صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 483 | الخميس 01 يناير 2004م الموافق 19 رمضان 1445هـ

السجائر والشيشة من طرق انتقاله

«الكادميوم» معدن سام في أجسامنا... ولا نعرفه

كثيرة هي المعادن الموجودة في الطبيعة بأشكال وأنواع متعددة، ومن هذه المعادن هو الكادميوم، الذي قد لا يكون معروفا لدى كثير منا، على رغم شيوع وجوده في كثير من المصنوعات والمنتوجات والمأكولات بشكل يدعو إلى الحيطة والحذر، لما قد يسببه للإنسان من أضرار صحية خطيرة بعد أن يتراكم داخل جسم الإنسان، وتتعدى تراكيزه الحدود الحرجة الآمنة.

ويهدف هذا التحقيق إلى كشف النقاب عن ماهية معدن الكادميوم، وطرق انتقاله إلى جسم الإنسان، وما يسببه من أضرار صحية، وكيفية التعامل معه.

يتحدث رئيس لجنة الدراسات والتخطيط بجمعية حماية المستهلك البحرينية جلال عبدالله السعد عن معدن الكادميوم، قائلا: «معدن الكادميوم عنصر موجود في الطبيعة، ويعد إحدى عناصر قشرة الأرض، ويكون ملمسه ناعما ولونه يميل إلى الأبيض الفضي، وهو لا يوجد غالبا في صورته النقية في الطبيعة بل متحدا مع عناصر أخرى مشكلا حضورا متعددا لهذا العنصر بأشكاله كالأكاسيد الكبريتيد الكبريتات والكربونات في خامات معادن أخرى كالزنك والرصاص والنحاس».

ويندرج الكادميوم تحت فئة المعادن أو المواد التي لها تأثير سام، إذ تؤكد جميع الأبحاث والدراسات أن معدن الكادميوم شديد السمية على الكائنات الحية جميعها، وليس له أي دور حيوي، وتوضح الدراسات أن تعرض الإنسان لجرعات بسيطة للغاية من هذا المعدن ولفترات طويلة، من شأنه أن يحدث مع مرور الوقت تسمما مزمنا، ولقد تم إعداد الكثير من الدراسات عن الأضرار الصحية التي يسببها معدن الكادميوم على الإنسان.

ويوضح السعد أن «معدن الكادميوم غالبا ما يتم الحصول عليه عن طريق التعدين متحدا مع عناصر أخرى كالأكسجين والكلور والكبريت، معظم الصخور والأتربة وكذلك الفحم ومخصبات التربة المعدنية تحتوي على مقادير من الكادميوم. ويحصل على الكادميوم في صورته المستخلصة من خلال إنتاج معادن أخرى كالزنك، الرصاص والنحاس، ويتميز هذا المعدن بمقاومته للتآكل، وتتعدد استخداماته الصناعية كصناعة البطاريات، الألوان، طلاء ومزج المعادن، وحتى في صناعة المواد البلاستيكية».

ويشير السعد إلى أنه «يقدر أن هناك نحو 25 إلى 30 ألف طن من معدن الكادميوم تجد طريقها للبيئة في كل عام، نصفها يذهب للأنهار والمحيطات، وتتسبب ثورة البراكين وحريق الغابات في نشر جزء كبير منه في الهواء، والإنسان بأنشطته المختلفة يلعب دورا ملحوظا في انتشار هذا المعدن بيئيا، إذ قدرت الكمية بنحو 4 إلى 13 ألف طن سنويا، وخصوصا في عمليات التعدين، حرق الوقود الإحفوري (كالفحم في محطات الكهرباء) والمخلفات المنزلية والصناعية».

