صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5324 | الثلثاء 04 أبريل 2017م الموافق 18 رمضان 1445هـ

اثنان من أبنائها تحدثا بالوثائق والكتب والقصص تاريخياً واجتماعياً وثقافياً...

لمحات «نويدراتية»... من النشأة إلى الموقف المشهود: يا «وينسبير»... البحرين عربية مستقلة

يستعيد مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي الباحث والكاتب منصور محمد سرحان اللقاء الذي استضافه نادي النويدرات الرياضي والثقافي في العام 1970 عندما استقبل أهل النويدرات المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة فيتوريو وينسبير جيوشياردي للاستفتاء على عروبة واستقلال البحرين وكان سؤال الاستفتاء الأبرز: «كيف ترى مستقبل البحرين؟» وبعبارة أخرى: «استقلال، أم انضمام إلى إيران؟»، وتحديداً حين وجد وينسبير إجماع الأهالي على موقفهم الوطني وقال معلقاً: «البحرين دولة صغيرة وتريدون الاستقلال؟»، فكان الجواب: «البحرين عربية مستقلة»، تبعتها عبارة حرفية قالها سرحان آنذاك: «فيتنام شعب وبلد صغير... لكنها انتصرت على أميركا ونالت استقلالها».

على منصة ندوة بعنوان: «النويدرات.. تاريخياً واجتماعياً وثقافياً»، استضافها نادي النويدرات مساء الاثنين (3 أبريل/ نيسان 2017) وأدارها جعفر الصميخ ليعلن عن التوجه الجديد للنادي بتفعيل النشاط الثقافي ضمن برنامج يشمل اللقاءات والندوات المختلفة، تحدث كل من الكاتب منصور محمد سرحان والباحث عبدعلي محمد حسن ليأخذوا الحضور من المهتمين والأهالي في تجوال بين الوثائق والكتب والصور والقصص بدأت بورقة حول نشأة القرية والدراسات والوثائق المرتبطة بتاريخها تحدث فيها حسن مُقدماً معلومات تمثل جهده وجهد مجموعة من الباحثين النويدريين الذين لهم باع طويل في البحث العلمي.

وفي حديثه عن: «نشأة قرية النويدرات»، اعتمد على مجموعة من الوثائق المتاحة مما تيسر الحصول عليه، معلقاً: «فلا غرابة أن نحصل على مثل هذه الوثائق لأن عندنا أناس (يعسعسون) ويدورون وينظرون في الكتب القديمة»، فمن تلك المصادر التي اعتمد عليها هي بعض الوثائق المكتوبة التي نسخت في سنوات متفرقة، وبعضها من كتب قديمة لم يكن يهتم بها الناس، بالإضافة إلى بعض الدراسات التي تناولت قرية النويدرات وهي كثيرة تحتاج إلى جهد بحثي، وهناك أيضاً بعض الوثائق من تاريخ القرية حيث نشطت حركة نسخ لبعض الكتب التاريخية والدينية في المجتمع النويدري على يد بعض النخبة.

الهجرة إليها من حولها

يلفت عبدعلي محمد حسن إلى أن النويدرات ليست من القرى التاريخية الموغلة في القدم كشأن الكثير من القرى والبلدات البحرينية التي لها عمر بعيد، وربما يصل عمرها إلى نحو 350 عاماً، وصاحب نشأتها انتهاء قرى وبلدات مجاورة لها أبرزها بلدة بربورة وسلبا وشباثة وغيرها حيث تعتبر قرية النويدرات الوريث الشرعي لقرية بربورة كونها محيطة بها، وفي تلك الفترة، كانت هناك هجرة شبه جماعية من قريتي عسكر وجو ومنطقة فارسية وشباثة الزراعية ومرفأ سلبا إلى قرية النويدرات الناشئة وتوأمها قرية المعامير، ولأنها قرية ليست حديثة، فمن الطبيعي أن تكون لها هجرة، وهذه ميزة من مميزات قرية النويدرات التي تضم عدداً كبيراً من العوائل القادمة من مختلف مناطق البحرين تماماً كأي مدينة حديثة تنشأ الآن كمدينة عيسى ومدينة حمد ففيها مواطنون من كل مناطق البحرين، وقد هاجرت الكثير من العائلات إلى النويدرات من المرخ، العكر، سند، سترة وغيرها، وهناك عوائل كثيرة في النويدرات يصل عددها إلى 65 عائلة (وليس أسرة)، وفد معظمهم إليها قبل 300 إلى 350 سنة وبعضهم بين 150 إلى 200 سنة وتشكلت القرية.

