صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5300 | السبت 11 مارس 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ماذا يعني إفلاس دولة؟

الكاتب: جعفر الصائغ - .

حين تعلن شركة ما عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية أمام الدائنين فهذا يعني أنها في حالة إفلاس تام (Bankruptcy)، عندها تضع المحكمة المختصة يدها على ممتلكات الشركة، ولا يبقى أمام تلك المؤسسة إلا خيار واحد وهو التوقف عن الإنتاج وتصفية كل أملاكها وحساباتها المصرفية، وذلك لتسديد أكبر قدر ممكن من الديون المتراكمة عليها، وتبدأ بتسريح العاملين لديها قبل أن تجد طريقها إلى خارج السوق.

حدث ذلك مع المئات من الشركات الدولية والمحلية. فعلى سبيل المثال قبل عشر سنوات أعلنت شركة «روفر» البريطانية لصناعة السيارات عن غلق أبوابها بعد أن تعرّضت إلى انتكاسة مالية ماحقة، أدّت إلى إفلاسها ما أجبرها على تسريح أكثر من 5000 عامل. وكذلك شركة «كوداك» العريقة في صناعة الكاميرات والأفلام التي أعلنت إفلاسها بعد أكثر من مئة عام من النجاح. وفي دول مجلس التعاون، وليس ببعيد، اختفت من الوجود كل من شركة طيران البحرين وشركة طيران سما السعودية بعد أن لحقت بهما خسائر مالية كبيرة ما جعلهما غير قادرتين على الوفاء بالتزاماتهما المالية.

وعادةً ما يكون السبب وراء إفلاس الشركات هو الاقتراض لعدم توافر السيولة، أو انخفاض في الطلب على منتجاتهم بسبب ركود اقتصادي أو تدهور في الوضع الاقتصادي للدولة.

ولكن ماذا عن إفلاس دولة؟ هل يمكن للدولة أن تعلن إفلاسها؟ وهل ينطبق عليها ما ينطبق على الشركات والمؤسسات التجارية والاستثمارية؟ هل تقوم الدولة المفلسة بتسريح موظفيها؟

الدول لا تفلس بمعنى الإفلاس (Bankruptcy) الذي نراه في الشركات الاستثمارية، ولا يوجد كما هو الحال في الشركات محكمة دولية يمكن أن تضع يدها على أصول وممتلكات الدولة لبيعها وتسديد مستحقات الدائنين. فالدولة لها سيادتها الخاصة ولا يسمح القانون الدولي بتجاوزها. إن حالة الإفلاس في الدولة هي عندما تكون عاجزة عن سداد ديونها (Default) وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى مثل دفع الرواتب والأجور ودفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع. في مثل هذا الوضع تكون الدولة ضعيفةً مالياً، لا تستطيع تسيير الأمور الاقتصادية والاجتماعية. ولكن وبطبيعة الحال، لا تعلن الدول إفلاسها بنفس الطريقة التقليدية التي تعلن بها الشركات إفلاسها، لاسيما أن النظام أو الحزب الحاكم يخشى فقدان الثقة الاقتصادية والسياسية مما قد يضر بمستقبله السياسي. فقبل أن تصل إلى درجة الإفلاس تلجأ الدولة إلى اتخاذ إجراءات صعبة للغاية مثل زيادة الضرائب وخفض النفقات العامة ووقف التوظيف في القطاع العام، كما قد تلجأ إلى البلدان الصديقة أو المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو نادي باريس لإقراضها وإنقاذها من الوضع المالي الصعب. ومن أهم أسباب إفلاس الدولة هو انخفاض حاد في الإيرادات العامة مما قد يؤدي إلى ارتفاع في المديونية أو لسبب أزمة اقتصادية خانقة نتيجة لسياسات وقرارات خاطئة، أو لسبب خسارة الدولة للحرب مع دولة أخرى، وقد حصل ذلك لدول أوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.

