صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 1589 | الخميس 11 يناير 2007م الموافق 18 رمضان 1445هـ

محط علماء الدين... دار الخلد الخضراء

سترة... جزيرة المانجو

طير يغرد خارج سرب الطيور بحرية استثنائية. لحن يعزف سميفونية خاصة. فرع مكسور من جذع شجرة ينمو وينمو في أرضه الجديدة. إقليم منشق جيولوجيا لم يمنعه الزحف القاري من أن يقول هأنا ذا. طفل يركن على جانبي صدر أمه البحري، إنها سترة. فاكهة المانجو، كما وصفها مسح جغرافي سنة 1825. أو الدودة كما عبر عنهاM. Chapman وزملاؤه العام 1872 حين أرادوا أن يهدوا البحرين خريطة. تقع سترة على الساحل الشرقي لجزيرة البحرين. وتتكون من عدة قرى: واديان، مركوبان، القرية، الخارجية، مهزة، سفالة، أبوالعيش، وحالة أم البيض. قديما، كان لعقل الإنسان الذي سخر الأفلاك في البحر، أن يتيح للبحريني فرصة أن يغدو إلى تلك الجزيرة النائية منه، أن يصل إليها، الإبحار شرقا ثم جنوبا... بالقوارب... هنا سترة، وكأنها رحلة الشتاء والصيف. حاليا، نمت البلاد، فارتقت معها سبل الرحلات والمواصلات. بُنيت الجسور، ومنها (جسر سترة المعروف حاليا)، والذي كان سابقا هو حلقة الوصل الوحيدة التي تنقل الأهالي آنذاك إلى عالم ما وراء البحار. بني جسر سترة الذي يربط الجزيرة بالجزيرة الأم (البحرين) من جهة الشمال في العام 1976، وكان يربط معه أيضا جزيرة النبيه صالح. وسبقه جسر يربط سترة بالمنامة من جهة الغرب في العام 1932.

تاريخ سترة حكاية فصولها طويلة

لكل قصة شخوصها، حبكتها، زمانها ومكانها. ولسترة أيضا. يقال إن سبب تسمية سترة يعود لعدة تأويلات، كانت سترة قديما مركزا لولادة العقول الدينية. أرضا أنجبت رجال دين مشهوريين. فانصهرت الأرض بروادها، فأنبتت علوما ودعوات تحض على تستر المرأة وعفتها، ومن هنا برزت تسمية سترة، وذلك حسبما أرجعها بعض المؤرخين والباحثين في كتبهم التي تحكي تاريخ الجزيرة، أبرزهم كتاب «سترة بين الماضي والحاضر» للمؤلف عبدعلي حبيل. وللزمان والمكان حكاية أخرى مع التسمية، إذ يرجع بعض الباحثين سبب تسمية سترة إليهما. ويسرد المؤلف حبيل سبب التسمية في كتابة فيقول، إن غابات من النخيل كانت تحيط بسترة من جهاتها الأربع، ولذلك تبدو سترة مستورة عن غيرها من الجزر. آخرون يعتقدون أن الإمكانات الاقتصادية والزراعية التي امتلكتها منذ القدم جعلت حال ساكنيها مستورا، ولذلك سميت «سترة».