أما عن التسمية، فيذهب حسن إلى أن: هناك ثلاث روايات، الأولى تقول أن هناك شخص اسمه (نويدر)، وقد سمعنا ذلك من كبار السن، كما هو (عامر) في المعامير، ونويدر أو نادر هو من أنشأ النويدرات، وهذه رواية لاتزال ماثلة في عقول الناس لكنها لا تستقيم مع السياقات الفكرية التي يمكن استخلاصها ولا تتناغم مع الأدلة التاريخية، فالرواية سيطرت على أذهان الناس واضطر بعض المهتمين لتكرارها إلا أنها لا تصمد للمناقشة ولا يمكن اعتمادها كحقيقة تاريخية لعدة أسباب منها أن هناك تضارباً حاصلاً في الرواية، فالبعض يقول أن نويدر نزح من القرى المجاورة وجاء وأسس نويدرات، ولو كان هو المؤسس فلابد أن تكون له ذرية وعائلة ولم نجد ذلك، أما الرواية الثانية فمصدرها الباحث سالم النويدري الذي ذهب إلى أن هذه القرية تحوي نخيلاً تسمي النويدرات، ورطبها يعرف بندرته ولكن الباحث لم يحدد نوع هذا التمر الذي تميزت به نخيل النويدرات وعرفت بندرته ولم يذكر اسمه، ثم إنه لا توجد بين أسماء النخيل المتداول ما يسمى بهذا الاسم، وليس هناك نخلة اسمها نويدر ولو كان ذلك سبباً لتسمية القرية لتمسك الناس بهذ السبب وعليه فهذا الرأي لا يصمد.

نوى... درا... جغرافيا

ويواصل حسن سرد الرواية الثالثة فيقول: «الرواية التي أميل إليها ذكرها الباحث محمد أحمد سرحان، الذي يذهب إلى تفسير جغرافي ولغوي للتسمية، وهي كون منطقة النويدرات تشكل منخفضاً أشبه بالوادي الذي يقع بين مرتفعين، غربه منطقة الرفاع وشرقه العكر، وكلا المنتطقتين ذات ارتفاع نسبي، فتكون منطقة النويدرات المنحصرة بينهما أرضاً منخفضة أشبه بالوادي، وحين نتجه إلى اللغة الفارسية التي كان لها وجود في تلك الفترة بحكم تبعية البحرين للحكم الفارسي في فترة ما، نجد أن كلمة نويدرات تتكون من كلمتين هما: (نوى) و (درا) ومعناها كلمة الوادي الجديد، ويرجح هذا الافتراض الطبيعية الجغرافية لمنطقة تم استصلاحها للزراعة والسكن، ويشكل هذا الافتراض رأياً علمياً مدعوماً بالأدلة - ومع أنه ليس ثابتاً - ولكنه افتراض علمي وليس رواية شعبية كنويدر أو رطب متميز».

وثيقة عقد صلح

وعن النشأة التاريخية، يقول حسن أن المرجح جداً أن بدايات نشأة قرية النويدرات كانت قبل بدايات القرن الثامن عشر الميلادي أو منتصف القرن الحادي عشر الهجري بعمر زمني لا يتعدى 350 عاماً (من 1620 إلى 1710 أو في هذا الحدود)، وفي هذه الفترة، شهدت البحرين أحداثاً مأساويةً رافقها هجرة إلى البصرة وإيران والهند بسبب تلك الأحداث، بالإضافة إلى نزوح محلي من قرى إلى قرى، ومن تلك الأحداث الهجوم العماني في العام 1737 عندما هاجم العمانيون البحرين من منطقة سماهيج من ومنطقة فارسية، وحدث الكثير من البطش بالأهالي واضطر الكثير منهم إلى الهجرة وترك المنازل، واستقر بعض النازحين في النويدرات والعكر وهناك مصادر منها ما كتبه الشيخ محمد علي العصفور الدرازي في كتاب (الذخائر) الذي أثبت هجرة من عسكر وجو إلى الغرب كدار كليب وعسكر جاءوا إلى المعامير، وأقدم توثيق حصلنا عليه هو عبارة عن عقد صلح بين محمد بن يوسف النويدراتي تاريخها يعود إلى العام 1730 ميلادية وردت فيه أسماء: الحاج محمد بن الحاج سالم النويدري، المورث لأخيه محمد بن صالح النويدراتي، والشاهد أحدهم (مهزي)، وعبدالله بن الحاج محمد بن راشد النويدريين والحاج مدن بن الحاج سالم.

ووردت في تلك الوثيقة أسماء نخيل ومناطق بسيحة النويدرات وبحرها: أبو غراب، وأم خمام، وبديعة مرزوق، وأم دنيبه، البستان، أم عبدوه، القرنط، الدالية، العظيم، الصيران، وصرمة فتيلة، وصرمة علي بن إبراهيم، الجمالة، أم حجارة إبراهيم، رفض البصري، أم حجارة المخروه، أم حجارة الحاج عيسى، الريحانية، صرمة متروك، وتذكر مؤلفات الماضين شخصيات علمية تنتسب لقرية جو وعسكر مثل الشيخ محمد بين يوسف العسكري والشيخ محمد الجواني المدفون في جو، ومن الآثار وجود قبر الحاج محمد بن درباس بجانب ضريح صعصة في عسكر.

