صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5330 | الإثنين 10 أبريل 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ما وراء قصف «قاعدة الشعيرات»

الكاتب: منى عباس فضل - comments@alwasatnews.com

ثمة تدفق للآراء ووجهات النظر التي تتناول الموقف التصعيدي للإدارة الأميركية وهجومها العسكري بـ59 صاروخ توماهوك، على قاعدة الشعيرات الجوية بسورية، على خلفية اعتقادها بتورط النظام السوري بقصف بلدة خان شيخون في إدلب بالسلاح الكيماوي (غاز السارين) الثلثاء الماضي. قبلها نسجل إدانتنا للعدوان الأميركي على السيادة السورية ولمجزرة السارين وقتل الأبرياء من أيّ طرف كان، وتحت أي حجج أو ذرائع، فهذه جريمة حرب مدانة جملةً وتفصيلاً، وتستدعي تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة.

حسب أغلب التحليلات، لم تكن الغارة الأميركية مستبعدة، وهي مرتبطة بأجندة سياسية تتضمن توجيه رسائل متفرقة ذات مغزى للخصوم من جهة، وللحلفاء من جهة أخرى. التقارير تشير إلى أن الهدف الأساسي من الغارة يتمثل في تعزيز وضع الإدارة الأميركية داخلياً، ومحاولة ترامب استعادة ثقة الداخل وكسب رضا المحافظين اليمينيين التقليديين من النخبة العسكرية والأمنية والإعلامية، فضلاً عن ضبط إيقاع السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

حسابات الدولة العميقة

داخلياً يجمع المراقبين بأن الغارة على سورية تشكل هروباً من الضغوطات التي تواجهها الإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب، وهي انعكاس فاقع للحملة التي يقودها المحافظون أو ما أطلق عليه «الدولة العميقة» في استهدافها لأجندة ترامب على مستوى السياسة الخارجية وحتى على المستوى الشخصي، لاسيما وقد صار مستقبله السياسي على المحك منذ فوزه بالانتخابات.

مؤشرات الاستهداف كما تكشفها التقارير كثيرة؛ فمن الاحتجاجات المناهضة لشرعيته كرئيس، إلى التحديات التي تعرض إليها من القضاء الذي أفشل قراراته بمنع مواطني سبع دول عربية وإسلامية من دخول أميركا، إلى عدم ثقة أعضاء الكونغرس به ورفضهم إصدار تشريع تقدم به يلغي برنامج «أوباما كير» للتأمين الصحي. وماذا أيضاً؟

أيضاً واجه ترامب منذ توليه سدة الرئاسة حملة إعلامية حامية الوطيس، تخللها طعنٌ في أخلاقه ونزاهته واتهامه بالتهرب من الضرائب ومحاباة الأقرباء في تعيينات المناصب على حساب الكفاءة والخبرة، وتعرّضه لتحقيقات من الـ(CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن تهمة التواطؤ مع الروس للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، وما قامت به الأخيرة من تسريبات أضرت بمنافسته هيلاري كلنتون. ولهذا لا غرابة إن وجدت بعض الآراء أن أحد أهداف الضربة جاءت لتظهر ترامب وإدارته وكأنه في وضع مواجهة مع موسكو وسياستها تجاه الأزمة السورية، فضلاً عن تداعيات الاتهامات المتمثلة في إقالة بعض مستشاريه ومعاونيه كمستشار الأمن القومي مايك فلين، والصراعات التنافسية بين المقربين منه والتي طالت حتى زوج ابنته جارود كوشنير الذي كثر الحديث عن تسريباته لمحطة (أم اس أن بي سي) التي ساهمت بإسقاط عضوية معاونه ستيف بانون من المجلس.

باختصار، كل هذه الأسباب الداخلية وتلك دفعت برأي المحللين ترامب للقيام بعمل عسكري، سعياً وراء تعزيز مكانة الولايات المتحدة ووضعه أيضاً كرئيس. لذا لا عجب أن أيّدت غالبية المحافظين التقليديين العدوان العسكري كإجراء عقابي وتحذيري للنظام السوري.

رسائل للحلفاء والأعداء

أما لجهة الخارج، ولاسيما حلفاء واشنطن ممن يتوجسون ويقلقون من تمدّد النفوذ الإيراني وتدخله المباشر في العراق وسورية واليمن، فالغارة جاءت بمثابة إشارة تطمين لهم، وتأكيد لاستمرارية حضور الولايات المتحدة بثقلها في المنطقة واستعدادها للتعاون معهم. بالطبع لهذا أثمان وأتعاب لن يغفل ترامب عن تحصيلها لدواعي تمويل مشاريعه الاستراتيجية في الداخل، أو تسديد أكلاف الحروب التي قد يخوضها ضد الإرهاب، كما قال نيابةً عنهم ودون وضع أي اعتبار لانخفاض عوائد هذه الدول المالية بسبب انخفاض أسعار النفط وما يعانيه بعضها من تقشف وتراجع في اقتصادياتها وارتفاع مديونيتها، لم لا؟ وقد قدرت التقارير التكلفة المالية للهجوم الصاروخي الأخير بأكثر من 93.81 مليون دولار.

