صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 375 | الإثنين 15 سبتمبر 2003م الموافق 19 رمضان 1445هـ

النظام التعليمي وعملية الدمج في الدول المتقدمة

في الأسبوع الماضي تناولت مساوئ التعليم الخاص وأهمية التعليم النظامي (الحكومي) للمجتمع... ولكي تكتمل لدينا الصورة سننظر نظرة سريعة إلى طريقة التعليم في بعض الدول المتقدمة ونبدأ بالولايات المتحدة. ففي أميركا تدخل السياسة في كل شيء، إذ منحت جميع الاقليات حقوقها وأخذت نصيبها من التعليم. لقد استخدم هذا الحق أولياء أمور الأطفال المعوقين ليتم إلحاقهم بالمدارس النظامية وتوحيد التعليم لجميع الفئات، ولكن لاتزال بعض الولايات تواجه بعض الصعوبات المالية لتواكب الولايات الأخرى.

أما في السويد، فقد رفعت شعار «مدرسة واحدة للجميع One school for everybody» ونجح هذا الشعار بسبب نظام التعليم المرن في السويد، إذ تتاح للمدرس مقابلة الكثيرين من الطلبة بحرية تامة، ويحق له تكوين فرق وحلقات خاصة لمساعدة من يراه في حاجة إلى المساعدة. والجهود تبذل في السويد الآن لخلق جو دراسي يؤدي إلى نجاح جميع الدارسين. (المرجع: Fex. B. I. (1987) Special education in Sweden).

في نيوزلندا طرأت على نظام التعليم تطورات كبيرة في السنوات القليلة الماضية، إذ كان التعليم يعتمد على المركزية في إدارة المدارس، لكنها (المدارس) أصبحت الآن تمنح حريات كبيرة في إدارة التعليم وتم إدخال أقسام خاصة تقدم المشورة والنصيحة إلى الطلبة ذوي الحاجات الخاصة، وتم تخصيص أيام خاصة لمساندة المعوقين وانشاء وحدات خاصة بهم في المدارس النظامية.

في استراليا، كانت ولاية فكتوريا أولى الولايات التي بدأت بتوحيد التعليم مباشرة بعد نشر تقرير وزارة التعليم الذي أفاد بأهمية هذا المنهج النظامي للمعوقين، وبعد ذلك تم نشر تقرير آخر أدى إلى زيادة إشراك المعوقين في التدريس النظامي، ثم ظهرت إثباتات تؤيد النظام الذي اتبعته ولاية فكتوريا.

وهذا التقرير الأخير أفاد بأنه لاتزال هناك بعض الإعاقات الشديدة التي تحتاج إلى برامج خاصة في وحدات خاصة، ولكن بشرط أن يكون الهدف النهائي لهذه البرامج هو دمج المعوق في التدريس النظامي. وتم ضخ 02 مليون دولار لمساندة 0003 معوق تم توزيعهم على 0001 مدرسة نظامية. وعلى رغم كل ذلك لاتزال هناك فجوات في التطبيق الكامل لهذا النظام وفقا للدراسة التي أجريت حديثا بخصوص هذا الموضوع.

في إيطاليا، كان التعليم الخاص قبل سنة 0691 مثله مثل الكثير من الدول المجاورة، حتى سنة 8691 إذ حدثت ثورة في مفهوم التعليم والصحة في المجتمع الإيطالي. وفي سنة 1791 سمح القانون الأهلي رقم 811 بحق تعليم المعوق في المدارس النظامية. وفي سنة 7791 ظهر قانون آخر (القانون الأهلي رقم 715) يؤيد هذا الاتجاه ويضع بعض الأنظمة التي تحدد عدد الطلاب في كل الفصول الموحدة بحيث لا يزيد طلابها على 02 طالبا على أن يكون في كل فصل عدد 2 من الطلبة المعوقين. وخلال أيام قليلة (هذا ما تقول به الدراسة) تم إغلاق جميع المدارس والفصول الخاصة بالمعوقين وتم توزيع الطلبة على المدارس النظامية. وطبعا هذا التغيير المثير لم يكن ليمر من دون مؤيدين ومعارضين. ومن المشكلات التي تعترض نظام التعليم في إيطاليا، أن اليوم الدراسي لا يزيد على 4 ساعات، كما أن المدرسين المخصصين للعمل مع المعوقين غير مهيئين بقدر كاف لتدريس وتعليم المهارات الخاصة.

معظم الدول الغربية وحكوماتها تأخذ مسألة تعليم المعوقين بعين العدالة والمساواة، إذ اقتنعت هذه الدول بأن توحيد التعليم مهم في حياة جميع الطلبة لخلق جو طبيعي للجميع. المدافعون عن هذا النظام ينبذون أية فكرة لوضع فصول خاصة أو مدارس خاصة بالمعوقين تؤدي إلى عزلهم عن باقي زملائهم، ويرون أن فكرة عزل المعوق ولو لفترة بسيطة في المدرسة النظامية (كما هو متبع حاليّا في البحرين) غير مقبول بتاتا. لذلك فإن المعوق الذي نشأ في جو مختلط قبل دخوله المدرسة سيكون حظه أحسن وأسرع في الاستفادة من هذا النظام.

هدف الأباء حصول ابنهم على مستوى أكاديمي ومستوى تطوري يسمح له بحياة كريمة. أما مشكلات المدرسين فأهمها السلوك العدواني لبعض المعوقين وهو أهم عنصر لبحث فصل الطفل المعوق عن المدارس النظامية أو تحويله إلى مدرسة خاصة بالمعوقين. وهناك بحث جيد درس إمكان ربط المدارس الخاصة بالمدارس النظامية لمصلحة المعوق، لكن هذا البحث لم ينجح في إقناع المؤيدين لعملية الدمج الكامل.

وفي الوقت الحاضر أصبح الجميع مقتنعا بحق تعليم المعوق في المدارس النظامية، ولكن ما أفضل السبل لتطبيقه؟ هذا هو السؤال الصعب. إنك لا تستطيع إجراء دراسة مقنعة تبين ما إذا كان توحيد التعليم مفيدا أم غير مفيد؟ أو إلى أي مدى يمكن المضي فيه؟ أو كيف يقاس مدى نجاحه؟ أو كيف يمكن تطويره؟ أو ما الفئة التي ستستفيد منه أكثر؟ أو كم ستكون الكلفة؟ أو ماهية المصادر التي يحتاج إليها هذا النظام الجديد؟... يمكن لأي إنسان أن يسأل هذه الأسئلة، ولكن لا يحق لأي شخص أن يعلن أن عملية توحيد التعليم لا تصلح أو غير جيدة أو غير مفيدة!

إن مثل هذه التصريحات غير المدروسة ليست في مصلحة أي شخص، سوى تلك الفئة التي اتخذت من التعليم الخاص مصدرا تجاريّا يخدم أطماعها الشخصية. لكن للعدالة ولمصلحة جميع فئات المجتمع، لابد أن نجعل عقولنا متفتحة تتقبل جميع التغيرات وتستفيد من تجارب الآخرين.

رئيس الجمعية البحرينية لمتلازمة داون


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/332306.html