صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5295 | الإثنين 06 مارس 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الشقيقان آل شهاب وعالم النشر (2)

الكاتب: وسام السبع - wesam.alsebea@alwasatnews.com

اتضح أن الانطلاقة للشقيقين الحاج عبدالعزيز والحاج حميد ابني عيسى شهاب الدرازي في عالم النشر جاءت عبر تأسيسهم لحملة الحج والعمرة والزيارة في مطلع ستينات القرن الماضي، وكانت البداية مع ملا عبد الحسين العرادي (ت 1985) قبل أن يستقل الشقيقان بحملتهم الخاصة التي عُرفت بـ«حملة الشهابي» للحج والعمرة، قبل أن يعتزما تأسيس المكتبة.

وقصة هذين الشقيقين تُعد من قصص الكفاح الدّالة على قيم الوفاء والمثابرة التي كان يمتاز بها ذلك الجيل العصامي الذي شقّ طريق الصعود بكثيرٍ من العناد والتصميم على النجاح، فقد كان الشقيقان روحاً واحدةً في جسدين، فقد رُبّيا في حِجرٍ واحد، واشتدّ عودهما في بيئة أسرية تنعم بالصلاح، وكانا رفيقين لا يفترقان، جمعتهم هوايات مشتركة وهموم واحدة؛ فقد شُغف الاثنان بُحب القراءة وتقدير الكتاب، وعملا معاً في حملات الحج والعمرة والزيارة، وكانا خطيبين ربطتهما بالمنبر الحسيني سنوات من العطاء والخدمة. ومن غريب المصادفات أن الشقيق الأكبر عبدالعزيز كان يعاني منذ صغره من إصابةٍ في عينه اليسرى أطفأت منها نور البصر، بينما كان الحاج حميد يعاني الإصابة ذاتها ولكن في عينه اليمنى.

ونتيجة لخبرتهما في عالم السفر والسياحة الدينية بدأ الشقيقان باستيراد الكتب الدينية من العراق، وافتتحا في العام 1950 مكتبة تجارية في العاصمة المنامة لبيع وتوزيع الكتب باسم «مكتبة العلوم العامة»، وسرعان ما توسعت أعمال المكتبة بحيث أصبحت من أشهر المكتبات التجارية في البلاد، وتوسّعت صلاتها بدور النشر في العراق، وبعد إقدام النظام العراقي على إغلاق الكثير من المكتبات ودور النشر اتجهت المكتبة إلى التعاون مع المكتبات ودور النشر في لبنان وإيران، وأخذت ترفد القراء البحرينيين بما يحتاجونه من كتب في مختلف المجالات.

وقد بدأت المكتبة تنشر بعض الكتب الشعرية والأدبية والدينية في منتصف ستينات القرن الماضي، وتركز معظم إصدارها من الكتب في التراث الحسيني والثقافة الإسلامية.

وقد استقل الحاج حميد عن أخيه عبد العزيز في العام 1975، فافتتح مكتبةً أخرى قريبة منها حملت اسم «مكتبة الإرشاد العامة»، لتبدأ هي الأخرى في طباعة الكتب الدينية والأدبية والتاريخية، وتسير أعمال المكتبتين في خطٍ متوازٍ في الاهتمام بالتراث وتلبية الطلبات المتزايدة في البحرين لنشر التراث الشعري الحسيني على وجه الخصوص.

وُلد الحاج حميد في العام 1926، ولم يتح له من العمر أن يعيش طويلاً، فتوفي عام 1982 في ذروة عطائه في عالم النشر عن عمر يناهز 56 عاماً، لكنه تمكّن خلال عمره القصير أن يفعل ما عجز عنه الكثيرون من ذوي الأعمار الطويلة والذكر الخامل.

وقد ربطته –مع شقيقه- علاقة وثيقة بالشيخ حسين الأعلمي الحائري، صاحب «مؤسسة الأعلمي للطباعة والنشر»، والسيد محمد مهدي بحر العلوم صاحب «دار الزهراء للطباعة والنشر» في بيروت، والحاج جعفر الدجيلي صاحب «دار الأضواء»، وهم من أقوى دور النشر والطباعة في لبنان في ذلك الوقت، وجمعتهم أعمال مشتركة في طباعة وتوزيع الكتب الدينية والتراثية.