الرعيل الأول من الطلبة

وفي الوقت المخصص لورقته، تحدث مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي منصور محمد سرحان حول بداية وتطور الوضع الثقافي في قرية النويدرات بادئاً باستعراض صورة نادرة لعدد من شباب القرية في العام 1956 لينطلق في الحديث عما سبق هذه الفترة، وهي الالتحاق بالتعليم في الأربعينيات من القرن الماضي والذي شمل الرعيل الأول في العام 1940 والتحقت مجموعة ثانية في العام 1948 بمدرسة سترة من أهالي النويدرات الذين كانوا يذهبون إلى تلك المدرسة مشياً على الأقدام أتذكر منهم: أحمد حسين درباس، أحمد مرهون، أحمد الأشول، يعقوب يوسف، الحاج أحمد الفرساني.

أما الطلبة الذين استمروا حتى المرحلة الثانوية هم: أحمد جاسم عبدالله الذي اتجه إلى مدرسة المنامة الثانوية، وأحمد حسين درباس الذي التحق بمدرسة الصناعة وكان ذلك في حدود العام 1958 وكانا يسكنان في القسم الداخلي (سكن الطلبة)، فيأخذهما الباص من النويدرات يوم الجمعة مساءً ويرجعهم إلى القرية يوم الخميس ظهرًا، واستمر الاثنان وتخرجا وكانا مثال للمثابرة والتضحية، وفي الخمسينيات، تم افتتاح مدرسة سند في العام 1952 تبعتها مدرسة المعامير في العام 1954، وقد استعرض سرحان بضع صور للمعلمين منهم عباس حسن وحسين غلوم شرفي وعباس السماهيجي، وبرزت المطالبة بافتتاح مدرسة للبنات في القرية عام 1969 وافتتحت في العام 1970.

مدرسة البنات

يستدرك سرحان ليقول: «لم يعترض أحد على افتتاح مدرسة للبنات والتحاقهن من عمر 6 سنوات، بل أن بعض الأهالي كانوا يريدون تسجيل بناتهم من سن الرابعة، وأتذكر أن وزير التربية والتعليم المرحوم الشيخ عبدالعزيز بن محمد طلب منا حين قدمنا رسالة لافتتاح مدرسة أن نحضر عريضة موافقة من الأهالي فحصلنا على 150 توقيعاً، وتم تدشين المدرسة في بيت قمبر».

أفضلية في «بابكو»

ويشير إلى أن من العوامل التي أدت إلى التأثير على ثقافة المجتمع النويدري هو تحول حرفة مجتمع أبناء القرية من الزراعة وصيد الأسماك إلى العمل في شركة نفط البحرين، ولهذا تعتبر النويدرات من أكبر القرى من ناحية عدد العمال في شركة بابكو، وأفاد ذلك في تغير المجتمع النويدري إلى الأفضل بعقلية متفتحة أسهمت في احتكاك أبناء القرية بالكثير من أبناء الشعب من المدن والقرى كالرفاع والمحرق وجدحفص وسترة وكذلك التعرف على الأجانب وخصوصاً الإنجليز، وبدأوا يتعلمون اللغة الإنجليزية، وكان أبناء القرية حين يتقدمون للعمل في شركة بابكو فإنهم يحصلون على الأفضلية في التوظيف لأنهم لا يحتاجون للمواصلات، كما أن أول مجموعة من أبناء القرية أرسلت للدراسة الفنية في لندن عام 1958.

نويدرات... الثقافي أم الرياضي؟

وعن تأسيس النادي ودوره الثقافي والتربوي، أعاد سرحان إلى الأذهان فريق السلام الذي تأسس في القرية عام 1958 وأسهم في تأسيسه مع حسين قمبر، وبمرور السنوات فكرنا في تأسيس النادي وتم إشهاره في عام 1964 بعد عام من تقديم الطلب، وأتذكر أنه عندما بدأنا التأسيس، عقدنا اجتماعاً في غرفة والدي ودار نقاش حول اسم النادي... فمجموعة اقترحت تسميته (نويدرات الثقافي) وآخرون اقترحوا (نويدرات الرياضي)، وبقي النقاش لمدة أسبوعين إلى أن تم التصويت بالأغلبية على تسمية (النويدرات الثقافي)، وحصلنا على الرخصة واخترنا شعار النادي مع عيسى إسماعيل بعد أن اجتمعنا بالفنان عبدالله المحرقي وطلبنا منه تصميم الشعار، وكان للنادي دور في التعليم وتشجيع أبناء القرية بمواصلة الدراسة والالتحاق بقسم المعلمين، وأشير هنا إلى أنه في العام 1968- 1969 التحق أبناء القرية بجامعة بيروت العربية.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1227195.html