدلا من الهندسة: «هذا ما مكنني من الوصول الى ما وصلت اليه... ولو أنني كنت قد درست الهندسة لكان الوضع حتما مغايرا، وقد أكون انهيت مشواري العملي وانا تحت شمس صيف البحرين الحارقة أشرف على تخطيط شارع جديد أو مبنى حكومي براتب لا يشكل جزءا يسيرا من راتبي في المصارف... فالحمد لله على نعمه وعطاياه... وما أردت التأكيد عليه هنا أن أول عتباتي على الدرب الطويل لرحلتي الناجحة لم يكن أمرا مخططا له ولكن بسبب عامل خارجي لم يكن لي فيه يد بتاتا».

375 دينارا أول راتب في القطاع المصرفي

وبعد التخرج، عمل بوجيري مباشرة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني كرئيس لقسم التقاعد العسكري، الذي صدر قانونه متزامنا مع التحاقه بوزارة المالية في العام 1976.

وبعد عامين من أول عمل له في وزارة المالية، انطلق بوجيري في عالم المصارف، إذ كانت اول وظيفة لي بها هو متدرب تنفيذي في البنك السعودي آنذاك والذي تغير مسماه لاحقا الى البنك الفرنسي الشرقي (Banque de l’Orient de France) براتب شهري قدره 375 دينارا.

ربع قرن عمل في بنك الخليج الدولي

وبعد تخرجه وعمله لمدة عامين بوزارة المالية ومن ثم لمدة عامين آخرين بالبنك السعودي، التحق بوجيري ببنك الخليج الدولي، والذي عمل فيه قرابة الربع قرن تدرج خلالها من وظيفة منسق للقروض المشتركة الى أن أصبح نائب رئيس تنفيذي مسئولاً عن مجموعة الصيرفة المؤسساتية والعلاقات المصرفية الدولية.

وذكر أنه خلال عمله في بنك الخليج الدولي تلقى العديد من الدورات التدريبية في العديد من دول العالم، لعل اهمها الدورة الائتمانية بمدينة جليفادا باليونان، والتي كانت لمدة 6 اشهر وبترتيب من سيتي بنك.

وخلال عمله بالبنك تنقل الى العديد من الدوائر منها ادارة الائتمان والتحليل المالي والتدقيق والعلاقات مع الشركات المتعددة الجنسيات والاعمال المصرفية مع دول مجلس التعاون الخليجي ودول منطقة الشرق الادنى، وكذلك مع الشركات البتروكيمياوية في منطقة الجبيل بالمملكة العربية السعودية، كما انتدب لمدة عامين للعمل بفرع البنك بمدينة لندن مسئولا عن العلاقات مع الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

الانتقال إلى بنك البحرين والكويت

وفي شهر يناير/ كانون الثاني2002، انتقل الى العمل ببنك البحرين والكويت كمساعد للمدير العام لشئون الشركات المحلية والعلاقات الدولية، وتدرج في المناصب حتى عين في شهر أغسطس/ آب2007، كرئيس تنفيذي بالوكالة، الى أن تمت ترقيته كرئيس تنفيذي للمجموعة في شهر ابريل/ نيسان2008، إذ تبوأ هذا المنصب الى أن تقاعد عن العمل في شهر ابريل/ نيسان2016.

وخلال رحلته مع بنك البحرين والكويت، حصل على لقب مصرفي العام من قبل مؤسسة World Finance اللندنية، وذلك في العام 2009، كما تبوأ منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرفية بالبحرين لدورتين متتاليتين.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1215336.html