صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 215 | الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 19 رمضان 1445هـ

ما وراء الكواليس: الصفقات التجارية في حرب العراق

حين تدور الدبابات الأميركية الثقيلة متجهة إلى المدن العراقية ويهبط المظليون في سماء شمال العراق من طائرات نقل، فإن هذا مكسب مهم لمجموعة شركات كارلايل لأن المسئولين العسكريين الأميركيين يستخدمون قطعات عسكرية من إنتاجها في الحرب على العراق، دبابات برادلي والطائرات التي تقل الجنود، غلوبي ماستر. إنها حرب تكشف فيها التقنية الأميركية عن أحدث أنظمتها العسكرية.

وفي الحرب التي بدأها أقوى جيش في العالم، يمكن القول منذ الآن ان صناعة السلاح الأميركية الطرف الرابح مسبقا فيها، فصناعة الطائرات مثلا: حين يهبط المظليون داخل المجال الجوي العراقي، يشعر القائمون على شركة فوغت لصناعة الطائرات بالسرور لأنها نجحت في الحصول على عقد قيمته ثلاثمئة مليون دولار، وهذه الشركة تابعة لمجموعة شركات كارلايل، شركة الاستثمارات التي يقع مقرها في مدينة واشنطن على مقربة من صانعي القرارات السياسية. وحين تشارك دبابات برادلي في المعارك فإن المستثمرين في واشنطن يشعرون بأنهم كسبوا، فالمستثمر الكبير في إنتاج هذه الدبابة التي تصنعها شركة يونايتد ديفنس أيضا مجموعة شركات كارلايل.

يقع مقر مجموعة شركات كارلايل على مسافة قصيرة من مبنى الكابيتول، مصنع القرارات السياسية ومقر وجود اللوبي المؤثر. وقامت كارلايل في السنوات القليلة الماضية بشراء أسهم كبيرة في شركات تصنيع السلاح من دون إثارة انتباه أحد، وبلغ حجم الأرباح التي حققتها في تعاونها مع الإدارة الأميركية منذ العام 1998 ضعف ما حققته في الماضي. وليس في واشنطن مكاتب تحمل اسم مجموعة شركات كارلايل لكن نفوذها كبير. وقال أوتفريد ناساور من مركز الإعلام التابع للأمن الأطلنطي ان مجموعة شركات كارلايل تعمل بنشاط في السنوات الأخيرة في الاستثمار في المجال العسكري ليس فقط لأنها تعاقدت مع مجموعة كبيرة من السياسيين للعمل لديها بصفة مستشارين يستخدمون خبرتهم في الحصول على العقود وخصخصة مصانع السلاح المملوكة للدولة.

في الجو وفي البحر، فإن مجموعة شركات كارلايل على صلة دائمة بالقوات المسلحة الأميركية كما تتمتع بعلاقات وثيقة جدا مع إدارة الرئيس بوش. ويشرف وزير الدفاع الأميركي السابق فرانك كالوتشي على أعمال الشركة، وكذلك وزير الخارجية السابق جيمس بيكر بوظيفة مستشار، أما كبير المستشارين في مجموعة شركات كارلايل فهو شخص مقرب جدا من والد الرئيس الأميركي الحالي: الرئيس الأسبق للولايات المتحدة جورج بوش الأب.

إنها من دون شك مجموعات شركات مثيرة للشبهات، وليس أدل على ذلك من أن كبار المستشارين العاملين فيها، شاركوا في مناصب حكومية في حرب الخليج السابقة وأنهم من دون شك عملوا على وضع خطط الحرب الجارية ضد العراق. وقال الموظف في مؤسسة للعلوم والبحوث ومؤلف كتاب (كيف تشتري الرئيس؟) الذي يتابع منذ سنوات نشاطات مجموعة شركات كارلايل تشارلز لويس: «انه من دون شك أمر غير طبيعي أن يعمل والد رئيس الولايات المتحدة في شركات تصنيع السلاح وعقد صفقات مع حكومات ومستثمرين أجانب في الوقت الذي يقوم ابنه بالتفاوض مع هؤلاء بوصفه رئيسا للولايات المتحدة! إن الرئيس ووالده لا يمارسان معا سياسة المصلحة الذاتية فحسب بل هذه عملية مشينة تضر بمنصب رئيس الولايات المتحدة ومثيرة للشبهات».