طرق انتقاله إلى الإنسان

وبحسب السعد فإن طرق انتقال هذا المعدن إلى الإنسان متعددة «منها انتقاله عن طريق الهواء، إذ تتعلق الحبيبات المحتوية على هذا العنصر في الهواء، وتحمل إلى مسافات بعيدة قبل أن تتساقط على الأرض كغبار أو بواسطة الأمطار والثلوج وتدخل إلى مصادر المياه المختلفة، كما أنها تدخل إلى مصادر المياه والتربة من خلال عملية التخلص من النفايات وتناثر أو تسرب المواد الخطرة من مواقع التخلص من النفايات، ويمكن لهذا العنصر أن يتحد بقوة مع جزيئات التربة، ويذوب في الماء بنسب مختلفة ومحدودة، وتتعاطى الأحياء المائية من نباتات وحيوانات هذا العنصر من البيئة المحيطة، ويمكن أن يصل إلى جسم الإنسان نظرا لقدرته على البقاء في الجسم لفترة طويلة والتراكم بداخله، كما يمكن لهذا العنصر أن يأخذ طريقه إلى جسم الإنسان عن طريق السلسلة الغذائية والاستهلاك الغذائي، ويوجد في الأغذية بنسب قليلة، وأعلى نسبه توجد في الأصداف البحرية والمحار، لحوم الكبد والكلية الحيوانية، وكذلك تأتي الخطورة بالتعرض له عن طريق الجهاز التنفسي من خلال أماكن العمل في صناعة البطاريات، في عملية لحام السبائك والأجزاء المعدنية، وينتقل أيضا من خلال تنفس واستنشاق دخان السجائر والشيشة، وتنفس الهواء من أماكن قريبة لحرق الوقود كالفحم أو المخلفات».

ويعتبر استخدام المياه الساخنة في السخانات الكهربائية من أجل تجهيز الأطعمة أو المشروبات الساخنة أحد مصادر انتقال هذا العنصر إلى الإنسان، فالمعروف أن درجة تآكل المعادن تزداد بزيادة درجة الحرارة، ومن ثم فقد يكون نصيب المياه من التلوث بهذه الوسائل اكبر من المصادر الأخرى.

خطورة الكادميوم

ويتطرق السعد إلى خطورة معدن الكادميوم على الإنسان، إذ يقول: «يعتبر الكادميوم من المعادن ذات السمية العالية، ويرتبط ببعض القضايا التي لها علاقة بالإصابة بالتسمم وخصوصا من خلال الغذاء، ويمكن لكميات قليلة منه أن تأثر على الأوعية الدموية في الكليتين، ويعتقد بأن لهذا المعدن دورا في الإصابة بالسرطان العام في حيوانات التجارب، كما له ارتباط وبائي مع بعض أنواع السرطانات عند الإنسان. ويؤثر استنشاق هذا العنصر بمقادير كبيرة على الرئة ويسبب ضررا كبيرا قد يؤدي إلى الموت، كما يؤدي وجوده بكميات كبيرة في الأكل والشرب إلى التسبب في التقيؤ والإسهال الشديدين».

ويوضح السعد: «بعض حيوانات التجارب عند تغذيتها بجرعات تحتوي على الكادميوم، وجد بأنه يسبب ارتفاعا ملحوظا في ضغط الدم، وفقر في عنصر الحديد في الدم، والإصابة بأمراض الكبد، وتلف في الأعصاب والمخ. لوحظ أن صغار هذه الحيوانات التي تعرضت لهذا العنصر في فترة الحمل، بينت عوارض التصرف غير الطبيعي، كما كان لها تأثير على وزنها عند الولادة وكذلك على جهازها الهضمي.

وأوضحت دراسات أخرى أجريت على حيوانات تجارب أيضا أن لهذا المعدن ارتباطا في إنقاص القدرة على إنتاج الحيوانات المنوية عند الذكور، كما وجد له ارتباط امتصاصي عالي في الجسم إذا كان الغذاء فقيرا بالكالسيوم أو البروتين أو الحديد، أو إذا احتوى الغذاء على نسبة عالية من الدهون، وبينت بعض الدراسات التي أجريت على الحيوان أن صغار هذه الحيوانات تمتص هذا العنصر أكثر من البالغ، وبالتالي تفقد العظام قوتها، ومن غير المعروف أو المؤكد إذا كان الإنسان عرضة لمثل هذه الأمراض كما هي عند الحيوان».

ويشير السعد إلى أنه «من غير المعروف إذا كان الكادميوم يسبب عيوبا في الأجنة، وعلى رغم عدم انتقاله بسهولة من الأم إلى الجنين، إلا أن جزءا منه قد يصل إلى المشيمة».

زيادة تركيز الكادميوم في جسم الإنسان تؤدي إلى أضرار كثيرة، منها الإصابة بالفشل الكلوي، إذ يخزن الجسم الغالبية العظمى من الكادميوم في الكليتين، وفي الكبد والأعضاء التناسلية أيضا، وغالبا ما تحدث أمراض الكلى عندما تصل كميات الكادميوم في الكلى بتركيزات تصل إلى 200 جزء في المليون، ويتخلص الجسم من الكادميوم عادة ببطء، ويرتبط هذا التخلص بنوعية الغذاء.

