صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 5356 | السبت 06 مايو 2017م الموافق 19 رمضان 1445هـ

لا تقلق أبداً

في المرسم طاولة كبيرة بيضاء دائمة الضوء... ضوء ما تبقى على سطحها الناعم من ألوان وأحبار استحالت صور وأشكال عفوية (صدفوية) جميلة ورقيقة جداً جداً جداً تذكّر بعالم رسوم الأطفال البريء والصادق البارع التعبير؛ ولربما تبقّت قصاصات من ورق كأوراق شجر ربيع.

في المرسم ألوان وفراشي مختلفة الأحجام، برتابة صفت على جدار أبيض ناصع. في المرسم أوراق أحضرت من العديد من البلدان، أوراق من شدّة لذتها تخشى لمسها خوفاً من خدش رقتها وجمالها، مختلفة الرائحة والسمْك واللون والملمس والحجم. ثمة أحبار عديدة زاهية الألوان لا تود طرف الإمعان فيها.

في المرسم مكبس طباعة صغير... كلما أعياك فعل الرسم المباشر يأخذك إلى عوالم فن الجرافيك الرحبة الواسعة الغنية بكل تعقيداتها ومفاصلها، يجرّك إلى طقس حمض ماء النار وترطيب الورق والتحبير... يأخذك على حين غفلة إلى طقس الطباعة البهي.

في المرسم موقد وركوة وفناجين وقهوة تزداد وترتفع حدّة حلاوته وطراوتها ولذتها كلما حج إليه الأصدقاء.

في المرسم أعمال مكدّسة وشاشات حريرية جاهزة ملأى بما تيسّر من حروف وأبيات أشعار لمن تحب.

في المرسم أصدقاء يحجّون بقلوبهم البيضاء كل لحظة وساعة ويحوطونه بجلال هالاتهم.

ثمة تخطيطات مبثوثة بين جدران المرسم، وثمة كتابات وخربشات تعلو سطوحه تبيّن تاريخ حج الأصدقاء ومن مروا به.

في المرسم تتطاير روائح الألوان فتستحيل رائحة صندل وياسمين.

في المرسم يراع باتت أصابعك تخشاه وكلما وقعت عيناك عليه انتابتها غشاوة ليل وظلمة نهار... لم كل هذا وأنت المفتون به منذ سنوات؟

إلى هذا الحدّ بتَّ تخاف قصَبَك وأنت الذي لم تدع أناملك يوما تتوقف أو تستريح من اللعب به... مداعبته ومباغتته بوصفه كائناً حياً تحاكيه ويحاورك بلطف شفيف وبلغة موسيقى تتخلل جسدك وتسمو بروحك.

ماذا فعلت به، أمعقول ذلك الذي تفعله؟ لم كل هذا الصدود؟

لم هذا الجفاء يا صديق الحبر واليراع وهسيسه؟

إلى هذا الحد صرت تخشى عفاريت الحروف... ألم تكن مؤنستك ذات ليال غير منقطعات؟

فضاء المرسم دائماً مغلّف بروائح البخور والزهورات المطبوخة على مهل

في الإمهال طقس الخدر والمدى البعيد من الطراوة التألق.

في المرسم يا صديقي... يا ابن زينب كما يحلو لصديقك الناقد السعودي محمد العباس قولها مشاريع مؤجلة تكفي لإطعام جسدك النحيل الآخذ في الذبول سنين طويلة ويغذي روحك عشرات مثلها أو أكثر بقليل فلا تقلق.

في مرسم رباب كل المراسم

في مرسم رباب الحب كله.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/1237835.html