واتجه الشقيقان الشهابي لطباعة الكتب في الهند في الثمانينات عقب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وتعاونا مع الناشر الهندي الشهير «سجي ديفا»، صاحب «مكتبة إشاعة الإسلام» في مدينة دلهي، وطبعت لهم هذه المطبعة كتباً كثيرة، وعدد من المصاحف والتفاسير وأجزاء متفرقة من القرآن الكريم، بل استطاعت هذه المكتبة أن تلبي حاجة الكتاتيب (المطوّع) لأجزاء القرآن الكريم خصوصاً جزء عم، بورقها الأصفر وخطوطها المميزة التي لا زلت أتمثل شكلها في ذهني، وأنا طفل أتردّد على واحدة من نساء الحيّ الذي كنا نقيم فيه لنتعلم القرآن.

وقد أخذ الحاج حميد بعد تأسيسه مكتبته بالتوسع في طباعة الكتب التي تلبّي حاجة القراء في البحرين وترضي أذواقهم، فطبع على سبيل المثال «قصة عنترة بن شداد» كإصدار مشترك مع مؤسسة الأعلمي، ثم توالت الإصدارات الخاصة بالمكتبة لتأخذ في الثمانينات منحى متصاعداً خصوصاً لجهة تنامي الوعي الإسلامي.

ومن إصدارات دار الإرشاد العامة: «ديوان شعار الحزين في رثاء آل النبي وآله الطاهرين» لملا جاسم محمد نجم الجمري، و»جواهر الأفكار في رثاء السادة الأطهار» لمهدي بن ملا علي آل انتيف، و»تنفيه الخاطر وسلوة القاطن والمسافر» للشيخ محمد علي الناصر، وديوان «ينبوع الشجار وإسعاف الخطباء في رثاء محمد وآله النجباء» لملا سعيد بن شيخ عبدالله بن أحمد بن إبراهيم العرب، وديوان «النصرة العرادية» لملا عبدالحسين بن راشد العرادي، و»نفحات الشهاب في رثاء محمد وآله الأطياب» لملا عباس الحاج أحمد شهاب، وكتاب «روح الجنان في مختصر أعمال رمضان» للشيخ حسين بن علي البلادي، وعدد كبير من الكتيبات في مواليد ووفيات الأئمة وسيرتهم.

كما شملت إصدارات المكتبة تشكيلة واسعة من المصاحف بخطوط أشهر الخطاطين في ذلك الوقت، ومن أهم ما أصدرته في هذا الإطار: القرآن كريم بخط السيد مصطفى نظيف الشهير بقروغلي، وبهامشه «تفسير الجلالين» بتعليقات علي محمد الضباع، والقرآن المجزّء.

لقد كان الحاج حميد يحتفظ بعلاقات واسعة بعلماء وشعراء وخطباء المنبر الحسيني في البحرين وخارجها، وكان خطيباً حسينياً قرأ في أغلب مناطق البحرين، مثل بوري وجدحفص وعراد والدير، إلى جانب قراءته في دار أخيه الحاج عبدالعزيز بدءاً من الخمسينات.

وكانت داره بمثابة ملتقى لأهل العلم والفضيلة، وكان لهم مجلس للتعزية ليلة الثلثاء من كل أسبوع لا يزال ينعقد بصورة دائمة حتى الآن، وقد تحوّل في العام 1982 إلى مأتم وأعيد بناؤه في العام 1986.

وقدّر لهذا المجلس أن يلعب دوراً كبيراً في حياة الشقيقين، فقد اتخذ في بداية الأمر مقراً رسمياً لحملتهم للحج والعمر والزيارة، وكان أيضاً مقراً لإقامة الوفود العلمية التي كانت تحضر البلاد ضمن المواسم الثقافية التي كانت تقيمها «جمعية التوعية الإسلامية» في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

تُوفي الحاج حميد الشهابي في الكويت في ذروة عطائه لإصابته بالفشل الكلوي في 30 يناير/ كانون الثاني 1982، عن عمر يناهز 56 عاماً، وقد خلفه في إدارة المكتبة ابنه حسين، ولاتزال المكتبة مفتوحةً حتى اليوم تستقبل زبائنها من المهتمين بالكتاب في مقرّها قرب مجمع دلمون الواقع على شارع الشيخ عبدالله في قلب سوق المنامة، فيما توقّف نشاطها في عالم النشر والتوزيع.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1217690.html