من الأضرار التي تنتج عن زيادة تركيز الكادميوم في الجسم أيضا حدوث ارتفاع في ضغط الدم، وذلك عن طريق استمرار دخوله إلى الجسم بكميات ضئيلة ولمدة طويلة، كما انه يتسبب في حدوث فقر الدم وتضخم القلب كذلك.

وقد يتسبب شرب الماء الملوث بتركيزات عالية من الكادميوم في الإصابة بمرض (إتي إتي)، الذي يتميز بأعراضه الروماتيزمية المصحوبة بآلام في العظام، نتيجة افتقارها إلى المعادن، فتصبح العظام لينة كالأنسجة نفسها.

طرق التعامل

وبخصوص طرق التعامل مع الكادميوم، يوضح السعد: «يجب تخزين المواد التي تحتوي على هذا العنصر في المنزل بأمان، ووضع البطاريات المحتوية على عناصر الزئبق، النيكل والكادميوم بعيدا عن متناول الأطفال، ومن الأفضل عدم شرائها والتأكد من البطاقة التعريفية قبل الشراء وإيجاد البديل عنها. ويجب منع انتقال غبار المواد المتعامل معها لاحتمال حمل هذا العنصر المعدني معها عن طريق الملابس أو الجلد أو الشعر».

ويضيف السعد: «يجب تجنب أو التقليل من تناول المواد الغذائية التي قد تحتوي على مقادير معينة من هذا العنصر، وخصوصا الأصداف والمحار البحري، ومن الضروري التوقف عن التدخين بجميع صوره وأشكاله، وعدم التعرض لمصادر التدخين، ومن الممكن أن يساعد الغذاء المتوازن والمتكامل في الحد من امتصاص كميات كبيرة من هذا العنصر والمأخوذة عن طريق الغذاء والشرب بواسطة الجسم، ويمكن مراجعة جهاز حماية المستهلك لطلب المشورة عن كيفية التخلص من هذه المادة».

وبالسؤال عما إذا كان المستهلك العادي في البحرين على معرفة بالكادميوم، يجيب السعد: «قد تكون الإجابة بلا، إذ إن اسم الكادميوم غير متداول، وقد يكون المستهلك على وعي ببعض المصادر المعدنية الضارة كالزئبق. ويمكن الاستدلال على وجود الكادميوم معمليا من خلال فحص مستواه في الدم إذ يدل ذلك على التعرض الحديث لهذا العنصر، وكذلك من خلال عينات من البول التي تفيد في معرفة النسب الحديثة والقديمة التي تم التعرض لها، كما يمكن الاستدلال عليه في عينات الشعر والأظافر، إلا أن دقة هذه النتائج غير مؤكدة».

دور الجهات المعنية

ويتطرق السعد إلى دور الجهات المعنية «على هذه الجهات القيام بمهمة توعية المستهلك، ليس فقط من الكادميوم، وإنما من مواد كثيرة كالبلاستيك على سبيل المثال. والتوعية لا تعني في جميع الأحوال الامتناع عن استخدام مادة معينة، ولكن تعني الإلمام بها (معرفة ما لها وما عليها)، والتقليل إذا ما لزم الأمر من استخدامها حتى يمكن الحد من مخاطرها، فالتطور العلمي هو سلاح ذو حدين. ويمكن للمستهلك أن يقوم بتثقيف نفسه ذاتيا من خلال الاستفادة من شبكة المعلومات العالمية (الانترنت)، وحضور الندوات المختلفة التي تقيمها الجامعات أو اللجان والجمعيات المهتمة بمثل هذه الأمور».