لكن لا يبدو أن رأي لويس وغيره يقلق مضجع بوش الصغير ولا وزير دفاعه رامسفيلد. فقد تعاقد المسئولان خلال العام الماضي مع مجموعة شركات كارلايل على شراء أسلحة قيمتها 1,4 مليار دولار وحصلت هذه الشركة على المركز الثاني عشر في قائمة الشركات التي تتعامل معها الإدارة الأميركية. وتنتقد منظمة جوديكال واتش المناهضة للفساد هذه العلاقة الوثيقة بين الإدارة الأميركية ومجموعة شركات كارلايل التي يلعب فيها بوش الأب وبوش الصغير دورا مركزيا في توقيع العقود لصالح الشركة. وقالت هذه المنظمة المتأثرة بالدعاية الصهيونية ان صفقات بوش الأب مع السعودية يمكن أن تؤثر على سياسة الشرق الأوسط التي يتبعها بوش الصغير. وقال لاري كلايمان من منظمة جوديكال واتش: سيواجه الرئيس بوش مشكلة في البت في نزاع الشرق الأوسط ويصطدم بمصالح والده الذي يشجع مجموعة كارلايل على تعميق روابطها مع السعودية. وبحسب معلومات منظمة جوديكال واتش هناك مصالح كبيرة للشركة في الشرق الأوسط، كما تعمل في استثمار أموال تقدر بملايين الدولارات تخص أسرة بن لادن. معنى ذلك أنه يصعب على الرئيس بوش الموافقة على قرارات تضر بمصلحة والده، وحين يقرر فإنه يأخذ دائما ما يعود بالنفع على مصالح والده. وتنفي مجموعة كارلايل وجود صلة عمل وثيقة بين بوش الأب وابنه الرئيس، وتقول إن كبير المستشارين لا يناقش أمور الشركة مع ابنه وليس هناك ما يمنع من أن يعمل الرئيس السابق بوظيفة كبير المستشارين في الشركة في الوقت الذي يشغل فيه ابنه منصب الرئيس.

ولا تنتفع مجموعة كارلايل فقط من الحرب الحالية ضد العراق، فالشركة التي نقلت الدبابات الأميركية إلى منطقة الخليج وقامت ببناء مساكن الجنود، نفذتها شركة خاصة اسمها كيلوغز براون آند روت. وهي الشركة نفسها التي قامت ببناء معتقل غوانتنامو الذي يضم مقاتلين من الطالبان والقاعدة لا تطبق الولايات المتحدة عليهم اتفاق جنيف الخاص بأسرى الحرب وتخضعهم لمعاملة غير إنسانية. وكانت هذه الشركة قد حصلت على عقد بالخصوص من الإدارة الأميركية.

وتملك شركة هاليبيرتون شركة كيلوغز براون آند روت، وتعمل الأولى في إطفاء النيران المشتعلة في آبار النفط، وكبير المستشارين في هذه الشركة هو لورنس إيغلبيرغر وزير الخارجية السابق والعضو المقرب من بوش في الحزب الجمهوري. وكان نائب الرئيس الحالي، ديك تشيني، رئيسا لهذه الشركة حتى عامين ماضيين، ويتقاضى حتى اليوم من الشركة مبلغ مليون دولار سنويا، يقول إنها تعويضات وينفي طبعا أن يكون قد تدخل حين حصلت شركة هاليبيرتون على عقود كبيرة من الإدارة الأميركية.

وقال تشارلز لويس إنه خلال السنوات الخمس التي أمضاها تشيني في منصب رئيس الشركة ضاعفت شركة هاليبيرتون قيمة تبرعاتها للحملة الانتخابية وأنفقت مئات الآلاف من الدولارات في الدعاية لحملة بوش/تشيني، ويلاحظ لويس أن أسهم شركة هاليبيرتون ارتفعت وزادت الأرباح بعد أن أصبح تشيني نائبا لرئيس الولايات المتحدة.

الحرب ضد العراق صفقة تجارية تعود بالربح الوفير على أسرة بوش وأصدقائه، وحين تحول طائرات ودبابات التحالف العراق إلى ركام سيكون النصيب الأكبر لعقود إعادة التعمير لشركات أميركية. وتريد واشنطن تخصيص مبلغ خمسمئة مليون دولار لإعادة بناء صناعة النفط في العراق، وسيكون الحظ الأكبر لشركات أميركية طبعا، لكن شركة تشيني لن تحصل على العقد الرئيسي بسبب الحملة الإعلامية التي فضحت نائب الرئيس، إلا أن شركة هاليبيرتون لن تخرج بعد الحرب خالية الوفاض، فهناك عقد موقع مع الإدارة، يوكل للشركة إطفاء آبار النفط المشتعلة... ولهذا يشجع تشيني على إحراق آبار النفط العراقية كي تزيد أرباح شركته


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/201670.html