صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5308 | الأحد 19 مارس 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ترشيق وترشيد أجهزة الدولة... كيف؟

الكاتب: يوسف مكي (كاتب بحريني) - comments@alwasatnews.com

خلال الأيام الأخيرة يدور الحديث بشأن إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، وذلك بما يتناسب والظروف الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البحرين منذ فترة .

ووفقا لما هو متداول، فإن الدمج فيما بين أجهزة الدولة، وتقليص عددها هو ما سيحدث، وأن هذا الدمج هو الأسلوب الأنجع للتغلب على الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

من دون شك فإن هذا الإجراء له عدة معانٍ، من ضمنها هو الاعتراف الضمني بترهل جهاز الدولة، ووجود مؤسسات وأجهزة كثيرة ليس لها داع من الأساس ومنذ سنوات، ودورها غير مفيد من حيث المنافع الاقتصادية والاجتماعية، لكنها كانت قائمة بالفعل، لاعتبارات ليس لها علاقة بالمصلحة العامة ولا بمنطق الاقتصاد، وتستهلك مبالغ طائلة من الموازنة العامة، دون أن تقدم خدمات حقيقية للمجتمع تتناسب وهذه المبالغ التي تصرف عليها.

ويبدو لنا أن الاجراءات التي ستتخذ لتقليص هذه المؤسسات في جهاز الدولة بشكل عام، وكما هو متداول والمتمثلة في الدمج فيما بين تلك الأجهزة المتعددة، ربما تكون مفيدة وتحد من الهدر العام، لكنها إجراءات تظل ترقيعية، وليست حاسمة في انتشال الترهل من أجهزة الدولة، لأن الدمج يقلل من عدد الأجهزة ظاهريا، أما الأجهزة فتبقى هي هي من حيث المضمون والآليات.

فعندما تندمج وزارتان –على سبيل المثال– في وزارة واحدة، فإن ما سيحدث هو خلط هذه بتلك مع كامل الامتيازات لطرفي الاندماج، وتحت مسمى واحد هذه المرة. وهذا الاندماج في حقيقته يحدث ترهلا من نوع آخر، من خلال تجميع وزارتين لبعضهما بعضا، وكل ما تغير فقط هو الاسم، أي أن الوزارتين أصبحتا تحت اسم واحد، ولكن البنية التحتية للوزارتين ستظل تعمل في الواقع كبنيتين. والدمج غير الإلغاء.

وهذا الدمج أو الإلغاء لا يكفيان لوحدهما، بل لابد من إلغاء الامتيازات التي تتناسب ومبدأ الترشيد والترشيق والعقلانية لأجهزة الدولة.

وفي ضوء ذلك إذاً ما العمل؟

أظن أن إجراءات الدمج ربما تكون مفيدة إلى حد ما في بعض الأجهزة المتشابة أو المتطابقة من حيث الوظيفة، لكنه كإجراء ليس مفيدا على المدى المتوسط والبعيد، ولا يحلّ شيئا.

أما الإجراء الحقيقي الذي من شأنه أن يوفر كثيرا من الأموال ويقلص من الجهاز الحكومي، ويقلل من المصروفات التي لامبرر لها، نقول ان الاجراء الحقيقي يتمثل برأينا في إجراءات الإلغاء وليس الدمج. ذلك أن ترهل جهاز الدولة يتجلى في وجود أجهزة وإدارات وهيئات ووزارات ومسميات كثيرة، لا تستفيد منها الدولة ولا المجتمع، السبب الجوهري الذي يدعو إلى طريقة الالغاء وليس الدمج، اذا ما أردنا ترشيق الدولة حقا وترشيدها.

فوجود الشحم الإداري المترهل وغير المفيد في جهاز الدولة، هو دليل حالة مرضية مزمنة يعاني منها هذا الجهاز، وبالتالي لا بد من إزالته.

ومع ذلك تبقى كل تلك الاجراءات تمثل جانبا من الحالة البحرينية، وأن معالجة الوضع الاقتصادي سواء بدمج أو بإلغاء بعض أجهزة الدولة لن تحل المشكلة في البحرين. لماذا؟

الجواب بسيط جدا لأي متابع للوضع العام في بلدنا. وخاصة إذا ما تم التعامل مع الأمور من جميع جوانبها، وذلك بأن للأزمة الاقتصادية، مع أخذ كل الأبعاد بعين الاعتبار، ومن ضمنها الانخفاض في أسعار النفط، وجهها السياسي، بمعنى أن بلدنا يعاني من أزمة مركبة أحد وجوهها اقتصادي، والوجه الآخر سياسي بطبيعة الحال، وفي ضوء ذلك نحن بحاجة إلى نوعين من الاجراءات المتوازنة والمتزامنة والمتبادلة التأثير جدليا.

الإجراء الأول اقتصادي وعاجل ويتم بالتوافق وليس من طرف واحد، مع الفعاليات المجتمعية التجارية والاقتصادية والسياسية.

ثم الاجراء الثاني والمتمثل في تدشين حالة سياسية تقطع نهائيا مع الحالة القائمة، والتي من شأنها إخراج البلاد والعباد من مأزق تاريخي لم تمر به البحرين من قبل، بحيث يستطيع الكل ومن موقعه أن يشارك في خدمة البحرين في السراء والضراء، كما يشارك في المغانم والخسائر.

نحن بحاجة إلى إجراءات اقتصادية وسياسية تحتضن الجميع، ليتحمل الجميع مسئولياتهم تجاه البحرين. ودون النظر إلى الوضع الاقتصادي واجراءات ترشيق جهاز الدولة من منظور سياسي جامع، نصبح كمن يدور في دائرة مفرغة ودون فائدة.

وكما نحن بحاجة إلى مارشال اقتصادي، فإننا في الوقت عينه بحاجة إلى مارشال سياسي، وفي مثل حالة البحرين لا نبالغ عندما نؤكد بأن الوجه الاقتصادي في الحالة، يستدعي الوجه السياسي، وكل منهما يستدعي الآخر بالضرورة. فلا اقتصاد بدون سياسة ولا سياسة بدون اقتصاد.

هنا بالضبط يمكن الحديث عن ترشيق حقيقي لجهاز الدولة، ووضع الأمور في نصابها الصحيح قبل فوات الأوان.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1221772.html