أما الزمان. فلقد مرت البحرين بحوادث تاريخية عدة، وذلك لموقعها الاستراتيجي الذي كان عرضة لأطماع الطامعين والغزاة قبل نشوء الدول الخليجية بسلطتها وقدراتها الدفاعية برعاية البريطانيين. وكذلك كانت سترة جزيرة مرت بحوادث عدة كان أبرزها حركة الخوارج العام 626، وحركة الزنج التي انتهت العام 270 هجريه. وآخرها الغزو البرتغالي في العام 15 يونيو/ حزيران 1521، واكتوى أهالي هذه الجزيرة بالتعذيب والتشريد، وفرضت على أهلها حياة «التستر» أمام الحكام، وذلك اتقاء ما يعانونه من ظلم وجور على أيديهم، وبذلك سميت سترة، إذ استتر أهلها عما يكنونه للاستعمار من كراهية. وعلى رغم تاريخ الجزيرة الأم (سترة)، لم يكتف قاطنيها بالمسمى المطلق، بل جزأوها وقسموها إلى مناطق قروية، كانت هذه التسميات ملهما آخر فاض من مخيلة السكان، فأودعوا لكل (قرية) من قرى سترة حكاية ورواية ترجع منها أصول التسمية. ومازالت الألسن الستراويه شاهدة عليها. فلـ «واديان» التي تقع في وسط جزيرة سترة قصة يذكرها الحاج محمد المعلم آل طوق، والذي يذكر أن هذه المنطقة كانت مسكونة من رجل مشهور اسمه «آن» فسميت القرية باسمه وادي «آن»، وكان يربط مراكبه من خيول ونوق في شرق واديان فسميت مركوبان، وحفر (عبد آن) عينا في واديان فسميت عين عبدان. أبرز من سكن ودايان هم عوائل الحاج حسن بن الحاج أحمد بن مرزوق وقد توفي الحاج حسن بن مرزوق في العام 1931 عن عمر ناهز 100 عام. إضافة إلى عائلة كويد، وعائلة السواد، وعائلة آل طوق التي خرج منها الحاج رضي بن محمد بن طوق، وكذلك عائلة الخياط، وعائلة الستري. وشهدت واديان في العام 1815 حوادث معركة حربية دارت بين البحرين ممثلة بالقوة البحرية للشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة وجيش حاكم مسقط سعيد بن سلطان بصحبة ارحمة الجلاهمة. سميت الموقعة بموقعة (الإمام) أو (دلوة الإمام) وكان النصر فيها للشيخ سلمان بن أحمد. كذلك لقرية مركوبان أجواؤها، إذ انصهر أهلها فيها وتزاوجوا وكونوا لها مساحة معتبرة في سترة تضاهي مساحات القرى الأخرى. أبرز من سكنها الحاج أحمد بن رضي أحد وزراء الشيخ خالد بن علي آل خليفة والشيخ أحمد بن صالح بن طعان، وعائلة العطار. ولقرية الخارجية أيضا ماضٍ وتاريخ، يحكي منبت نشأتها. يذكر بعض الأهالي رأيين في سبب تسميتها، الأول: أن الأهالي نزحوا إلى المنطقة من قراهم المتراصة ولذلك سميت بالخارجية. لكن الروايات اختلفت بشأن أصول نشأتهم؛ رأي يقول إنهم جاءا من مدينة القرية القديمة بغية النزوح إلى مكان أوسع لممارسة حرفتهم في صناعة «المديد» فأطلق على هذا المكان بالخارجية نسبة إلى نزوح بعض أهالي القرية القديمة إليها، فيما يذهب الرأي الآخر إلى أن التأكيد أن أصولهم جاءت من منطقة «الحمرية» القريبة من البحر. أشهر العوائل التي سكنت الخارجية، عائلة الشيخ عبدالله بن الشيخ عباس الستري، عائلة آل عبود، وعائلة السيدعبدالله بن السيدمعتوق. تأتي بعد الخارجية قرية «المهزة» في التسلسل لذكر مجموع القرى التي تبلغ نحو 8 قرى. ولمهزة تأويلات ترجع إلى نخيل بها تسمى «مهز». فيما يذكر الخطيب والشاعر القديم المرحوم محمد على الناصري سبب تسميه القرية بمهزة نسبة إلى عين مهزة. لأن ماء العين يتموج فيحدث اهتزازا، ومن أشهر العائلات التي قطنت القرية عائلة الشاعر المرحوم ملا علي بن فايز، كذلك عائلة آل سهوان، عائلة أبي دواس، وعائلة حسن عبدالخضر، وعائلة آل حاجي ويتفرع منها عائلة آل حبيل. ثم نعرج في الحديث عن قرية سفالة، ويرجع الباحثون سبب تسميتها إلى ما معناه «نقيض العلو»، أسفل الشيء وأعلاه، وربما سميت بذلك لأنها لا توجد بعدها قرية من جهة الجنوب، هي تقع جنوب قرية مهزة، ويشتهر أهالي سفالة إلى يومنا هذا بصيد الأسماك خصوصا. ومن العائلات المشهورة فيها عائلة العصفور، وعائلة السادة، وعائلة الحاج علي بن عباس البري، وعائلة عبدالخضر، وعائلة الحاج حسين الصافي، وعائلة علي بن حسن الوزير، وعائلة آل مرهون. كذلك لقرية أبوالعيش حضورها في سترة، إذ تعود التسمية إلى نخيل بر أبوالعيش. وحالة أم البيض، سابقا كان يسكنها أقلية من السكان. منهم عمال شركة نفط البحرين خصوصا، حاليا لا يوجد بها أي من السكان الأصليين وقد تفرق سكانها بين الرفاع الشرقي وعسكر.