ويشير السعد إلى أنه «توجد في أوروبا وأميركا وكندا واستراليا جمعيات ولجان حكومية وغير حكومية، تقوم بمهمة توصيل هذه المعلومات إلى المستهلك، إذ تعد حق من حقوق المعرفة لديه، وتم وضع معايير ونسب محددة كما في الملونات الصناعية المضافة للأطعمة (15 جزءا في المليون - أي 15 مليغرام لكل كيلوغرام)، وفي مياه الشرب (5 أجزاء في البليون - أي 5 ميكروغرامات لكل لتر)، ويمنع استخدامه أو وجوده في جميع المبيدات الكيماوية. كما حدد في الهواء المحيط بمناطق العمل (مقدار 100 ميكروغرام لكل متر مربع)، وحتى مقدار ما يمكن السماح له في الغبار (200 ميكروغرام لكل متر مكعب). وتتراوح النسب المحددة في الأغذية الاستهلاكية ما بين 2 إلى 40 جزءا في البليون - أي 2 إلى 40 ميكروغرام لكل كيلوغرام. وتوجد اقل هذه النسب في الفواكه والمشروبات، وبمقادير أكثر في الخضراوات الورقية والبطاطس».

ويضيف السعد: «في مملكة البحرين ودول الجوار توجد مختبرات متخصصة، تقوم بمهمة التحليل والمراقبة على الأغذية والمياه المعدة للاستهلاك البشري، وذلك باتباع المواصفات والمقاييس الوطنية والعالمية التي تحدد النسب المسوح بها».

ويشير السعد إلى «أهمية مشاركة أصحاب الاختصاصات المختلفة في مثل هذه الأمور، وننصح بالقيام بمزيد من الدراسات والأبحاث في هذا المجال، لتغطية جميع أوجه التعرض له كالهواء، الغبار والأتربة وغيرها، وضرورة نشر ما يستجد في هذه الأمور للعامة والمختصين».

ويختم السعد حديثه قائلا: «التعرض لأية مادة كانت (كالكادميوم مثلا)، تحكمها عدة عوامل تحدد مقدار الاذى أو الخطر الذي تعرض له، ومن هذه العوامل، مقدار الجرعة والفترة الزمنية التي تم التعرض لها، والحال الكيماوية أو الفيزيائية لهذه المادة، وكيفية التعرض لهذه المادة (عن طريق اللمس، الفم أو التنفس الخ)، كما يجب الوضع في الاعتبار المواد الكيماوية الأخرى التي تعرض لها مسبقا أو أثنائها، إضافة إلى العمر، الجنس، نوعية الغذاء المستهلك، تاريخ العائلة الطبي، نوعية أو أسلوب الحياة، والحال الصحية العامة».


احتياطات ونصائح للوقاية من الكادميوم

في حال العودة من السفر مثلا، يجب عدم استخدام مياه الصنبور مباشرة، إذ من المحتمل أن يكون الماء قد تلوث بقدر كبير نتيجة بقائه مدة طويلة في الأنابيب المعدنية، وعليه يجب فتح الصنبور فترة قبل الاستعمال للتخلص من المياه المشكوك في تلوثها.

- عدم تجهيز الأطعمة والمشروبات الحارة باستعمال المياه المسخنة في السخانات الكهربائية الخاصة بالاستحمام.

- عدم استخدام الأواني المطلية في تجهيز أو تقديم الأطعمة، نظرا لظهور تأثيرات سمية لتلوث الطعام بالكادميوم من أوعية مطلية، كما تتسبب في اعتلالات معوية ومعدية.

- عدم الإفراط في أكل الكلى (الكلاوي)، إذ تمثل هذه الأعضاء أهم الأماكن التي يخزن فيها الجسم الكادميوم.

- عدم ترك البطاريات، خصوصا ذات العمر الطويل في متناول الأطفال، إذ يعتبر الكادميوم من المواد الأساسية في تركيب هذه البطاريات.

- الإقلاع عن التدخين أو التخفيف منه، إذ أثبتت الدراسات والأبحاث أن التدخين يؤدي إلى دخول الكادميوم للجسم عن طريق الرئتين.

- الإكثار من الأطعمة ذات البروتين الخفيف، إذ أثبتت الدراسات أن البروتينات الخفيفة ساعدت على تحرر معادن الكادميوم والنحاس والزنك المتراكمة بكميات كبيرة في الكلى والكبد، وخروجها مع البول والبراز.

- الإكثار من تناول مشتقات الألبان، لأنها تحتوي على نسبة عالية من الكالسيوم، وقد دلت الدراسات على أن امتصاص الكادميوم الملوث به الطعام يقل كثيرا في الثدييات عندما يوجد الكالسيوم في الطعام بتركيزات عالية، بينما يزداد امتصاص الكادميوم عندما يقل محتوى الطعام من الكالسيوم


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/361335.html