بالنسبة للطرف المعادي، وتحديداً حزب الله وإيران، فإن الضربة العسكرية كانت بمثابة رسالة تخويف تحذيرية، وتأكيد على انتهاء زمن الاستدارة والانسحاب الأميركي من المنطقة، بل وإنها راجعة بقوة لإعادة التموضع والدفاع عن مصالحها، وهذا ما تدلل عليه مؤشرات الوقائع لجهة تعاظم وجودها العسكري المباشر في سورية، بحجة تهيئة وتدريب عناصر حليفها الأكراد «جيش سورية الديمقراطية» سعياً وراء تطهير الرقة الغنية بحقول النفط والغاز واستعادتها من تنظيم «داعش».

الأهم من هذا وذاك تحذير الروس كي يأخذوا في حسبانهم هذا الوضع المتغيّر، في إعادة رسم تضاريس التوازن العسكري الذي أخلّ به تواجدهم العسكري وقواعدهم في حميميم واللاذقية، وبما يضمن بالطبع مصالح الولايات المتحدة، مع التنويه أن الضربة العسكرية تصب في صالح دولة الكيان الصهيوني التي أيدت الغارة وأعلنت بأنها شريك فيها. ومنه يبقى السؤال يدور بشأن احتمالات الهجوم الأميركي وتداعياته على الأزمة السورية؟

النفوذ وتقسيم سورية

الاحتمالات كثيرة، ويكمن أبرزها في ثلاثة أمور، أولها، على رغم ما ذكرته موسكو بأن قرار واشنطن اتخذ قبل المجزرة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن الضربة العسكرية تكتيكية وتأثيرها موضعي ومحدود في بعدها الرمزي المتعلق بحضور الولايات المتحدة كقوة عظمى، هي من يحدّد خيارات المواجهة أو التهدئة. إلا إن البعض يتوقع بأنها قد تدخل النظام العالمي في أزمة كبرى، كما أشار حسن نافعة، ومعه قد تتحوّل سورية إلى كوبا جديدة، تذكّرنا بأزمة الصواريخ في مطلع ستينات القرن الماضي، لاسيما مع إعلان روسيا توقيف العمل بمذكرة الطيران مع واشنطن التي تجنّب القوتين وقوع حوادث قد تشعل فتيل مواجهات جوية وعسكرية، وتتسبّب في حرب عالمية مدمّرة.

أما الاحتمال الثاني فيشير إلى خيار التسوية الإقليمية بما يضمن مصالح القوتين الدوليتين، ويسمح بحل جذري وسريع للأزمة السورية يعزز السلم والأمن الدوليين. ويعلل أصحاب هذا الرأي بأن الفرصة قد تكون مواتية في الاتصالات الجارية بين القطبين، والتي ربما تتعمّق أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي لموسكو الأسبوع المقبل، حيث التداول بطرح خطة جديدة تتخللها مساومات ووعود قد تفتح الأبواب لرفع العقوبات عن موسكو، وبما يحفظ مصالحها في المنطقة تحت المظلة الأميركية.

لكن ثمة من يخالف هذه الفرضية، ويرى أنه وإن كانت الغارة العسكرية تأديبية وتحذيرية موجهة أساساً للطيران السوري، إلا أنها تعد مؤشراً على اقتراب معركة إدلب التي يستعد لشنها النظام السوري وحلفاؤه، ما يعني القضاء على النصرة واستعادة ما أطلق عليه «سورية المفيدة» لصالح النظام، فيما سيكون القضاء على «داعش» وتحرير الرقة من نصيب الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد، بعد أن بات مطار الطبقة في حوزتهم، ما يعنى أيضاً منع طيران النظام من التحليق فوق المناطق التي ستعلنها واشنطن مناطق آمنة. وحسب توقع المحللين سيتم هذا باتفاقات روسية-أميركية قد تناقش في اجتماعهم المقبل، الأمر الذي يعني باختصار أن تقسيم سورية سياسياً أصبح وشيكاً، في إطار حل نهائي يُحدّد معه شكل الحكم والدستور وتقاسم النفوذ، لاسيما بعد أن قايضت واشنطن أنقرة بالمنطقة الآمنة في منبج وشرق الفرات، مقابل تخلي الأخيرة عن تحرير الرقة لصالح «قوات سورية الديمقراطية» التي تستغلها واشنطن لترسيم حدود تقسيم سورية.

الخلاصة، لا يمكن تسطيح التنبؤات بردود أفعال قوى الاحتراب المعقدة، كما لا يمكن نسيان أن الخاسر الأكبر من استمرار نزيف الحرب والعدوان هو الشعب السوري، فمن احتلال وطنه إلى تدميره، إلى آلاف الضحايا والمهجرين، والخسائر المادية وسرقة الثروات ووو... متى يصحو الضمير الإنساني؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1229179.html