صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 1581 | الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 19 رمضان 1445هـ

في حكاية «امرأتان»

نيكي كريمي تطلق صرخة نسائية مدوية

أرادت أن تهرب من قسوة والدها وسذاجته، فعقدت صفقة خاسرة، أخذها إليها حظها العاثر وواقع أسرتها البالي وثقافة محيطها الظالمة. حلمت بالكثير وحملت طموحات لا عدَّ لها، وهي ابنة قرية صغيرة تقع على أطراف مدينة أصفهان الإيرانية، لكن ألا يحق لها ذلك، مع حدة ذكائها، وسعة معرفتها وثقافتها، وهما ما جعلاها تتفوق على جميع الطلبة وتلفت أنظار كل اساتذتها في الجامعة. وعلى رغم ذلك تقبل بزواج لا يرقى إلى مستوى طموحاتها، لا لشيء إلا لكونه بارقة أمل، ومنفذها الوحيد إلى العالم وراء أسوار قريتها ومحيطها البائس.

أرادوها جميعا جسدا من دون إرادة، وروحا لا تعي إلا الخنوع وطأطأة الرأس، فكان لهم ما أرادوا، وكان لها كل البؤس والشقاء وكل الدمار والفشل. لا جرم لها سوى كونها امرأة، عليها أن تعيش دائما تحت ظل رجل، ومقدر لها أن تنتقل من سلطة جلاد إلى آخر. لهم أن يفرضوا عليها ما يشاؤون، فإن أبت كان لها الخزي والعار وإن قبلت فعليها أن تعيش مهانة ذليلة في ظل أحدهم.

لم تكن تلك سوى حكاية أخرى لامرأة شرقية، جسدتها على الشاشة الممثلة الإيرانية نيكي كريمي في «حكاية أمرأتان»، لكنها في واقع الأمر تدور في كل أزقة وحواري شرقنا الأوسطي. تتكرر «ثيمتها» في كل يوم، ويأتي الاختلاف في تفاصيل كل حكاية وكل فيلم سينمائي لا يجد طريقه إلى عدسة أحدهم.

فرشتة، كان اسمها، وحسن كان اسم جلادها الثاني أو زوجها، رغب في الزواج منها واستمات في ذلك، ككثيرين غيره بدءا بمدرسيها وبعض من التقتهم أثناء دراستها في طهران وانتهاء بجميع أبناء قريتها الصغيرة. تودد إليها بطريقته، وقطع لها الوعود لترضى به زوجا، لكنها وحين وقعت صك عبوديتها فوجئت، ككثيرات من نسائنا، بوجهه الآخر. وعدها بالكثير، بمسكن طيب وبحياة كريمة، وهي ابنة الأٍسرة الفقيرة، لكنها لم تشأ سوى أن تكمل دراستها، وكان لها من «الوعود» ما أرادت. لها أن تعيش حيث تشاء وأن تعود إلى جامعتها التي تركتها بسبب ضحالة عقل والدها، وتمكن مفاهيم العار والشرف الذي لابد أن يساح على جوانبه الدم من كل جوانحه. وجب عليها أن تدفع ثمن حماقة ووقاحة أحدهم، ممن أراد معاكستها واستمالتها بالقوة، وإذ سخرت منه توعدها شرا ونذر إلا أن يرد لها الصاع صاعين.

بطريقة ما دفع هذا الفاشل الأحمق ثمن خطئه صاعا واحدا، في حين دفعت هي ثمن «خطئه» أكثر من ذلك بكثير. لم تخطئ سوى في كونها أعجبته، ولذلك وجب أن تدفع الثمن غاليا، أن تعيش رعبا في بادئ الأمر ثم أن يعاقبها الأب بأن يحرمها من إكمال الدراسة يزوجها أخيرا ممن «قبل» الاقتران بها على رغم سمعته.

تزوجت حسن، صاحب الوعود، فكان لها ما لم ترد، وعلمت أنها لم تفعل سوى أن انتقلت من سجن والدها إلى سجن آخر، ومن زنزانتها الأولى حيث منزل أسرتها، إلى زنزانة أكثر سعة ورحابة هي منزلها مع حسن.

ومثل كثيرات من النساء لدينا، وجب عليها أن تتفهم كل عقده، وأن تتحمل كل قسوته وغلاظته، وأن تصم أذنيها عن كل الكلمات الجارحة والإهانات اللاذعة في حقها وحق أسرتها، أوليس هو من ستر عارها ووارى سوأتها؟

حين تطلب الطلاق، يسألها القاضي إن كان الزوج يلبي كل حاجاتها التي تشبه حاجات كثير من الكائنات الحية، لكنه لا يسألها إن كان هذا الزوج يحفظ لها كرامتها ويصون إنسانيتها، بل يرفض الاستماع إليها حين تدافع عما تبقى من تلك الإنسانية وتحاول إقناعه بضرورة انفصالها عن هذا الزوج. غيورا كان منها وعليها، كاذبا نكث كل عهوده، راغبا في السيطرة وإثبات الذات، منغلقا على نفسه، متصنعا القوة في خارجه هشّا وضعيفا في داخله، قتل الإنسان بداخلها، قضى على كل إحساس بالذات لديها، ودمّر حياتها.

وأخيرا وجه إليها لكمة قاضية فـ... مات، رحل وتركها وحيدة بعد أن انتزع منها كل شيء، وجعلها في مواجهة مع واقعها الجديد، مواجهة استعرضها المخرج من خلال حوار بين فرشتة وصديقتها التي حرمها جلادوها منها، جاء كمناجاة ذاتية بين فرشتة ونفسها. لم تعد تعرف ما يجب عليها عمله، فزوجها الراحل، وبعد أن جعلها جسدا لا روح فيه، تركها لتواجه واقعا آخر ولتعد نفسها لصراعات جديدة، ولتستعرض أمام المتفرج في آخر مشاهد الفيلم خياراتها الجديدة. هي لا تدري ما عليها أن تفعل، هل تستأنف حياتها بعد طول انقطاع، أم توجه اهتمامها لتربية ولديها؟ هل تعد نفسها لمعركة قضائية جديدة مع أهل زوجها، الذين قد يحاولون انتزاع طفليها، أم تستعد للتفكير في طريقة تنفق بها على الصغيرين؟!

تساؤلات كثيرة تطرحها كريمي في نهاية الفيلمم موجزه بها واقع كثيرات من النساء، محاكمة من يعنيهم الامر عن طريقها.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/209158.html