تربة سترة خصبة بنتاج أجيالها بزغ من أرض هذه التربة الستراوية، مجموعة من فطاحلة العلوم الدينية والشعراء، وكان أبرزهم الشيخ علي بن سليمان الستراوي المتوفي في القرن السابع الهجري، إذ كان الشيخ عالما جليلا، متكلما حكيما ووصف بأنه الشيخ الفيلسوف الحكيم، تتلمذ على يد الشيخ أحمد بن سعادة الستري، وكان أستاذا للعالم الرباني الشيخ ميثم البحراني المتوفي 699 هجرية، وترك آثارا علمية قيمة منها:

«مفتاح الخير في شرح ديباجة رسالة الطير»، وشرح قصيدة العينية في النفس لابن سينا، ومطلعها:

هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع.

شارع التجارة والمال

ولأن سترة كانت بؤرة تتجمع حولها حقول النفط والصناعة، ولنا في مصنعي ألبا للألمنيوم وبابكو لتكرير النفط صلة. كان لسترة خصوصا أن تصبح منطقة اقتصادية مهمة وفاعلة. يضم شارع سترة/ شنغهاي البحرين معارض لأهم أنواع السلع الاستهلاكية الضرورية والكمالية، سواء فيما يتعلق بمعارض لموديلات السيارات العالمية منها اليابانية والأوروبية والأميركية، أو معارض لأنواع الديكورات ذات الجودة العالية، أو معارض للمفروشات الراقية أو الأجهزة الإلكترونية العالمية. ما جعل منها مدينة من أهم المدن في البحرين لاحتوائها على أهم وأكبر مصانع البحرين تقريبا، إذ تعتبر بمثابة الحزام الصناعي للبحرين. نعمة الصناعة والنفط التي انتعشت، عملت على توريد نتاجها التنموي إلى سترة وفي السياق نفسه كان لها أن تعبث بجنة الخلد. اندثر من معالم سترة ما انذر بصنع الإنسان تارة وبصنع آلته تارة أخرى. على أنقاض العيون العذبة دشنت المصانع الضخمة فكان لسترة أن تفقد شيئا من بريقها الذي لا قاطنوها يتذكرونه تارة وأخرى. أبرز العيون العذبة التي كانت معروفة آنذاك واندثرت معالمها هي عين «الرحى»، والتي تتوسط حاليا المنطقة الصناعية من جهة ومباني قرية (القرية) من جهة أخرى. كانت عين «الرحى» سابقا تبعد قرابة 150 مترا عن ساحل البحر بين بساتين النخيل التي توجد بين قريتي «الحالة» و»القرية»، ويبلغ طولها نحو 11 مترا وعرضها نحو 7 أمتار، فيما يصل أقصى عمق لها إلى 3 أمتار عن مستوى سطح الأرض. ويتفرع من طرفها الغربي الجنوبي مجرى واسع يتجه إلى الغرب ثم ينحرف باتجاه الشمال ويصل طول هذا المجرى إلى نحو كيلومتر واحد واتساعه إلى متر واحد. لكنه اليوم «لا شيء». كذلك عين عبدان مضت. كان الستراويون يستخدمون هذا المجرى لأغراض الغسيل. وكان طول العين نحو 10 أمتار وعرضها 6 أمتار، أما اليوم فهي مجرد «مكب» للنفايات لا أقل ولا أكثر.

«كرضاوية» شفرة ستراوية خالصة

أرجع الباحثون أصل اللهجة الستراوية إلى فترتين. الأولى تمتد ما قبل إنشاء الجسر والثانية بعدها. وعلى رغم سترة جيولوجيا عن الجزيرة الأم البحرين. لكل قرية من قرى سترة لهجتها، ترجع أصولها في الغالب إلى حقبة نشأتها داخل جزيرة سترة نفسها. وأبرز الألفاظ التي يرددها أهالي سترة هي كلمة «كرضاوية» وتعني الدمية اللعبة. إضافة إلى كلمة «نبلة» وهي لفظ يصدره الستراوي وقتما ترتسم عليه ملامح التعجب والذهول من فعل أو تصرف ما، وكلمة «هدايشو» وتعنى ما هذا؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/210487.html