إفلاس دولة يعني انهياراً تاماً للاقتصاد الوطني، وتدهوراً في الوضع المعيشي، وارتفاعاً في معدل البطالة بشكل يهدّد الأمن الاجتماعي والسياسي، وحالة من الفوضى في المجتمع. فثقة المستثمرين في المناخ الاستثماري للدولة المفلسة قد تصل إلى الصفر، مما قد يشجّع الأموال المحلية والأجنبية على الهجرة إلى أماكن أكثر أمناً. كما أنه ومنعاً من الانهيار التام وحمايةً للقطاع المصرفي، قد تلجأ الدولة لوضع قيود مؤقتة على عمليات السحب النقدي من البنوك، مثل وضع سقف أعلى لعمليات السحب، أو السماح بالسحب في أوقات محددة، وقد يصل الوضع إلى إغلاق أبواب المصارف إلى أن تتراجع حدة الأزمة.

والأخطر من ذلك عندما تكون للإفلاس تداعيات خطيرة على سيادة الدولة والنظام القائم، فعندما تضعف الدولة اقتصادياً وتكون عاجزةً عن حماية نفسها والدفاع عن شعبها، يكون البلد معرَّضاً إلى استعمار من قبل دول أخرى أو لوصاية دولية، أو انقسامها لأكثر من دولة، فيصبح البلد دون سيادة فعلية. وقد حصل ذلك لدول كثيرة مثل اليونان التي أصبحت تحت رحمة ووصاية صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي.

السودان، وقبل أن يتجزأ إلى دولتين، كان في حالة قريبة جداً من حالة الإفلاس، حيث كانت الدولة المركزية ضعيفةً مالياً بسبب تراكم الديون عليها، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية، فأصبح البلد بأكمله في حالة فوضى مما شجّع بعض الأقاليم على طلب الانفصال.

إن تداعيات وخطورة الإفلاس تختلف من بلد إلى آخر، فطبيعة النظام الحاكم تحدّد بشكل كبير حجم تلك التداعيات وخطورتها. فعلى سبيل المثال في البلدان الأكثر ديمقراطية والتي بها مؤسسات ديمقراطية أكثر، يؤدي الإفلاس إلى احتجاجات واعتصامات شعبية تجبر الرئيس أو الحزب الحاكم على الاستقالة، ومن ثم انتخابات مبكرة فيدخل البلد في حالة فوضى وشلل تام في الحياة السياسية. الأرجنتين وبعد أن أعلنت إفلاسها العام 2001 تعاقب على رئاستها أربعة رؤساء خلال أقل من سنة، وهذا يكفي للتدليل على مدى قوة الأزمة المالية التي وقع فيها هذا البلد. عدد من الدول أعلنت إفلاسها أكثر من مرة، الأرجنتين مثلاً أعلنت إفلاسها مرتين خلال 13عاماً، إسبانيا أعلنت إفلاسها 4 مرات خلال سنة واحدة وذلك في القرن 16 وكان السبب هو التبذير والإنفاق العسكري المفرط لحماية تجارتها مع أميركا. ومن الدول التي أعلنت إفلاسها أيضاً روسيا العام 1998 عقب الانهيار الكبير في اقتصادها.

أما في البلدان غير الديمقراطية فتكون نتائج الإفلاس أكثر خطورةً على كيان الدولة وسيادتها، وعلى الاستقرار الأمني والاجتماعي، حيث أن البلد يكون معرَّضاً للتفكّك والتقسيم، وإلى حرب أهلية طاحنة قد تستمر لفترة زمنية طويلة، ما قد يشجّع دولاً أخرى على التدخل في هذا البلد لتعجيل تقسيمه إلى دويلات صغيرة.

كم من الدول العربية على شفا الوقوع في الإفلاس إما بسبب سياسات اقتصادية خاطئة، أو ترهل الشركات والمؤسسات العامة من جراء نخر الفساد لها وهدر الأموال العامة؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1219147.html