صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 403 | الإثنين 13 أكتوبر 2003م الموافق 19 رمضان 1445هـ

حكومة الصدر المرتقبة أربكت الأميركان

الكاتب: مهدي السعيد - comments@alwasatnews.com

في خضم الأزمة السياسية والامنية التي تضرب العراق حاليا، تظهر بعض المفاجآت التي لم تخطر على بال أحد من المعنيين بالملف العراقي، وخصوصا مسيري السياسة الرسمية من اعضاء مجلس الحكم العراقي الانتقالي او حلفائهم الاميركان. ويبدو ان مسلسل المفاجآت لم ينقطع الى الآن، فمازال يتدفق بين الحين والآخر في بلد مخرب يرزح تحت وطأة الاحتلال من جهة وغياب المؤسسات المدنية والقانونية والأمنية من جهة أخرى. وآخر هذه المفاجآت اعلان السيدمقتدى الصدر عن تشكيل وزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وهذه صيغة ربما تكون في غاية الغرابة بالنسبة إلى العراقيين الذين لم يتعودوا على التعامل معها من قبل. ويبدو ان حدود وعي السيدالصدر لا تتعدى حدود مدينة «الثورة» التي تغير اسمها بعد الاحتلال الى مدينة «الصدر»، فهذه المدينة تضم نحو مليون ونصف المليون من العراقيين الفقراء الذين لم تتوفر لديهم فرص التطور الاجتماعي والثقافي الموازي لبقية المدن العراقية بسبب الخوف التاريخي لانظمة الحكم المتعاقبة من نهوض هذه المدينة كذلك النزعة الطائفية المريرة التي تعامل بها الحكام السابقون مع هذه المدينة الشيعية ذات الطبيعة الريفية إذ توجد روابط وثيقة بين هؤلاء المواطنين والتوجهات الراديكالية لدى القادة السياسيين بحكم شعور الغالبية الساحقة من سكنة المدينة بالاضطهاد والتخلف ومحدودية الانتفاع من امتيازات الدولة.

لذلك ينحاز المواطنون في مدينة «الصدر» إلى كل صوت يعارض بقوة الصيغة الرسمية للحكومات المتعاقبة، ومن هذا المنطلق وجد السيدمقتدى الصدر حضورا لافكاره وتوجهاته بين مواطني المدينة، فاعلن قبل ذلك عن تشكيل «جيش المهدي» وليس ثمة مفاجأة اذا كانت هذه المدينة اول المدن التي اعلنت عن هذه التشكيلة. الآن طور مقتدى الصدر اسلوب مواجهته لاطراف الحكم الحالي وكذلك للادارة المدنية، إذ اعلن عن نيته بتشكيل حكومة ظل. ولغرض تجنب الصدام مع هذه الاطراف، اعلن بأن هذه الحكومة سوف لن ترفع السلاح في وجه الاميركان، وانما ستعتمد على اسلوب الكفاح السلمي، ولكن معظم المتابعين للشأن العراقي يعتقدون بأن مقتدى الصدر ربما لايزال يلعب بالنار، ولا يعي ابعاد خطواته هذه والتي اربكت حسابات الاميركان والاطراف العراقية في المجلس الانتقالي وبحسب هؤلاء المتابعين فإن مقتدى الصدر، يبني قوته في الصراع الحالي على قاعدة سياسية محدودة، قوامها مدينة «الصدر» مع بعض الانصار التابعين له في المدن الدينية المقدسة كالنجف وكربلاء والكاظمية. ولكن معظم هذه المدن تتقاسمها قيادات دينية اخرى، بعضها يشكل قوة اساسية، مثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية «عزيز الحكيم» إذ يهيمن على الغالبية في مدينتي النجف وكربلاء، والسيد المدرسي، الذي يسيطر على جزء كبير من مدينة الكاظمية، اضافة إلى نفوذ حزب الدعوة في هذه المدن وغيرها من مدن الجنوب مثل البصرة والناصرية وهناك ايضا قوى علمانية لها حضور واسع في الكثير من مدن العراق وخصوصا العاصمة بغداد.

إذا؛ فان حكومة الظل التي يريد تشكيلها مقتدى الصدر ربما تتجاهل وجود «موزاييك» عراقي متنوع، إذ تتنوع الجغرافيا وتتنوع الانتماءات الدينية وتتنوع الانتماءات المذهبية والقومية، وحكومة تريد ان تفرض «الامر بالمعروف والنهي عن المنكر» في مجتمع متمدن قام على اساس القوانين المدنية، قد تكون فرصة الصدام الاخيرة التي اما ان تتحول الى حادثة تاريخية او تجر المزيد من الويلات الاضافية لهذا الشعب المنكوب


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/344571.html